|
|
هذه قصّتي مع المتاجرين بأمراض النّاس ومآسيهم
أضيف في 29 يناير 2019 الساعة 54 : 12
هذه قصّتي مع المتاجرين بأمراض النّاس ومآسيهم
تُوفيت السيدةُ يوم الخميس مساءً، فكان لابد من الذهاب إلى المستشفى ليأتي ممرّضٌ، ويشهدَ أنها ماتت فعلا.. ذهبتُ إلى المستشفى صباح يوم الجمعة، فدخلتُ على الطبيب، والتمستُ منه أن يأتي معي ممرّضٌ حتى يمكننا دفنُ الفقيدة؛ فنظر نحو ممرّض كان يكتب، وبدلاً من أن يصدر له أمرا بمعاينة الجثة، قال لي السيدُ الطبيبُ: [شوف معاه]، وغادر مكتبَه فورًا.. فطلبتُ من الممرّض أن يرافقني، فتذرّعَ بكثرة الأشغال، وتجاهلني.. فاقتربتُ منه، وأخذتُ يدَه، ....، فقام وتبسّم، وانشرح، وقال لي: [هيّا بنا!].. ولـمّا وصلنا إلى بيت الفقيدة، وقف مطوّلاً أمام الجثّة الهامدة، فخفتُ أن يقول إنّ السيدةَ ما زالتْ على قيد الحياة......، عندها قال، وتعمّد الحزنَ النِّفاقي: [أجَرَكمُ الله، كلّنا ليها]: فعدتُ معه إلى المستشفى، وقد أخذ مني اسم الهالكة، ودخل بمفرده إلى مكتب الطبيب، وبعد دقائق، خرج وبيده شهادة الوفاة، فقبّلني، وناولني إيّاها.. ياه!
بعدها عرّجتُ إلى المقبرة، ودخلتُ المكتب الخاص بشؤون الأموات، فطلبتُ منه قبرًا، فأشار إلى رقعة بعيدة عمدًا؛ فالتمستُ منه قبرًا قريبًا، فاعتذر، فدفعتُ له (مائة درهم)، فأشار إلى قبر قريب، ثم سألتُه عن موعد الدفن، فقال لي: [غدًا إن شاء الله].. الجثة مغسَّلة، ومكفَّنة، وإكرامُ الميت دفنُه؛ فلماذا هذا التماطل؟! فناولتُه (مائة درهم) أخرى؛ عندها قال: [الشي باس ما كاين، بعد صلاة العصر إن شاء الله].. والآن إليكم قصّة لا تقلُّ أهميةً عن سابقاتها، كيف ذلك؟ كنتُ جالسًا بالمقهى (الفنيدق) فأتى صديقٌ، وجلس بجانبي، وهو حزين.. قلتُ له: [لماذا أنتَ مكتئب السّي فؤاد؟]؛ قال: [كنتُ عند الطبيب، لأنّي أعاني من ألم في بطني، ففحصني وقال إنّي بحاجة إلى عملية جراحية مستعجلة..]؛ سألتُه: [وكم ثمنُها؟] فأجاب: [ثلاثة ملايين كآخر ثمن].. قلتُ له: [وهل صدّقْت ذلك الطبيب؟] قال [وكيف لي أن لا أصدّقه وهو طبيب!]؛ قلتُ له: [اِنتظرْ، ولا تتسرّعْ]؛ فاتصلتُ عبر هاتفي النقال بأستاذ يعرف طبيبًا كان صديقًا له في الدراسة، وطلبتُ منه أن يأتي؛ فأتى، وطرحتُ عليه المشكلَ، وقلتُ له إننا نريد فقط [une confirmation] من طبيب آخر..
أخذْنا السيارةَ إلى (تطوان)، طرقْنا بابَ الطبيب، صديق الأستاذ، فاستقبلَنا، وقام بفحص صديقنا، وكتب له أدوية، وأكّد له أنه سيعافى من آلامه بعد أقلّ من ثلاثة أيام، وأنّ آلامَه ليست بسبب أيِّ مرض خطير.. فقال له صديقُه الأستاذُ، إنّ طبيبًا أشار عليه بعملية جراحية، فتعجّب الطبيبُ وقال: [هذا ليس طبيبًا، وإنّما شفّار]؛ وفعلاً تعافى صديقي (فؤاد) بعدما أنقذتُه من مجزرة كما سبق وأنقذتُ حماتي سابقًا؛ وما أكثر مجازر الأطباء غير الأكفاء، وما أكثر ضحايا المستشفيات في بلادنا، فاحذروا زُمْرةَ الأطباء الذّئاب، والجزّارين في مسالخ ومذابح تحمل اسمَ (مستشفى]؛ فلماذا لا يقوم أولئك الذين يدّعون الفنَّ، بإخراج أفلام أو مسلسلات تفضح هؤلاء أمام الملإ، وما هو دورُ الفنّ أصلا إلَّمْ يكُنْ يطرح همومَ الأمّة، ومشاكلَ المواطنين]؟
كثيرًا ما يتحدّث فقهاءُ الأكاذيب عن (عذاب القبر)، وكأنّ الله عزّ وجلّ، بمجرّد أن يموتَ الإنسانُ، يبدأ في تعذيبه، وعقابه، قبْل أن توضعَ الموازينُ القِسْط، وقبْل أن تقوم القيامة.. فعذابُ القبر إن شِئْنا تأويلاً، هو ما يعانيه المواطنُ في المستشفيات، والمصحّات.. يقول فقهاءُ التّرهات، إنّه وبمجرّد أن يُدْفَن ميتٌ في قبره، يخرج إليه الثعبان الأعور، ثم الثعبان الأقرع، ثم يأتي ملاكٌ مفتول العضلات وبيده مطرقةٌ، لو ضرب بها جبلا لاستحال رمادًا؛ فيستحيل الدرسُ الديني إلى فيلم من أفلام الخوف والرعب.. فعذابُ القبر، هو ذاك الذي يعانيه المواطنُ المريضُ في قبور تسمّى المستشفيات، فيها الثعبان الأعور، والثعبان الأقرع، يعذِّبون المرضى، يساعدهم ممرّضون يسمّون تعسُّفًا (ملائكة الرّحمة)، وهم ليسوا بملائكة إطلاقًا، وإنّما شُبِّه لنا؛ ولا يعرف حقيقةَ هؤلاء، وهؤلاء، إلاّ مَن عانى من جحيمهم، ووضعتْه الأقدار في مسالخهم.. لقد تعملق شَرُّ هؤلاء مع الزمن، ومنذ فجر الاستقلال، وهو ينمو ويتعملق، حتى وصل إلى هذا المستوى.. فالأطبّاء الأشراف موجودون، لكنّ هناك زُمَرٌ ذئبية لا ترحم، وما أكثر الفواجع في ردهات المستشفيات، والمصحّات، وأمام أبوابها، وما أكثر الضحايا، ولكلّ مواطن قصةٌ مع طبيب؛ هذه قصص مأساوية عشتُها شخصيا، ولم يَرْوِها لي مواطنٌ كان ضحية، بل ارتكزتُ على ما شهدْتُه، وما عانيتُه، ولم تَقْوَ الذاكرةُ على نسيانه..لكن هناك أطباء شرفاء.
بقلم/ فارس محمد
|
|
|
[email protected]
التعليق يجب أن يناقش موضوع المادة
|
|
|