ينتمي القبر لعالم الميتافيزيقا. فكل الشعوب والأمم لها علاقة معينة بالقبر. أغلب الأمم تهتم بالقبور وتزخرفها. يستوي في ذلك المسيحي بالمسلم باليهودي. ورغم أن عبد العزيز اختار الانتماء للماركسية في بدايات حياته إلا أن دفنه كان على الطريقة السلفية البدوية الخشنة. لقد اهتم المسلمون بقبور ذويهم مهما كانت مكانتهم فبالأحرى أن يكون قبر الزعيم.
قبر في الصحراء. مكان خلاء. أخلته البشرية وعمرته الوحوش الضارية. رجل لم يرحم أرضه لكن في النهاية على الأقل رحمته. البلاد التي خدمها رفضت احتضانه ميتا. هي تعتبر صلاحيته انتهت. بينما البلد الذي ينتمي إليه جاد عليه بقبر ولو غريب. غربة قبر هي غربة صاحبها اختار لنفسه رمي الوطن بالحجر. من سوء حظ المرء ألا يجد قبرا نقيا يحضنه. اختار عبد العزيز لنفسه أن يكون أداة في يد الجزائر واختارت له الجزائر قبرا تبول فوقه الضباع والوحوش إن لم تكن قد حفرت قبره.
القبر في الدين الإسلامي له مغزى. يمر حوله المارون فيتذكرون أنه لا أحد خالد في الدنيا. القبر يقف عنده الباقون فيترحمون على الراحل. من سيترحم على عبد العزيز ولا يمكن الوصول إليه إلا عبر حشد مدجج بالسلاح؟
القبر الغريب دلالة على أن الجزائر لفظته بشكل نهائي. دولة العسكر الطاغي لا تؤمن بالإنسان. تؤمن بالأدوات. قادة البوليساريو عندها مثلهم مثل أدوات المطبخ. تهيء بهم الطبخات والمؤامرات ضد المغرب. عندما تعلو هذه الأدوات الصدأ تتخلص منها.
للأسف الشديد اختار عبد العزيز الطريق الخطأ. اختار أن يكون أداة في المطبخ الجزائري. وللأشف الشديد أن الجزائر اختارت أن تكون أداة في المطبخ الدولي. بدل بناء وحدة مغاربية كانت حلم المقاومة المغاربية وسعى من أجلها المغفور له محمد الخامس، فضلت أن تكون خنجرا في خاصرة المغرب العربي، الذي جعلت منه خرائط ممزقة وأرادت تمزيقه أكثر بصناعة دولة افتراضية اسمها الجمهورية العربية الصحراوية.
الرئيس الافتراضي لم يجد بعد وفاته قبرا حقيقيا وأصبح قبره افتراضيا مادام ممنوعا على أحد زيارته خوفا من الوحوش الضواري. عاش الرئيس وهم الدولة الصحراوية. كان بيدقا في يد اللعبة الاستخباراتية، لكنه لما مات ظهرت الحقيقة الأولى، حقيقة الجزائر التي لا يهمها الصحراوي وكرامته بقدر ما يهمها أن يكون خادما لأغراضها.
حتى لو قام البعض بتزوير التاريخ فإنه لن يكون قادرا على تغيير الجغرافية. يمكن لي عنق النصوص لكن الأرض مستعصية. حاولت الجزائر صناعة تاريخ للبوليساريو لكن الأرض ظلت متشبتة بانتمائها للمغرب. المنطقة كانت محط أنظار القوى الاستعمارية. وبعد خروجها زرعت فيها عامل التقسيم والتجزئة. ركب موجته الجزائر وتم توظيف البوليساريو لهذا الغرض.
لا حل إلا بقبر أغرب للبوليساريو. لسنا ممن يدعو لإبادة الإنسان. ولكن قتل هذا العنوان الذي اسمه الجبهة. إذا تم دفن الفكرة يمكن أن يعود الصحراويون إلى أرضهم ويعيشون بكرامة ووفق اختياراتهم هم في وطنهم بينما ليس لهم الحق في الاختيار وهم خارج الوطن.
عبد الله الأيوبي