يتجه الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ إجراءات صارمة في حق "حقوقيين" مغاربة تبين أنهم يستعملون المساعدات الأوروبية في أغراض لا صلة لها بالعمل الحقوقي وبالبرامج التي تتلقى عليها التمويل، وذلك بعد الكشف عن اختلاس جزء من التمويلات التي خصصت للتنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان التي تتولى رئاستها خديجة الرياضي، الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان وعضوة قيادة النهج الديمقراطي، مؤخرا.
وكان أمين مال التنسيقية قد اتهم بالسطو على 20 مليون من التمويل الأوروبي وأقر بذلك ووعد بإرجاع المبلغ مدعيا أنه اختلطت عليه الأمور حد عدم التمييز بين حسابه الشخصي وحساب التنسيقية، الذي سحب منه كل هذا المبلغ عن طريق الخطأ؟؟؟؟.
ومررت التنسيقية الأمر وكأنه لم يكن، بينما المعروف أن هذا التمويل يجب أن يصرح به للأمانة العامة للحكومة بقوة القانون وأن يتم تبرير أوجه صرفه لنفس الجهة كما للممولين بالدلائل المحاسباتية والوثائق الإثباتية، بمراعاة أن العمل الجمعوي يظل عملا تطوعيا وغير ربحي بمقتضى ظهير 1958 كما تم تغييره وتتميمه.
وفي هذا الإطار حل موفد أوروبي بالمغرب في الأيام الأخيرة لتقييم مدى التزام التنسيقية المغاربية بصرف الأموال الأوروبية بشكل سليم لإنجاز البرامج المخصصة لها، ومنها البرنامج المتعلق بدعم مشاركة المجتمع المدني المغاربي في ترسيخ التوجه إلى إقامة اتحاد مغاربي والذي يدخل في إطار دعم التعاون الأفقي في المنطقة الذي شرع فيه الاتحاد الأوروبي في بداية تسعينات القرن الماضي.
وفوجئ الموفد الأوروبي برفض تقديم تقرير مالي يفصل أوجه صرف التمويل الأوروبي بدعاوي واهية من طرف ممثل رئيسة التنسيقية وعضو مكتب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان يوسف الريسوني، ويبدو أن التنسيقية لا تتوفر على مثل هذا التقرير بالنظر إلى ما يعرفه تسييرها من مشاكل بسبب الربط بينها وبين الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وحزب النهج، الذي صار مسيطرا على الجمعية بشكل كامل ومسخر لها في خدمة أجندته السياسية البعيدة عن المنطق الحقوقي، وبالأخص لمناهضة الوحدة الترابية للبلاد بتنسيق مع الانفصاليين الذين يعملون على تحويل الجمعية إلى واجهة لهم، كما يتبين من المواقف المتخذة بشأن المجرمين الذين لجأوا إلى الذبح والتمثيل بالجثث لدى تفكيك مخيم اكديم إزيك، حيث تبنت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان موقفا إلى جانب القتلة ضد الضحايا ثم ضد عائلاتهم إلى اليوم.
وكان موضوع الاختلالات واختلاس الأموال المخصصة للعمل الحقوقي المغاربي، وليس للاغتناء الشخصي والأسفار، قد أثير في البرلمان الأوروبي من طرف النائب الأوروبي جيل بارنيو عبر طرح سؤال كتابي وجه للمفوضية الأوروبية يتساءل من خلاله عن حقيقة اختفاء جزء كبير من تمويل أوروبي استفادت منه التنسيقية المغاربية لجمعيات حقوق الإنسان.
وكانت الأمانة العامة للحكومة، وبعدها وزارة المالية، قد كشفا النقاب أمام لجنة تقييم المالية العمومية بمجلس النواب عن كون عدد من الجمعيات، ومنها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي وصلت ميزانيتها في مؤتمرها الأخير إلى ثلاثة ملايير سنتيم، لا تصرح بكل الأموال التي تتلقاها من الخارج للأمانة العامة للحكومة وفق مقتضيات القانون وتلجأ لتبريرات سياسية خارج الموضوع.
كما المندوبية الأوروبية وعدد من المنظمات الأوروبية الحكومية وغير الحكومية قررت من جهتها تنسيق جهودها وتبادل المعلومات فيما بينها بخصوص تمويل عدد من الجمعيات التي تبين أنها استغلت غياب هذا التنسيق لممارسة التلاعب ونيل تمويلات متعددة لنفس النشاط أو نفس البرنامج وبما يتجاوز كثيرا الحاجيات وصارت بعض المنظمات تمتنع عن صرف أموال والتكفل بالأداء للممونين والمزودين بالخدمات مباشرة.
ولكن ذلك كله لم يحل دون استمرار عدد من الممارسات الخارجة عن القانون والهادفة إلى الاغتناء من العمل الحقوقي والجمعوي عامة، حيث صار الحديث جاريا عن أغنياء العمل الجمعوي الذين يقضون وقتا طويلا بين الطائرات خارج البلاد بحثا عن منافع شخصية ولو على حساب سمعة العمل الجمعوي والمدني ومصداقيته. وقد تحولت العديد من الجمعيات إلى نوادي مغلقة لتبادل المنافع واقتسام الغنيمة والفساد المتستر وراء الشعارات وكيل الاتهامات لمن يعارضه أو يفضحه.
محمد الفيلالي