راسلونا عبر البريد الالكتروني: [email protected]         الجزائر .. التشويق السياسي يربك جبهة الموالاة مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية             قفزة تاريخية.. المنتخب المغربي للفوتسال ضمن 6 أوائل عالميا             الجزائر تصب الزيت على النار..هكذا تشعل الحدود لتصدر أزمتها الداخلية             بسبب كثرة حوادث السير.. تعزيز المراقبة على أصحاب الدراجات النارية             حماس توافق على مقترح هدنة طويلة الأمد وإسرائيل تمهد لعملية رفح             حالة الطرق بالمغرب…رصد ميزانية لصيانة 500 كلم من المحاور في العالم القروي             هذا ما ينبغي فعله تجاه ما تفعله الجزائر بتراثنا المادي واللامادّي             ريال مدريد يتوج ببطولة الدوري الإسباني             جلالة الملك يحمل مسؤولين حكوميين إسرائيليين تداعيات العدوان الغاشم على غزة             الصحافي واموسي مخاطبا راضي الليلي :”نتمنى لك إقامة سعيدة في حضرة الأفاعي والسحالي والعقارب”             مكافحة جرائم غسيل الأموال.. المغرب يبذل جهودا جبارة لتجاوز التحديات             مهرجان إثران الوطني للمسرح وفنون الشارع أيت عتاب يكرم الفنانة لطيفة أحرار بحضور عامل الإقليم             مستجدات الأمراض التعفنية عند الأطفال والأوبئة تجمع خبراء ومختصين من إفريقيا وأوروبا             إيموزار كندر تحتضن الدورة 4 من مهرجان "ثمازيرث" بحضور شخصيات فنية بارزة             الحكومة ترفض اتهامها بـ”المقايضة” لتمرير إصلاح التقاعد مقابل الزيادة في الأجور             أرباب المقاهي يهاجمون مجلس المنافسة             مكاسب المغرب من الأزمة المفتعلة ضد نهضة بركان             صرخة قوية لعاملات النظافة (فاتح ماي): نحن تحت رحمة شركات المناولة محرومات من كل شيء             بسبب إشادته بالمغرب..الكابرانات يهددون مدرب اتحاد العاصمة الجزائري             قميص نهضة بركان.. ذريعة لا تخفي أن قيادة الجزائر أوصلت نفسها إلى درجة عالية من الضيق             الزيادة في تسعيرة استهلاك المشروبات في المقاهي..مجلس المنافسة يفتح تحقيقا في الموضوع             الألعاب الأولمبية بباريس.. سرقة حاسوب مسؤولة عن البرمجة والشرطة تحقق في النازلة             الجرائم الغابوية ..تحرير حوالي 12 ألف محضر سنويا             المركزيات النقابية تجمع على أهمية الاتفاق الموقع مع الحكومة             وزير الفلاحة: استيراد اللحوم الحمراء من الخارج إجراء استثنائي وظرفي فقط             ما هذا المستوى؟                                                                                                                                                                                                                                                           
 
كاريكاتير

 
مواقـــــــــــــــف

هذا ما ينبغي فعله تجاه ما تفعله الجزائر بتراثنا المادي واللامادّي


مكاسب المغرب من الأزمة المفتعلة ضد نهضة بركان


البلطجة أسلوب حكم في الجزائر والكذب خط تحريري لإعلامها


قميص بركان وحدود " المغرب الحقة "


تكريم بطعم القهر...

 
أدسنس
 
حـــــــــــــــوادث

بسبب كثرة حوادث السير.. تعزيز المراقبة على أصحاب الدراجات النارية

 
سياحـــــــــــــــة

عدد السياح الوافدين على المغرب بلغ 6,5 مليون سائح عند متم يونيو 2023

 
دوليـــــــــــــــــة

حماس توافق على مقترح هدنة طويلة الأمد وإسرائيل تمهد لعملية رفح

 
خدمات الجريدة
 

»   مواقع صديقة

 
 

»   سجل الزوار

 
 

»  راسلونا عبر البريد الالكتروني : [email protected]

 
 
ملفــــــــــــــــات

ملف “اسكوبار الصحراء”.. متابعة بعيوي والناصيري بتهم جديدة

 
وطنيـــــــــــــــــة

مكافحة جرائم غسيل الأموال.. المغرب يبذل جهودا جبارة لتجاوز التحديات

 
جــهـــــــــــــــات

تنظيم حفل بالسجن المحلي بأزيلال إحياء لذكرى تأسيس المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج

 
 

من الخيال السياسي


أضف المقال إلى :
yahoo Facebook yahoo Twitter Myspace delicious Live Google

أضيف في 24 فبراير 2017 الساعة 51 : 19


 

من الخيال السياسي


بعض الكتب بها لعنة و طاقة خفية، والاقتراب منها قد يعصف و يغير حياتك بأكملها إما إيجابا أو سلبا. و هذه حقيقة. و ربما هذا الشيء الوحيد الحقيقي في هذه القصة. كمثال على ذلك، المهندس المعماري الياباني العالمي تاداو أوندو اشتغل في بداية حياته كسائق طاكسي و حمال و عامل بناء و ملاكم أيضا. فهو لم يتقدم يوما إلى الجامعة لدراسة فن العمارة. و لكن في أحد الأيام عثر في محل لبيع الكتب المستعملة على كتاب للمهندس المعماري الفرنسي  المشهور “لوكوربوزييه” بعنوان ” نحو معمار جديد”، فغير الكتاب مسار حياته. حيث اتجه إلى التعمق في فن المعمار و علم نفسه بنفسه ليصبح أول مهندس معماري عالمي تخطى العالمية بدون أي تكوين أكاديمي، فقط صدفة العثور على كتاب في محل لبيع الكتب المستعملة أيقظ حواسه و ألهب روحه و غير مصيره بالكامل.


قهوة آدم …


جلس آدم كعادته، كل مساء في مقهى محفوظ، يحتسي قهوته الرديئة المحروقة، فيمتزج طعمها المر في لسانه مع بعض حبات البن التي قاومت العصر، فينتابه شعور بالمرارة و صعوبة بلع القهوة، و مع ذلك يستمر في رشف قهوته ببطء. فينهي كأسه بعد مضي وقت ليس بالهين، في أحيان كثيرة يتعدى الساعتين.  أيكون هذا هو الشعور الذي ينتشي به  و يواسيه؟ ألهذا يرتاح لطعم القهوة الرديئة و يحب ارتياد المقاهي الشعبية ؟ أتذكره القهوة الرديئة بحياته المرة التي يبتلعها على مضض؟


حاول مرة أن يجرب ارتياد مقاهي مختلفة، فجلس في “فينيسيا أيس″ و طلب كابوتشينو. فشعر بوحدة قاتمة. كابوتشينو بدا له لا يشبه قهوته في شيء فابتلعه في خمس دقائق. و خرج متيقنا أنه لن يعود أبدا. فهناك لا أحد يتحدث عن السياسة. و لا أحد يتحدث عن حكايات الناس. و لا أحد يتحدث بصخب. و لا شيء يثير الانتباه. فقط بضع مراهقين و مراهقات يتحسسون في أيدي بعضهم البعض، و بعض الرجال في مقتبلي العمر و بربطات العنق  يتحدثون عن المال ثم المال و أخيرا المال… هناك حتى النادل بربطة عنق و يقف مستقيما و أنيقا و هو يسألك عن طلبك. ألهذا شعر بضيق شديد  و بغربة موحشة في ذاك المكان؟


أخذ يتحسس جسمه النحيل الهزيل، و شعره الخفيف، و يمرر لسانه على فراغات أسنانه التي تكسرت، و يعد أسنان فمه: ينقص ثلاث أسنان و خمس أضراس. فينتابه شعور بالهزيمة و الانكسار  سرعان ما يتحول إلى غصة حبيسة في حلقه. لماذا لم يستطع أن يحافظ على ذاته من التدمير؟ أي خطإ ارتكبه؟


حاول أن يطرد أفكاره و هو غير مقتنع بأن هذا الجسم النحيل و الوجه المليء بالبثور ما زال يخفي تحته جمجمة قادرة على التفكير و ربط الأشياء. في جميع الأحوال، ما جدوى التفكير إذا كان يوجد دائما من سيفكر مكانك و يقرر من أجلك و يتحدث بلسانك و يستعر يدك ليصفق و يصفع و يوقع بها؟


أدار عينيه يتأمل مقهى محفوظ. بنيت في الثمانينات في وسط المدينة. مالكها كان متأثرا بأدب نجيب محفوظ، معجبا بأجواء المقاهي  الشعبية في رواياته، فقرر أن يسميها مقهى محفوظ لعل هذا الاسم يضفي عليها نكهة خاصة. مات المالك الأصلي، و لكن الورثة حافظوا عليها. فالقهوة الرديئة التي  تقدمها أصبح لها جمهور عريض.


لم يتغير في المقهى شيء على الإطلاق. نفس الكراسي الخشبية المتداعية، نفس الطاولات المتدلي من تحتها غطاء من البلاستيك الرخيص. نفس الإضاءة الخافتة و الهواء المختنق الملوث بفعل الدخان المتطاير في الأفواه، نفس الصخب و نفس النقاشات الحادة، نفس صوت و حركات النادل الخفيفة. فقط اختلط صوت مذيعي قناة الجزيرة مع صوت رواد المقهى. و لكن مع مرور الوقت، انطفأ سحر قناة الجزيرة. فعلا من جديد صوت النقاشات الحادة و القهقهات الممزوجة برمي قطع الدومينو على طاولة البارتشي، وعلا من جديد صوت كؤوس الشاي و القهوة التي تقرع فوق الطاولة بحدة،  و صوت أوراق الجرائد و هي تطوى بكثير من الهرج، و هي عادة أشباه المثقفين الذين يحجون إلى المقهى  لإثارة الانتباه إليهم..


و بفعل تقدم التكنولوجيا ، ظهرت عادات جديدة كمشاهدة مقاطع الفيديوهات المرسلة عبر الواتساب، و التي في الغالب عبارة عن زلات السياسيين المتداولة في السوق السياسي الأسبوعي، أو عن بعض الفضائح الجنسية فترى بؤبؤ العين يتوسع  و يجحظ من خلف شاشة الهاتف المحمول كما تصفر الوجوه و يتصبب منها القليل من العرق البارد. كما ظهر في المقهى نشاط جديد و هو تتبع التدوينات الفايسبوكية و الصفحات الشخصية لبعض المناضلين السياسيين المحليين أو بعض الصحفيين أو بعض الشخصيات المحلية أو أبناء و بنات الأحياء المجاورة، فتأخذ هذه التدوينات و التعليق عليها و مناقشتها حيزا مهما من الوقت و في بعض الأحيان يغطي على معظم أنشطة المقهى و يصبح الحدث الجلل فيها.


سرح آدم ببصره ،و هو يرشف قهوته الرديئة الباردة، على طاولة  بها مجموعة من المناضلين الشباب، ظهروا مع موجة الربيع العربي، فانتشروا في  الاحزاب اليسارية و التقدمية و الإسلامية، كما اختار بعضهم النضال في الأحزاب المحافظة. أثار انتباهه شاب بشعر كثيف و بنية قوية و عيون ثورية، كان يخطب و يناقش بحماسة، و ينتقد بشدة الأوضاع السياسية بالبلد. و في خضم هيجانه أرسل تدوينة جبارة و مخيفة عبر الفايسبوك، أو هكذا تهيأ له، كتب فيها ” السلطة المطلقة لله وحده… لا للتحكم في رقاب العباد… لا للسلطوية… لا للدكتاتورية… لا لنظام حكم الحزب الواحد”.


تذكر آدم، بأنه فيما مضى، كان الحزب الإسلامي يشتكي من التحكم و السلطوية، و كتائبه الفايسبوكية كثيرا ما كانت تطلق تدوينات مزلزلة لاعتماد ديمقراطية صناديق الاقتراع. و لكن عندما وصلوا إلى الحكم، أردوغان قتل و أعدم و سجن كل صوت معارض له. الله سبحانه لم يقتل الشيطان معارضه الوحيد بل تركه يؤسس حزبه: حزب الشيطان. أما الإنسان، ما إن يصل إلى السلطة حتى يبدأ في تصفية معارضيه. فالسلطة تدنس الإنسان. و من يثق في المعارضة قبل وصولها إلى الحكم عليه أن يكون ساذجا.


احمرت وجنتا  الشاب من الغضب، و أخذ يصرخ  بانفعال و هستيرية  وسط جموع المقهى:


شعر آدم بالضجر و اللامبالاة، و هو يتأمل الشاب و هو يهتف بانفعال و يحرك يديه بعصبية و يضرب فوق الطاولة و هو يدعو إلى الثورة. سئم أدم من الكلام و من الأفكار و بدا له أن الإنسان يستهلك الكلام و الأفكار أكثر من الخبز و قارورات الماء و بأن الكلام و الأفكار تجارة رائجة على مر العصور. ألم يكن هو الأخر ضحية فكرة؟.


لم يستطع أن يحبس ذكرياته.


كان أدم يشبه كثيرا هذا الشاب الثوري. قويا و وسيما و معتزا بنفسه لحد الغرور. كان يعتقد في فورة الشباب و يؤمن بالحرية لحد الهوس و الجنون.


في أحد الأيام كان يتنزه في أحد الشوارع الهامشية بالمدينة مع عشيقته، و التي لم تكن سوى زميلته في الجامعة. في عهده الشاب الثوري المثقف كان يسحر الفتيات. هو لم يكن مثقفا، و لكن كان ثوريا متمردا بالفطرة رافضا للقوانين و الأعراف المجتمعية الموضوعة غير مكترث بما يقيمه البشر و يعتبر ان ذلك لا يعنيه في شيء.  كان يسمع عن جان بول سارتر من مثقفي الحرم الجامعي و لكن لم يفكر أن يقرأ له يوما فهو يكره القراءة عموما، و لو لم يكن سيمتحن في آخر السنة لتخلى عن المقرر الكئيب الثقيل أيضا.  و لكن عندما وقعت عيناه بالصدفة  على مسرحية الذباب لجان بول سارتر، مفروشة مع كتب كثيرة مستعملة، انقض عليها بحركة رشيقة ليبهر عشيقته، حمد الله في سره عندما أخبره البائع بأن ثمنها ثلاث دراهم فقط. في الواقع لو كان وحده ما كان سيشتريها أو ربما كان سيساوم البائع ليحصل عليها بدرهمين و يبيعها ثانية لمثقفي الحرم الجامعي بمبلغ محترم و يشتري بفائض الصفقة علبة سجائر. و لكن لإغواء عشيقته، قدم المبلغ للبائع بدون مناقشة و أخذ يمسح على غلاف المسرحية باهتمام و حذر بالغين لإزالة الغبار عليه و كأنه عثر على كنز ثمين.


انطوت الحيلة على الفتاة، أو ربما تظاهرت بذلك. فتعلقت بذراعه و هي تقفز بمرح طفولي و تطلب منه أن يخبرها بفحوى الكتاب الذي اشتراه و ماذا يحكي؟ انتشى بردة فعلها الأبله و هو يتساءل في أعماقه كيف تفكر الأنثى؟ و هل تفكر فعلا؟


سرعان ما طرد الفكرة من رأسه، فهو لم يكن مهتما إن كانت تفكر عشيقته أو حتى كيف تفكر. فداعب مؤخرتها المدورة  بمسرحية الذباب و لطمها بضع ضربات خفيفة و هو يعدها بأنه سيخبرها بالتفصيل المرة القادمة بفحوى المسرحية. و هكذا وضع نفسه في ورطة حقيقية لأنه كان عليه أن يقرأها و هو كاره لذلك.


لم يكن متحمسا لقراءة المسرحية . ففور عودته إلى منزله في المساء، رمى بالمسرحية بدون اهتمام فوق مكتبه الغير المنظم. و ذهب يبحث عن بقايا طعام يمكن أن يلتهمه.


قبل أن يخلد إلى النوم، أخذ المسرحية بلا مبالاة، و أخذ يقرأها. و لكن عند أول صفحة أخذته أجواء المسرحية، و لم يستطع أن يخلد إلى النوم قبل أن يكملها. فهي كانت توظف أسطورة إغريقية لتتحدث عن الحرية التي كان ينشدها آدم.


أحداث مسرحية  «الذباب» كانت تدور في اليونان القديمة، في مدينة آرغوس. حيث خانت كليتمنستر زوجها الملك أغاممنون أثناء قيادته لغزوة خارجية مع عشيقها ايجيست. وعندما يصل أغاممنون منتصراً يتآمر ايجست مع كليتمنستر فيقتله و يستولي أيجست على العرش و يتزوج كليتمنستر. كما سيأمر أيجيست بقتل أورست الصغير ابن أغاممنون و كليتمنستر. ولكن المكلفين بقتل أورست ستأخذهم الشفقة به فيتركونه حيا فى الغابة، وينجو أورست ويشب فى أثينا فى منزل أحد الأغنياء الذى يكلف المربى بتعليمه وملازمته.


أقام أيجيست  نظام قمع وعنف في المدينة، و فرض على أهلها التكفير على جريمة قتل أغاممنون، جريمته.  تلك الجريمة التى يحتلفون بذكراها يوما كل عام وهو اليوم الذى يعبرون فيه على ندمهم على الجريمة وعلى حياتهمم ذاتها بينما أيجيست نفسه لا يبدو عليه أي شعور بالندم.


بعد خمسة عشر عاما، سيعود اورست  ومعه المربي إلى مدينته أرغوس، ليجد أهل المدينة و قد تكاثر عليهم الذباب و استولى عليهم طنينه، و هو  يرمز إلى الشعور بالندم و الذنب. و هذا ما سيجعل جان بول سارتر يكتب جملته الشهيرة على لسان أورست ” إن أجبن القاتلين هو الذي يعاني الندم”.


سيقرر أورست الانتقام لأخته ألكترا التي لم تكن تعرفه و لكنها استشعرت بوجوده. و لكن جوبيتر، ملك الآلهة الإغريقية  الذي كان يعلم بحقيقة أورست، كان يراقبه عن كثب و يتتبع كل خطواته. و سيحذره من التدخل في الأحداث و سيأمره بأن يترك أرغوس كما هي، مدينة غارقة في الذنب و الندم و طنين الذباب.


سيصر أورست  على الانتقام، و ستتعرف الكترا على أخيها و ستطلب منه أن يقتل أيجيست و والدتها كليتمنستر . فقلبها منذ خمسة عشر عاما و هو يتغذى بالانتقام. يقتل أورست الملك ايجست والملكة كلتيمنسترا أمه.  سيهاجم جوبيتر الكترا و أورست ليجعلهما يشعران بالندم جراء جريمة القتل المقترفة. ستضعف  الكترا وتنهزم وتستسلم للندم، أما أورست فسيخوض حوارا شرسا مع جوبيتر.


سيعيد أدم قراءة الحوارين الأخيرين بين أورست و جوبيتر عدة مرات و سيعتقد أنه الجواب على الكثير من القضايا التي كانت تزعجه منذ البارحة.


أعجب أدم  بهذا المقطع. و بدا له أن أورست أعطي تعريفا جيدا عن الذات البشرية كما يريدها أن تكون.


كان أدم يقرأ و يتخيل نفسه أورست. و يتساءل هل يمكنه أن يخوض معركته في الحياة  و يقاوم إغراء جوبيتر. جوبيتره. فجوبيتر أدم لم يكن أكثر من الرجل المخيف، أو الرجل ذو البذلة السوداء كما يلقبونه في الحرم الجامعي.


أعاد أدم قراءة الحوار الأخير الذي يغري فيه جوبيتر أورست للرجوع إلى كنفه و الاعتذار عن خطاياه.


بعد قراءته للمسرحية، اعتقد أدم بأنه عرف بالضبط ما عليه عمله غدا صباحا. فبدا له أن الرجل المخيف أو الرجل ذو البذلة السوداء في الحرم الجامعي يشبه جوبيتر. و عليه أن يكون أورست ليتغلب عليه.


الرجل المخيف كان يراقب عن كثب كل طلبة الحرم الجامعي، و يسجل زلاتهم و خطاياهم. و ما إن يرتكب طالب خطيئة ما تستوجب العقاب القانوني حتى يستحوذ عليه و يضغط عليه ليصبح تابعا له. كان يستغل لحظة سقوطهم ليجعلهم يلتفون حوله فيصبحون كالعجين اللين المطيع. يعتقدون أنهم بالتفافه حوله سيتحررون من خطيئتهم فيقعون في خطايا أكبر، كالوشاية بالزملاء و الكذب و نشر الإشاعات. يعتقدون أنهم بمصافحة الرجل المخيف سيتغلبون على ضعفهم و يتقوون في الحرم الجامعي، و لكن يزدادون ضعفا و عجزا فيصبحون مسلوبي الإرادة بالكامل، عاجزين عن اتخاذ أي قرار يخصهم بدون الرجوع إليه وطلب الإذن منه.


الرجل المخيف لا يستسلم و لا يهدأ له بال. كان يعلن أن سر وجوده و قوته  هو أن يجعل الجميع يلتف حوله، مرتعب في حضرته يسعى إلى نيل حظوته.


أدم لم يكن يهتم بالرجل المخيف في الحرم الجامعي. في الحقيقة لم يكن يهتم بأي شيئ في الجامعة باستثناء مصاحبة الفتيات الجميلات. فهو لم يكن يهتم بالرجل المخيف، و لا بالملتفين حوله و لا بمعارضيه و سلسلة الحلقيات في بهو الجامعة و هي تحذر من خطر الرجل المخيف.


بيد أن الرجل المخيف كان يرقب أدم، و لم يستسغ عدم اهتمامه به. فناداه و طلب منه بابتسامة لطيفة  أن يحضر إلى مكتبه نهاية الأسبوع فهو يريد أن يتحدث معه قليلا.


نهاية الأسبوع، يوم غد. كان أدم قلقا، لا يعرف ما عليه عمله. و لكن بعد قراءته للمسرحية، بدا له الطريق واضحا. سيتقمس شخصية  أورست. و سيقول له أنا لست معك و لست ضدك، فأنا حريتي.


استقبله الرجل المخيف في مكتبه بترحاب كبير. و منحه قارورة ماء معدني و فنجان قهوة من النوع الجيد. مذاقها ما زال في لسانه.


أتعرف يا أدم لماذا السلطة دائما  ملوثة؟ لأن ما يحرك الجموع للالتفاف حولها هي أردأ ما فيهم كالخوف و الضعف و العجز و الجشع و الشهوة. و أنا لا أكترث إن  كنت فاسدا أو نظيفا يا أدم. لا أكترث بما يحرك الجموع لأنني أتغذى و أتقوى بالتفاف الجموع الغفيرة حولي، لا يهمني إن كانوا يلتفون خوفا أو طمعا أو غباء أو طلبا للحماية. المهم أن يلتفوا حولي.


اعتقد آدم، كما في المسرحية بأنه بحوار حضاري بين أورست و جوبيتر يمكن  تذويب الخلافات و تحديد الخيارات. و بأن الرجل المخيف سيتركه و شأنه كما ترك جوبيتر أورست يشق طريقه بعيدا عنه.


فأصر آدم على موقفه و تشبث برأيه. فهاج الرجل المخيف و هدده بسخرية قائلا: ” حسن يا آدم. سنرى إن كنت فعلا حريتك؟”


خطف الرجل المخيف آدم من وسط الحرم الجامعي. و وضعه في غرفة مغلقة و مظلمة. دخل عليه رجلين ضخمي الجثة و أشبعاه ضربا و في كل آهة ألم، كان يأتيه صوت الرجل المخيف من خارج الغرفة مجلجلا بسخرية: ” قل لي يا أدم، هل أنت حريتك أم ضعفك؟”


يتركونه يتضور بالجوع، ثم يحضرون أشهى الأطباق و يجعلونه ينظر إليها بشهوة رهيبة. و يسمع صوت الرجل المخيف من خارج الغرفة يقول بسخرية: ” قل لي يا أدم، هل أنت حريتك أم شهوتك؟”


في تلفاز حائطي ضخم. أنتجوا فيلما كان البطل يشبهه تماما. بل هو ذاته، الفيلم ابتدأ بلقائه مع الرجل المخيف في مكتبه  بالجامعة . نفس اللقاء و نفس الديكور، و لكن البطل أذعن و رحب بعرض الرجل المخيف. فجعلوه يتحسر على آدم الذي كان من الممكن أن يكون. أدم الوسيم المرح الذي ينتظره مستقبل زاهر و يقود سيارة الفيراري و يعانق الفتيات الجميلات. و يظهر مرة أخرى صوت الرجل المخيف من خارج الغرفة مزلزلا: ” قل لي يا أدم، هل أنت حريتك أم طموحك و جشعك؟”


ثم تركوه بعدها وحيدا في غرفته المظلمة يئن و يتوجع. أسنانه مهشمة و عظامه محطمة. محاط برائحة بوله و غائطه.


لا يعرف كم ظل من السنين. و لكن أدم كان يردد في أعماقه ” أنا حريتي… أنا حريتي..”


و في أحد الأيام، أضاءوا له الغرفة، و كانت بها مرآة طويلة. فأصابه الهلع من شعره المشعث المتسخ و أسنانه المحطمة و جسمه الهزيل. فأخذ يبكي كالأطفال و يصرخ: ”  أنا ما يريده لي الرجل المخيف أن أكون… أنا ما يريده لي الرجل المخيف أن أكون”


فظهر الرجل المخيف، و ربت على ظهر آدم بحنان و مودة و تسامح، و قال له بصوت كالفحيح: ” نحن لسنا قتلة و لا ساديين. فنحن لا نعذب من أجل التعذيب. بل نريد فقط الحفاظ على النظام و التوازن الكوني. في بعض الأحيان العقاب الشديد يصبح ضروريا. و الآن و بعد أن أصبحت منضبطا، سأجازيك. و لا تنس أننا في النهاية أصدقاء.”


أومأ أدم برأسه موافقا: ” لستم مجرمون و لا قتلة. أنتم فقط بشر”

انسلت دمعة من عيني أدم و سقطت ككل يوم وسط كوب قهوته.


الشاب الثوري كان ما زال يصرخ و يحدث جلبة و ضوضاء وسط المقهى. فكثر الهرج و المرج.


فجأة ، أدار الرجل المخيف، الذي كان يجلس في المقهى وحيدا يقرأ جريدته بصمت و يشرب قهوته، رأسه ناحية الضجيج، و رمق الحاضرين بنظرة ثاقبة نابية صارمة، فالتزم الجميع الصمت و عم الهدوء من جديد في مقهى محفوظ.

 

أمل مسعود







[email protected]

 

 التعليق يجب أن يناقش موضوع المادة

 

 

 

 

 

أضف تعليقك على الموضوع
* كاتب التعليق
* عنوان التعليق
  * الدولة
* التعليق



مؤتمر البوليساريو 13 والفرصة الأخيرة لقبول مقترح الحكم الذاتي

ردود عن الصحراء من مواقع الكترونية

سقوط القدافي .. نهاية حتمية لجبهة البوليساريو الانفصالية

تمويل 20 فبراير لخدمة أجندة خفية...للتذكير

ملابسات الوفاة الغامضة لزينب الشاوي : عائلتها بأزيلال تشكك في وقائع الوفاة وتقول شنقها بفعل فاعل

بلخياط يكتري سيارة فاخرة ب 324 مليون سنتيم من الميزانية العامة

الملك محمد السادس يترأس مجلس الوزراء والمصادقة على مشاريع قوانين

وسائل الإعلام التقليدية لا تعبر عن الشباب المغربي

من هم 'أبطال' ثورة ليبيا التي حسمها 'الناتو'؟

المجتمع المدني المغربي ودوره في التنمية

بوتفليقة يحاول إنقاذ نظامه باللعب بين «المحاور» داخلياً وخارجياً

حوار الطرشان في برنامج" مباشرة معكم" وانقلب السحر على الساحر....!

الشــّــوكــلاط، الــســيـاسـة والــكــذب

يــوم الأحـد: مـُـدن بدون سـيــارات

حزب الكيف و حزب الدين ، أي مستقبل ينتظر المغرب ؟

من الخيال السياسي

الحاجة الملحة إلى حكومة 'انفتاح وطني'

مدرسة المشور الابتدائية بمراكش تعاني في صمت

سؤال السياسة والأخلاق

السحر والشعوذة بالمغرب "ما وراء الستار"





 
القائمة الرئيسية
 

» الرئيسية

 
 

»  كاريكاتير

 
 

»  صوت وصورة

 
 

»  مجتمــــــــــــــــع

 
 

»  سياســــــــــــــة

 
 

»  تكافـــــــــــــــــل

 
 

»  اقتصـــــــــــــــاد

 
 

»  سياحـــــــــــــــة

 
 

»  وقائــــــــــــــــــع

 
 

»  وطنيـــــــــــــــــة

 
 

»  رياضــــــــــــــــة

 
 

»  حـــــــــــــــوادث

 
 

»  بيئــــــــــــــــــــة

 
 

»  جمعيــــــــــــات

 
 

»  جـــــــــــــــــــوار

 
 

»  تربويـــــــــــــــــة

 
 

»  ثقافــــــــــــــــــة

 
 

»  قضايـــــــــــــــــا

 
 

»  ملفــــــــــــــــات

 
 

»  من الأحبــــــــــار

 
 

»  جــهـــــــــــــــات

 
 

»  مواقـــــــــــــــف

 
 

»  دوليـــــــــــــــــة

 
 

»  متابعــــــــــــــات

 
 

»  متفرقــــــــــــات

 
 
أدسنس
 
سياســــــــــــــة

أوزين و"الطنز العكري"

 
تربويـــــــــــــــــة

أزيلال: المدرسة العتيقة سيدي إبراهيم البصير تحتفي بأبنائها المتفوقين دراسيا في حفل التميز

 
صوت وصورة

ما هذا المستوى؟


الندوة الصحافية لوليد الركراكي قبل لقاء منتخب أنغولا


استمرار بكاء الصحافة الإسبانية على إبراهيم دياز


مدرعات سريعة وفتاكة تعزز صفوف القوات البرية المغربية


تصنيف الفيفا الجديد للمنتخبات

 
وقائــــــــــــــــــع

صدمة كبيرة بعد إقدام تلميذ على الانتحارداخل مؤسسته التعليمية

 
مجتمــــــــــــــــع

التلقيح في المغرب..حماية للأطفال من الأمراض وتعزيز الصحة العامة

 
متابعــــــــــــــات

مذكرة توقيف دولية في حق صاحب صفحة “الفرشة” المختصة في الابتزاز والتشهير

 
البحث بالموقع
 
 شركة وصلة