قليلون حول النضال.. كثيرون حول السلطة و المال
تمة أشياء كثيرة غلط اليوم في النضال كما في السياسة كما في حياتنا اليومية. و يوما ما سندفع ثمن أخطائنا. لأننا فقدنا البوصلة و أصبحنا كالتائهين في بحر الحياة تتقاذفنا أمواجها العاتية فلا نملك إلا الاستسلام و التخبط. لماذا وصلنا إلى قاع الانحدار الذي قد يؤدي إلى اندحارنا تماما؟ أي محن قاسية و تجارب مشئومة عاشتها الذاكرة الجماعية فجعلت روحنا تنهار و تهوى بهذا الشكل المخيف؟ و هل ثمة أمل في قدرتنا على استرجاع قوتنا الذاتية و الجماعية لتحقيق الوثبة الصحيحة قصد تصحيح المسار و استرجاع إنسانيتنا المتجلية في قدرتنا على الاختيار الحر و الصحيح؟
فماذا يعني اليوم بحزب الاستقلال، أن يقحم منسق جهة الشرق لحزب الاستقلال، عامل إقليم بركان في صراعه ضد قيادة حزب الاستقلال و يراسله ليعطي أوامره و تعليماته بمنع اجتماع عزمت القيادة الاستقلالية على تنظيمه؟
أن يستنجد قيادي حزبي بوزارة الداخلية لتصفية صراعات حزبية داخلية مع إخوانه الاستقلاليين، يحمل أكثر من معنى سلبي. فبينما الأحزاب الوطنية كمؤسسات تطالب بالديمقراطية و باستقلالية القرار الحزبي و السياسي، نكتشف عبر الممارسة أنه للأسف يوجد الكثير من الرياء في هذا المطلب و ليس كل المناضلين أو القياديين ملتزمين بالدفاع عن هذه المبادئ الحزبية و الشعبية بنفس الدرجة، و ربما لهذا السبب الحلم بالديمقراطية و باستقلالية القرار و الخيار الإيجابي للمواطن عبر تجسيد الشعار الخالد لحزب الاستقلال " مواطنون أحرار في وطن حر" مازال بعيد المنال.
فبين الشعار أو أهداف الحزب الكبرى و بين تنزيل هذه الأهداف إلى أرض الواقع مازال الشرخ كبيرا. لأن المناضل الذي هو خليط بين نتاج الحزب و المجتمع هو الساهر على تنزيل المبادئ ، و لكن نفس هذا المناضل لا يجد أدنى حرج في إقحام وزارة الداخلية في صراعاته الحزبية أو طموحاته السياسية و التي هي شأن داخلي، و من المفترض أن المناضلين يحملون من النضج و الاستقلالية ما يؤهلهم لحل مشاكلهم أو تحقيق طموحاتهم باستقلالية و وعي كامل.
هؤلاء المناضلون السياسيون، ستجدهم يتظاهرون بمحاربة التحكم و بالمطالبة باستقلالية القرار السياسي و تنزيل الديمقراطية و يطالبون أن ترفع وزارة الداخلية يدها عن الأحزاب. و لكن واقع الحال و هذه هي الطامة الكبرى، عدد كبير منهم لديه القناعة المطلقة بما يشبه الهوس المرضي بأنه لن ينجح سياسيا و لن يخطو قيد أنملة في الساحة السياسية بدون مباركة و دعم السلطة، و هكذا يصبحون داخليا مسلوبي الإرادة بالكامل مهووسون بما تريده السلطة، عبيدا يتذللون لها عارضين عليها خدماتهم بدون حتى أن تطلب منهم ذلك، فتجدهم ينتظرون الإشارات و يجالسون من هم قريبون منها علهم يستنتجون توجهاتها فيتملقون و يبالغون في تنفيذ التعليمات لينتجوا في النهاية مجتمعا أكثر مخزنية من المخزن نفسه، مجتمعا قاصرا عاجزا عن اتخاذ القرار الذي يريد أو عن اقتراح أية مبادرة إيجابية، مجتمع كل همه انتظار التعليمات و تأويل الإشارات و تحليل الخطابات، مجتمع يخاف من الديمقراطية لأنها التزام و عمل و مبادرة و مسئولية.
و ماذا يعني اليوم بحزب الاستقلال، الفيديو الذي يظهر زوج عضو اللجنة التنفيذية و هو يفاوض بلسان زوجته قصد اصطفافها السياسي نحو مجموعة معينة، فتجده يطالب بالسيارة و البقعة الأرضية و بأجرة شهرية مدى الحياة؟
هل بهؤلاء قياديين سننهي معضلة تفشي المال في الحملات الانتخابية؟ و كيف يعقل أن يرهن مستقبل حزب تاريخي بالمال؟ و أن يصبح المال هو مفتاح اتخاذ القرار السياسي من لدن بعض القياديين ضاربين بعرض الحائط مصلحة الحزب نفسه أو القناعة الشخصية و التزام الأخلاقي؟
إن الطريق إلى المؤتمر السابع عشر لحزب الاستقلال، يجعلنا نصطدم بكثير من الآفات و المعضلات الأخلاقية و النضالية، مما يجعلنا في أحيان كثيرة نشعر بالإحباط و نتساءل عن جدوى النضال السياسي. و لكننا ندرك بأن حزب الاستقلال بكله و ليس ببعضه، و بأن حزب الاستقلال سينتصر في النهاية لأن به زعماء و أبناء بررة يحرسونه.
أمل مسعود