المغرب وسؤال المصير التنموي
مشكلة المغرب مع تقرير التنمية البشرية العالمي مشكلة قديمة ورغم ذلك لم يفلح في حلها وتجاوزها، والسبب هو اعتباره أن المشكل في التقرير وليس في الواقع المغربي، وأن المؤشرات المعتمدة غير دقيقة ومعطياتها متقادمة وغير محينة، فضلا عن أن الجهود المبذولة من قبل المغرب لا تجد صداها في تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية البشرية.
كل ما سبق معروف ومتداول منذ سنوات، لكن الحقيقة الملموسة هي أن ذلك نفع في السنة الماضية حيث استطاع المغرب أن يحسن موقعه بأزيد من 9 نقط في الترتيب مقارنة مع سنة 2006 حيث كان يحتل الرتبة 123 ليصبح في الرتبة 114 في السنة الماضية، ثم ما يلبث أن يتراجع في تقرير هذه السنة إلى الرتبة 130، مما دل على أن مؤشرات المغرب المتعلقة بكل من صحة الأطفال والأمهات وكذا الأمية والتعليم ومعهم الدخل الفردي لم تعرف تحسنا حقيقيا بالمقارنة مع باقي دول العالم عامة والعربية خاصة، مع العلم ان تقرير التنمية البشرية يعتمد بشكل أساسي على تلك المؤشرات الآنفة.
كيف وصلنا إلى هذه النتيجة؟، السؤال يفرض نفسه بحدة ويضع مصداقية الإنفاق الحكومي على القطاعات الاجتماعية موضع تشكيك عميق في جدوائيتها، كما يطعن في فعالية الاستراتيجيات المعلنة من قبل الحكومة بخصوص كل من التعليم والصحة والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وللعلم فإن التقرير الأخير لوالي بنك المغرب وضع مؤشر وضعية المغرب في مؤشرات التصنيف الدولي الخاص بالتنمية البشرية كمعيار للحكم على فعالية الاستراتيجيات القطاعية.
للأسف لم ترتق بلادنا بعد للربط الفعلي بين المسؤولية والمحاسبة، وإلا فإن تقرير التنمية البشرية الذي أعاد المغرب إلى الخلف ب16 نقطة سبب كاف للقيام بوقفة وطنية شاملة، تنطلق من تقييم عميق لوضعية المغرب مع غيره من الدول وتحليل أسباب تقدم غيره بوتيرة أسرع ومردودية أكبر من وتيرة اشتغال المغرب على مواجهة تحديات التنمية البشرية، والأهم هو الإعلان عن انطلاق افتحاص شامل لكل البرامج المعنية بالتنمية البشرية، وما يفرض ذلك هو أن اشتغال بلادنا أصبح مؤطرا باستراتيجيات قطاعية في الصحة والتعليم، كما أن الإنفاق العمومي على هذا الأخير ارتفع إلى 48 مليار درهم في سنة 2011 بعد أن كان قبل مجيء الحكومة في حدود 34 مليار درهم في سنة 2007، ونفس الأمر بالنسبة للصحة التي ارتفع الإنفاق عليها إلى 11 مليار درهم بعد أن كان في 2007 في حدود 7 مليار درهم، كما وسع برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في نسخته الثانية دائرة تدخله لتنتقل إلى من 701 قرية و530 حي حضري وذلك بغلاف مالي ارتفع إلى 17 مليار درهم للفترة 2011-2015 بعد أن كان الغلاف المالي للفترة 2005-2010 هو 10 مليار درهم لفائدة 403 جماعة قروية و264 حي حضري.
قد يكون من السابق لأوانه الجواب عن الأسئلة السابقة، لكن يمكن اعتبار أن الخلل الجوهري يعود لأزمة الحكامة الحادة في تدبير الشأن العام، والتي تجعل من مؤسسات تدبيره فاشلة في استثمار ما يتاح من إمكانات مالية ضخمة وتطبيق ما يوضع استراتيجيات وأفكار قدرته محدودة على تتبع ما يعلن من برامج وتوجهات وفق ما يحدد لها من أهداف ونتائج.
إن حل أزمة الحكامة ليس بصعب لكنه يتطلب فقط تجسيد مقتضيات الدولة الديموقراطية، وإرساء قواعد الشفافية والمحاسبة وسيادة القانون والمسائلة، واستمرار العمل على إفراغ هذه القواعد من مقتضياتها العملية، مثلما يسعى لذلك البعض مع الانتخابات القادمة سيجعل المغرب يتأخر أكثر في تنميته البشرية، ويصبح مصيره التنموي موضع شك.
مصطفى الخلفي / هسبريس
نشر بتاريخ 05 نونبر 2011