جانب من السوق (ألمزوق من برا آش خبارك من الداخل)
سوق بني ملال النموذجي ( سوق برا)
اعتبرت الأسواق عبر التاريخ مراكز تجارية لتصريف السلع والمنتوجات الفلاحية والصناعية وغيرها، وفضاءات للتعارف وربط العلاقات وإلقاء الأشعار كسوق عكاد قديما وسوق المربد بالعراق. كما اعتبرت الأسواق فضاءات لعقد اجتماعات القبائل وإجراء عمليات النخاسة والختان وعقد مراسيم الزواج كسوق إملشيل بإقليم الراشدية. فالمتتبع للأسواق المغربية يجدها تتأرجح بين السوق القروي الأسبوعي وهو الأصل والسوق الحضري وهو الذي ظهر بشكل ملفت في مرحلة الاستعمار الفرنسي وبعدها، وبالخصوص في مجموعة من المدن الإمبراطورية كفاس ومراكش والرباط. حيث عرفت الأسواق انتشارا واسعا كان من ورائه تبديل الذوق الغذائي للمغاربة عن طريق اكتساحه بالمنتوجات الأوربية التي كان الهدف منها تصريف الفائض.
وبالرجوع إلى أسواق بني ملال نجد أن السوق الأسبوعي في عهد الحماية الفرنسية كان ينعقد بساحة الحرية، وكان يمتاز بالنظام رغم كونه كان من الخيام. كما عرفت بني ملال سوق "برا" أي السوق الخارج عن أسوار المدينة القديمة، وهو السوق الذي أطلق عليه الآن من طرف بلدية بني ملال "السوق النموذجي"، أي أن سوق "برا" أصبح سوقا نموذجيا يقاس عليه!! فإن أرادت جهة من الجهات أن تُنشئ سوقا فما عليها إلا أن تقتدي بهذا السوق وتتخذه نموذجا لها في المعمار والتنظيم. ولكن إذا ما تمت مقارنة سوق بني ملال "النموذجي" بأسواق أخرى نموذجية بمختلف بلديات المغرب فما عسى أن تكون النتيجة التي يمكن للمرء استخلاصها؟
سوق "برا" أو السوق "النموذجي" كما سموه هو سوق أو شتات من باعة متجولين تم إرضائهم في مرحلة من مراحل الحملات الانتخابية، يُسيء للمتسوق كما يسيء لأصحاب المحلات، له ثمانية مداخل يزيد عن جهنم بواحد. الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود إن لم يتعرض للسرقة والنشل أو لم يتم خدش وجهه بأحد الأخشاب أو قطع الحديد المنفلتة من سقف الخيام، المصنوعة من بقايا "الخيش" والقصدير، أو لم يتم تعثره بواسطة الحبال والأوتاد المغروسة في الأرض بطريقة عشوائية.
فالسوق بخلاصة القول يفتقد لمقومات الأسواق النموذجية المتعارف عليها، لا طرقات مهيئة ولا محلات مستوية. فالواجهة المحادية لشارع محمد الخامس أو لشارع الجيش الملكي، والتي تم بناء حائط على طول السوق لتغييب مظاهر البشاعة عن الأنظار، تبقى هي المساحة المغطاة من السوق بشرائح من مادة البلاستيك وشرائح من القصب، والباقية الباقية تلهبه ألسنة الشمس الحارقة صيفا وتمطره السماء بمائها شتاء، وأصحاب المحلات المبنية لا حول لهم ولا قوة.
هذا بالإضافة إلى أن السوق يفتقد لشروط الصحة والسلامة ، فليس به مراكز لإطفاء الحرائق وليس به مراحيض يقضي فيها المتسوق حاجته الطبيعية. بل الأدهى من ذلك والأمر أن السوق أصبح مرتعا خصبا لرمي القمامة ولتجوال الكلاب الضالة بكل حرية، كما يعتبر هذا السوق مكانا مفضلا للمتسكعين والمشردين الذين يغوطون فيه أينما شاءوا ووقتما شاءوا على مرأى من المارة. تجد الكُتبي بجوار بائع النقانق وتجد بائع الملابس المستعملة إلى جوار بائع الفاكهة الجافة، وتجد وتجد إلى ما لا نهاية من التشوهات الهيكلية والتنظيمية التي تفقد السوق تسميته الجديدة. بل تجد محلات مقفولة وأخرى مشرعة غير مستغلة يتحلق بداخلها بعض الحشاشين حول موقد ناري تم إشعاله بواسطة "الكارتون" المنثور في جميع جنبات السوق، أو يرقد بداخلها أصحاب السوابق العدلية رغم أنها لا تصلح حتى لتربية الخنازير.
سوق الفردوس النموذجي بالبرنوصي
هناك سوق نموذجي حقيقي قام سيدنا المنصور بالله الملك محمد السادس بتدشينه مؤخرا بحي سيدي البرنوصي بمدينة الدار البيضاء الكبرى على سبيل المثال، يستحق أن يحمل اسم نموذجي لأنه مهيأ بطريقة عصرية تحترم كرامة المتسوق، تحترم حقوق الإنسان في التجول والتبضع. يغريك بنظامه وبحراسه المداومين وبوجود قنينات لإطفاء الحريق في كل مكان من أركانه الأربعة، ولم يتم إحداثه لغاية في نفس يعقوب ولكن خدمة للمواطن. زاد المنطقة جمالا وبهاء وشيدت بجواره المساحات الخضراء ونافورات الماء الدائمة الجريان بألوان زاهية تشد إليها الناظرين وتفرج كرب المكروبين وتحمل مداخله صور صاحب الجلالة محمد السادس وبذلك استحق تسميته بالنموذجي، أي الذي يقاس عليه. فهل سوق بني ملال، سوق "برا" يمكن أن يقاس عليه حتى يسمى بالنموذجي أي Modèle أو prototype؟
محمود نورالدين