|
|
وراء جريمة اغتيال (فيردينان) كانت تختبئ جريمةُ الحرب الأولى
أضيف في 25 نونبر 2018 الساعة 48 : 17
وراء جريمة اغتيال (فيردينان) كانت تختبئ جريمةُ الحرب الأولى
قال الكاتبُ الفرنسي الكبير [فرانسوا مورياك: 1885 ــ 1970]: [التاريخ لا يصحَّحُ كما يصحِّح أستاذٌ ورقةَ امتحان].. لقد كان من واجب [فرنسا] إقامة قُدّاسٍ ديني ضخمٍ في كنيسة [نوتردام] يوم (11 نونبر 2018) ترحّمًا على أرواح الذين ضحّوا بحياتهم في الحرب العالمية الأولى (1914 ــ 1918) بدل الاحتفاء بالذكرى المئوية لهذه الحرب القذرة، التي بها كذبوا على الناس، وقالوا لهم إنّ هذه الحرب ستقتل الحربَ إلى الأبد، لكنّها قتلتْ فقط الإنسان، ولم تقتُلِ الحرب على حد تعبير [جون جيونو].. لكنْ قبل الحديث عن مآسي، وقذارة، ومرارة هذه المجزرة العالمية، دعْنا نرى أولاً ماهيةَ الأسباب التي كانت خلْفَ اشتعالها.. فما هي الأسبابُ التي كانت وراء هذه الجريمة؟
اجتمع قادةُ الحركة الثورية العالمية والمسؤولون الكبار في الماسونية الأوربية في (سويسرا) سنة (1912)، وقرّروا في هذا المؤتمر اغتيالَ الأرشيدوق [فرانسوا فيردينان] تمهيدا للحرب العالمية.. في (15 شتنبر 1912) نشرتْ مجلّة [ريفيو أنترناشونال دي سوسْتيه سيركْرِت] التي يحرّرها [م. جوين] الكلمات التالية على الصفحتيْن: [787 ــ 788]: قد يلقي بعضُ الضوء يومًا على هذا الكلام الذي قاله مسؤولٌ ماسونيٌ كبير في (سويسرا)، لدى بحْث موضوع وريث عرش [النمسا]؛ قال ذلك المسؤول: [إنّ الأرشيدوق رجل نبيه، وممّا يُؤْسَف له أنه محكومٌ عليه.. سوف يموت على درجات العرش].. وقد أُلقِيَ الضوءُ على هذه الكلمات خلال محاكمة القتلَة الذين اغتالوا [فرانز فيردينان] وريث عرش [النامسا] وزوجته في (28 يونيو 1914) في (سراييڤو)، وكانت تلكم هي الشرارة التي أدّتْ إلى انفجار الحرب العالمية الأولى.. حربٌ قذِرة، وصفوها بالحرب العصرية..
لكنْ كيف تمّت عملية اغتيال [فرانسوا فيردينان] وريث عرْش إمبراطورية [هانغاريا ــ النامسا)؟ تقرّر أن يجري الجيشُ النمساوي مناوراتٍ عسكرية بمشاركة فيالقَ من الجيش البوسني تحت قيادة [فرنسوا فيردينان]، وهذا المنصب لم يتقلّدْه لكونه من أسرة [هابسبورغ] الحاكمة، ولكن تقلّدَه لكفاءته العالية، ومواهبه المتعدّدة؛ ولـمّا انتهتِ المناوراتُ، طلب [فيردينان] من الجيش العودةَ إلى [النامسا]، وقد قيلَ له بأنْ يُبْقي الجيشَ لحمايته، فكان جوابُه: [الجيش مهمّتهُ حماية الوطن وليس حماية (فرانسوا فيردينان)]، ممّا يبرزُ وطنيةَ وإخلاصَ هذا الرجل الثمين الذي قلّ نظيرُه.. لو كان [فرانسوا فيردينان] قد تقلّد الحكمَ في [النامسا] لكانتِ الإمبراطورية النمساوية أقوى بكثير مما كانت عليه في حُكْم [فرانز جوزيف] الذي حكم البلادَ لمدّة (68) سنة، وللتذكير فقد مات في (21 نونبر 1916) وخلفَه ابنُ أخيه الضعيف [شارل الأوّل]، وبذلك عُبِّدَتِ الطريقُ لتفكيك إمبراطورية [هانغاريا ــ النامسا]، ومنهما ستظهر للوجود [تشيكوسلوفاكيا] كما ظهرتْ فجأة [بولونيا] كنتيجة للحرب العالمية الأولى التي لم تكنْ حربًا من أجل مبادئ، وقيم، وحرّية، وسلام، كما يحاولون اليوم أن يُفْهِمونا عبْر خُطبِهم الرنانة، وإعلامهم المضلِّل، بكل تأكيد..
بعد المناورات العسكرية، كما قلتُ، أقام والي [ساراييڤو] مأدبة غداء على شرف [فرانز فيردينان] وزوجتِه، وتكفّلتِ الشرطةُ البوسنية بحراسة الطرق التي سيمرّ منها موكبُ الأرشيدوق؛ كان ثلاثة إرهابيين قد قطعوا مسافةً مشيًا على الأقدام إلى (سراييڤو)، وقد أرسلهم زعيمُهم الإرهابي [أبيس] يعني (النحلة)، وكان من أبرز هؤلاء الثلاثة إرهابيٌ كبير يُدْعى [غاڤْريلو برينسِيب].. لـمّا كانت سيارة [فرانسوا فيردينان] في طريقها إلى قصر الوالي، ألقى الإرهابيُ الأوّل بقنبلة يدوية نحو السيارة لكنها لم تنفجرْ؛ ولـمّا مرّت السيارةُ المكشوفة أمام الإرهابي الثاني رماها بقنبلة يدوية لكنّها لم تنفجرْ، فقفز الإرهابيان من فوق القنطرة إلى النهر، لكنّ الشرطةَ ألقتْ عليهما القبض، وبقي الإرهابيُ الثالث والخطير في مقهى وهو مستاءٌ بسبب فشل العملية.. كان [فرانسوا فيردينان] وزوجتُه متوتّريْن عند مقابلتهما للوالي، ولم تَدُمِ المقابلةُ طويلاً، فركبا سيارتَهما السوداء المكشوفة، وغادرا المقرّ غاضبيْن.. وأثناء الطريق، اقترح السائقُ على الأرشيدوق طريقًا أقصر، وكان ذلك أسوأ خيار، إذ كان ذلك الطريق يمرّ تمامًا أمام المقهى التي يجلس فيها الإرهابيُ الثالث [برينسيب].. وبينما هو كذلك يتحسّر على فشل عملية الاغتيال، إذا به يرى سيارةَ الأرشيدوق [فيردينان] تقترب، فهرول بسرعة، وكأنّه يريد التصفيق، فأخرج مسدّسَه ورمى [فيردينان] وزوجتَه بعدّة رصاصات عن قرب، فزاد السائق في السرعة، واتجه صوبَ المستشفى؛ كان [فيردينان] قد فارق الحياةَ، فيما زوجتُه لفظتْ أنفاسها الأخيرة بعد دقائق مخلِّفة وراءها طفليْن وبنتًا، وأُلقِيَ القبضُ على القاتل، بالإضافة إلى الإرهابيَيْن الأوّليْن، وعاشتِ [النامسا] مأساة، وحدادًا على فقدان وريث العرش.. وخلْفَ هذه المأساة كانت تختبئ وراءها مأساةٌ أشدّ وأنكى، وهي مأساة الحرب العالمية الأولى..
بقلم/ محمد فارس
|
|
|
[email protected]
التعليق يجب أن يناقش موضوع المادة
|
|
|