القائمقام وعقدة الخلط والحل
الذي يملك الفكر المتحرر ويريد الخير للبلاد والعباد وله غيرة على الفقراء ويبحث عن لقمة العيش للجائعين وعن الملاذ للبشر والدواء للجذام والمجانين ويبحث عن العدل للمظلومين، عليه أن يقدم علنا وبصوت عال الحلول، وله أن يكتبها على الجدران وأن ينير بها الطرقات بما تيسر لديه من علم ونور.
لكن أن يغوص في شرح علة الظلام بالظلمة والعتمة بخفوت الضوء، فهؤلاء الفقراء والعوام لا يحتاجون إلى ذلك، لأنهم ببساطة لا يملكون ضوءا ليقرؤو به ما يكتب، فهم يعيشون في تلك الظلمة ولهم من الملكة ما يستطيعون به التمييز بين من قدم أو يقدم الحل ويمسح بيده على جبين اليتيم ويؤوي المشرد ويطفئ عطش الصائم ويكفكف دمع ثكالى حوادث السير، وبين من يجلس على جنبات الطرقات ليبيع ما تبقى من ورق الدجل والنعيق والنهيق والنقيق.
إن القائمقام يعلم جيدا أو يعرف ماذا ينازع، ولكنه لا يستطيع أن يعرف ما سيأتي وماذا سينبث مكان ما انتزع، والنزع والانتزاع يكون دائما سببا في اجتثاث جذور الخير.
خلاصة القضية أن لدى القائمقام خلط بين فصل السلط القانوني وفصل السلط القيمي، هناك فصل للسلط الثلاث من تشريعية وقضائية وتنفيذية وهناك فصل للسلط القيمية، كقيمة وثيمة الحلم الأمريكي وقيم حلم الثورة الفرنسية وقيم العهد البريطاني، ولدينا نحن قيم للتقاليد المرعية الموروثة والضامنة لحق الجميع في التنوع داخل هذا البلد الآمن بألسنة الذكر الجماعية فجرا ومغربا تبعث غمامة إلى عنان السماء منذ قرون لتصبح مصعد ومهبط خير يعم أيضا هؤلاء الجالسين على جنبات الطرقات.
بقلم رفيق أكيز