في أحكام الأضحية وما يتعلق بها
مقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد، فإن الله تعالى جعل لعباده شرائع وشعائر، وجعل تعظيمها دليلا على صدق إيمانهم، وبرهانا على تقواهم، حيث قال عز وجل: "ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ" سورة الحج، الآية: 32.
ومن تلك الشعائر التي يجب على المسلمين تعظيمها، شعيرة عيد الأضحى المبارك، التي رغب فيها الإسلام، إحياء لسنة سيدنا إبراهيم عليه السلام، قال تعالى: "وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" سورة الحج، الآية: 36.
ويتجلى تعظيمها في تقديمها طواعية بفرح وسرور، طمعا في الأجر والثواب، قال تعالى: "لن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ" سورة الحج، الآية: 37.
وبعد هذه المقدمة المختصرة، نفصل في الموضوع:
تعريف الأضحية:
الأضحية في اللغة: مفرد أضاحي، وهي اسم لما يُذبح ويُضحى به. أما في الشرع: فالأضحية هي ما يُذبح أو يُنحر من الأنعام تقربا إلى الله عز وجل في أيام النحر، وسميت بذلك لأنها تُذبح وقت الضحى.
مشروعية الأضحية:
الأضحية ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع:
فأما ثبوتها بالكتاب فقوله سبحانه: "فصل لربك وانحر" سورة الكوثر، الآية: 2.
وأما ثبوتها بالسنة فحديث أنس رضي الله عنه: "ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين" متفق عليه.
وأمّا الإجماع: فقد أجمعت الأمة على مشروعية الأضحية ولم يخالف في ذلك أحد.
الحكمة من مشروعية الأضحية:
• لقد شرع الله تعالى الأضحية لحكم عظيمة، ومن ذلك:
• مشاركة الحجاج في التقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي.
• إدخال السرور على الفقراء والمحتاجين، وذلك بالتصدق عليهم من الأضاحي.
• إحياء سنة سيدنا إبراهيم عليه السلام.
• التقرب إلى الله عز وجل والامتثال لأوامره.
حُكم الأضحية:
اختلف الفقهاء في حكم الأضحية على قولين: فهناك من يرى أنها واجبة، وهو الراجح عند الحنفية، وهناك من يرى أنها سنة مؤكدة، وهو المعتمد عند المالكية والشافعية والحنابلة. والراجح هو قول الجمهور، أي أنها سنة مؤكدة لمن قدر عليها تقربا إلى الله عز وجل.
شروط صحة الأضحية:
لتصح الأضحية، لابد أن تتوفر فيها مجموعة من الشروط وهي:
• يشترط أن تكون الأضحية من الأنعام، وهي: الإبل والبقر والغنم بنوعيه: المعز والضأن، وذلك لقوله تعالى: "ليَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ" سورة الحج، الآية: 34.
• يشترط سن معين في كل نوع: فإن كانت من الإبل فيشترط أن تكون قد أتمت خمس سنين، وإن كانت من البقر فيشترط أن تكون قد أتمت سنتين، وإن كانت من المعز فيشترط أن تكون قد أتمت سنة، وإن كانت من الضأن فيشترط أن تكون قد أتمت ستة أشهر ودخلت في السابع.
• يشترط خلوها من العيوب المؤثرة: فلا تصح بالعوراء البيِّن عورها، والعرجاء البيِّن عرجها، والمريضة البيِّن مرضها، والهزيلة التي لا مخَّ في عظامها من شدّة الهزال.
• يشترط أن تكون خالصة لله تعالى دون رياء ولا تفاخر.
• يشترط أن يتصدق بجزء منها ولا يأكلها كلها وحده.
أي الأنواع أفضل:
قلنا فيما تقدم إن الأضحية تجزئ إذا كانت من بهيمة الأنعام، ولكن أي الأنعام أفضل؟ الإبل؟ أم البقر؟ أم الغنم؟ اختلف الفقهاء في هذا، ومرجع الخلاف هو تعارض فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع القياس، فمن اعتمد على فعل النبي صلى الله عليه وسلم رأى أن الكبش هو أفضل الأضاحي لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضح بغيره، ومن اعتمد على القياس رأى أن الأضحية تقرب إلى الله تعالى، ولا يُتقرب إليه إلا بما هو أفضل وأكثر لحما. وعليه فالأفضل عند المالكية هو الغنم، والأفضل عند الشافعية والحنابلة هو الإبل.
حكم الاشتراك في الأضحية:
اتفق الفقهاء على جواز الاشتراك في الأضحية إذا كانت من الإبل أو البقر، شريطة ألا يتعدى عدد المشتركين فيها سبعة.
حكم من اشترى أضحية لنفسه، ثم اشترك معه فيها آخرون بعد ذلك:
هناك قولان في هذه المسألة: الأول هو الجواز، والثاني هو المنع، لأن الأضحية بعد شرائها تصبح قربة لله تعالى، والاشتراك فيها بعد ذلك يصبح وكأنه بيع لأجزاء منها.
حكم بيع الأضحية، وشراء غيرها أو استبدالها:
لا بأس بذلك، شريطة أن تكون الأضحية الثانية أفضل من الأولى أو مثلها.
بداية وقت ذبح الأضحية ونهايته:
أفضل وقت لذبح الأضحية هو أن تُذبح بعد الفراغ من صلاة العيد، وبعد ذبح الإمام، فمن لم يعلم بذلك لسبب من الأسباب، قدر وقت ذبح الإمام ثم يذبح، ويكره أن تُذبح ليلا.
أما نهاية وقت ذبح الأضحية ففيه قولان: الأول: يوم النحر ويومان بعده. والثاني: يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة بعده.
شروط صحة ذبح الأضحية:
أن تذبح نهارا، ويكون الذابح مسلما، أما المرأة فتوكل من يذبح لها أضحيتها.
ما يُندب للمضحي:
- يُندب للمضحي تأخير حلق الشعر من سائر البدن، أو تقليم الأظافر من فاتح ذي الحجة إلى أن يضحي.
- أن يوجه الذبيحة إلى القبلة.
- أن يبسمل ويكبر.
- أن يذبح الأضحية بنفسه، إن كان يحسن الذبح.
- أن يحضر الأضحية ويشهدها، إن لم يكن قادراً على الذبح بنفسه.
- أن يُضجع الأضحية على جنبها الأيسر إن كان يذبح بيمينه.
- أن تكون آلة الذبح حادّة من الحديد.
- أن يأكل من الأضحية، وأن يتصدق، وأن يدَّخِر.
ما يكره للمضحي:
- يُكره له أن يأخذ من شعره وأظفاره، إذا دخلت العشر من ذي الحجة، حتى يضحي.
- تكره المغالاة في ثمن الأضحية وتعددها خشية الوقوع في الرياء والسمعة والمباهاة، أما إن نوى بزيادة الثمن أو العدد الثواب وكثرة الخير فيُندب له ذلك.
- يكره جز صوف الأضحية قبل الذبح لما فيه من نقص لجمالها.
- يكره ركوب الأضحية وتأجيرها وبيع لبنها أو الانتفاع به قبل ذبحها، بل يتصدق بكل ما يأخذه منها، لأنه اشتراها قربة لله تعالى، فلا ينتفع بشيء منها حتى يذبحها.
- يكره للمضحي أن يبيع شيئاً من أضحيته.
- يكره أن يعطي الجزار منها شيئاً على سبيل الأجرة، أما على سبيل الصدقة والهدية فلا بأس.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، ويتقبل منا صالح أعمالنا، ويعلمنا ما ينفعنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الأستاذ حفيظ الصوفي