|
|
حكومة مع وقف التنفيذ
أضيف في 08 يناير 2021 الساعة 56 : 18
حكومة مع وقف التنفيذ
عدا عن بعض الاستثناءات التي ترد في بعض الأحيان القليلة، حاولت أن أبقى في نفس السياق أو النسق الذي أمنطق الأمور -كما تبدو لي- من خلاله.. وفي هذا الملف حاولت، وأحاول، أن أتعرض لمواضيع تتعلق بـ" أركان ومظاهر ونتائج الاستبداد"، وذلك بشكل متدرج ابتدأ بأعلى الدرج ورأسه هرم السلطة، وسينتهي بالتأثيرات والنتائج على المواطن الفرد الذي يعيش معظمه بين الفقر والجهل والمرض من جهة، ونسخة ممسوخة من الآدميين، تثير الاشمئزاز والدهشة والحيرة والعطف في نفس الوقت،، وإن علا شأنهم التعليمي أو الاجتماعي، من جهة ثانية، وذلك من خلال ما تجمّع لي من مواضيع وملاحظات في ملف جامع تناول كل مكونات العمل السياسي في البلاد..
في هذه المرحلة أصل إلى مكون أو ركن "الحكومة"، مع أني سبق لي أن تجاوزت هذا المستوى نحو الأسفل، عندما تحدثت في المقال الماضي عن "التحكم" الذي يتذرع به إخوان العدالة والتنمية، وجاء فيه -ولو عرضا- موقع "الحكومة" في المنظومة السياسية المغربية، بحكم أن موقع هؤلاء المدثرين بالتحكم هو رئاسة الحكومة في دورتين متتاليتين،، وعليه فالتحكم فيهم هو تحكم في الحكومة برمتها، أي حكومة متحكم فيها..
والحق أن الحكومة، كباقي مكونات اللعبة السياسية في البلاد، ما هي إلا شكلية من شكليات إكساب شرعية الحكم لمن يملك القدرة عليه.. هي ذاتها خيط من خيوط التحكم، وآلية من آليات الاستغفال، ولا تملك من قرار الإرادة مثقال قطمير،، بل هي مجرد كمبارس، أو أراجوز، أو أداة تنفيذ مخططات الغرف السيادية المغلقة..
"حكومة" لا تملك أن تستحضر مصلحة الشعب إلا بقدر إبقائه على قيد الحياة كي يشكل رعية للحكم ووسيلة للإنتاج ومصدرا للخدم، تتسم بـ"الضخامة" و"التخمة" العددية في كل قطاع: رسميون ومنتدبون ودون حقيبة... بأجور لم تراع "الحالة الحرجة للاقتصاد الوطني التي يجب على الشعب تفهمها"،، لا، ولم يُلتفت إلى امتيازاتهم ولا إلى علاواتهم ولا إلى تعويضاتهم حتى على الطربوش، ولا إلى تقاعدهم...
"حكومة" تحت مسؤوليتها يغيب العدل والعدالة، ويستشري الظلم في المحاكم، والرشاوي في الإدارات والطرقات، والمعاناة في المستشفيات والمعامل والورشات، والتخلف والتدني والانحطاط في التعليم والصحة، واهتراء وتآكل البنيات، والعفو عن ناهبي المال العام، وعدم مناقشة ميزانيات القصور والحفلات والتدشينات والحركيات والتحفيزات، والخلل الفاضح في الأجور والتعويضات، وعدم الإلزام بسداد مبالغ الضرائب المستحقة والرسومات...
"حكومة" يجري تحت أعينها إصدار بعض الهيئات الاستشارية أو القضائية(المجلس الأعلى للحسابات...) توصيات بمثابة أحكام في حق كثير من المؤسسات، ومع هذا لم تتم أجرأة التنفيذ أو المتابعة أو تعميق البحث والتحقيق... أو ما تستدعيه مسطرة كل حالة، مع أن قرارات الإدارة، بما فيها الامتناع عن البت في ملف معين، يجب أن تكون موثقة،، ومعللة.. ومع هذا، إذا كانت العرقلة المؤدية للمنع من البت قانونية(وجود تشريعات تمنعها)، وهذا غير معقول وغير منطقي، فإن العيب في المشرع، في البرلمان الذي يجب عليه إصدار تشريعات "تصحيحية" تخلق الانسجام التشريعي.. أما إذا كان المنع غير قانوني حتى بمنطوق القوانين الجائرة العرجاء الخرقاء الجاري بها العمل، فإن التملص والتخاذل والتقاعس يكون من طرف الإدارة، أي السلطة التنفيذية التي يعتبر "رئيس الحكومة" مسؤولا عنها..
"حكومة" ترى صناديق سيادية أُفرغت من مدخراتها وأُفلست، ولم تتم متابعة المسؤولين عنها، ومن توبع منهم احتُفظ به مدة ثم أُخرج من أجل جنازة، ليجد نفسه يتسلم صفقة من "الحكومة" تعينه على نوائب الدهر..
"حكومة" تعلم أن عشرات الآلاف من مأذونيات وأحقيات وأعطيات وامتيازات النقل والصيد والاستغلال والتوريد(الغابات، المقالع، الصيد البحري، النقل الطرقي...)... لا تستفيد منها خزينة الدولة فلسا، وتكدس الأموال في أرصدة القروش تكديسا، و"هاتف مخاطبكم غير مشغل حاليا"..
حكومة تشرف على نشر والتطبيع مع العري والإباحية والديوثة في الشارع، وخصوصا في الإعلام، والأخص منه العمومي..
حكومة توقع على مراسيم التطبيع مع الكيان الغاصب!!!..
باختصار، حكومة لا تحكم حتى على المستوى الشكلي، لأن أدنى مظهر من مظاهر الحكم هي القدرة على المعارضة وإبداء رأي مخالف في توجه أو تصرف، أو إمكانية نقد خطاب، أو التحفظ على بروتوكول شكلي، أو الاعتراض على تحرك... ذلك أنه لا يمكن أن يكون حاكما من لا ينطق لسانه إلا "نعم سيدي"!!!..
إن مهمة الحاكم ليست العمل الإجرائي التنفيذي الكلي في كل جزئيات الحياة، فهذا لا يمكن ولا يتصور، وعلى كل حال له أهله وتقنيوه ومتخصصوه، لكن دور الحاكم هو تحديد الاختيارات ووضع الاستراتيجيات، أي أن دوره هو توجيهي وإشرافي ورقابي بالدرجة الأولى.. وما يصنع الفرق بين مسؤول وآخر هو سداد هذه الاختيارات وحضور ودقة ومصداقية وشفافية ونزاهة تلك الرقابة وتفعيل مقتضياتها، دون تفرقة بين مراقَب وآخر أو بين حالة وأخرى حسب قوة موقع المراقَب، أو حسب ما إذا كانت الوضعية تمس الوصي أم لا... وهي المعايير التي لا تخوَّل حتى لـ"رئيس الحكومة"، بصفته مسؤول منتخب ملتزم متعاقد مع الشعب، حيث أن مهمته الفعلية لا تتعدى دور "عون تنفيذ"،، ولا يمكن أن يكون "العون" حاكما!!!..
سعيد المودني
|
|
|
[email protected]
التعليق يجب أن يناقش موضوع المادة
|
|
|