المدرسة و التنشئة الاجتماعية ؟
أزمة المدرسة ؟ أنا لا أعتقد ذلك ، الأمر أعمق بكثير ، لأنه يتعلق بمشكل مجتمعي شامل ، مجتمع يعيش أزمة شاملة ، أزمة ثقافة وأزمة إنتاج قيم ذات مفعول اجتماعي و سياسي و اقتصادي ، أزمة البنية الكبرى ! المدرسة ما هي إلا مؤسسة مندمجة في المجتمع ، حلقة من حلقات الكل ، هذه الأزمة الشاملة تتطلب أن تتدخل كل الأجهزة الإيديولوجية للدولة ، و ليس المدرسة فقط ، في إطار استراتيجية شاملة و في مقاربة إنسانية ، قيمية و حقوقية ، لبناء ثقافة إنسانية راقية .
ذات يوم زرت إعدادية رقية حدو لرؤية زميل يدرس فيها ، فشعرت كأنني في أحد سجون الاستعمار ، شباب و شابات في زهرة العمرة ، لا أخلاق لهم ، أبكاني حالهم : مخدرات ، شغب ، عنف ، انحرافات جنسية ... ظواهر كانت في الأصل استثناء ، أصبحت اليوم قاعدة ، هذا حال معظم مؤسساتنا التربوية ؟ لكن من يتحمل مسؤولية تخريبها ؟ و ما مصير أبنائنا و بناتنا ؟
إذا لم تستطع هذه المؤسسة اليوم أن تحقق دورها التربوي و التعليمي فذلك يرجع إلى انزلاق مؤسسات التنشئة الاجتماعية عن السكة ، تخلت عن أدوارها التربوية و التعليمية . فعلى مستوى المدرسة نسجل إدارة بالية تسير دواليبها بفكر تقليدي كله غباء و تراجيديا ، صارت إدارة المكتب و الأوراق ، تخلت عن الفرائض و باتت تقتصر على النوافـل : أوراق و أوراق ثم أوراق ، و الاجتماعات و الأجهزة شكلية تقف عند حد الاستعراض ، لا تجد لها صدى إلا على صفحات الأوراق، و على شاشة الحاسوب ، أما المتعلم المسكين فلم يعد سوى رقم ينتقل من لائحة إلى أخرى ، و عندما تنتهي صلاحيته ، و يكتمل تشويه شخصيته ، يستغنى عنه ، ليواجه مصيرا مجهولا . أيتها الوزارة لماذا الأقدمية و العشوائية في مناصب الإدارة ؟ أليس من الواجب اعتماد الكفاءة الإدارية و التواصلية ؟ وفق مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب ؟. أما الأسرة فهي تتصارع من أجل حاجات الحياة ، الأكل، الشراب، اللباس، السكن، التطبيب، النقل... هموم لم تترك لواجب تتبع الأبناء مكانا ، آباء و أمهات يكدون ليل نهار لتوفير هذه الضروريات ، و في النهاية يحصدون آلاما ، أيها الآباء ، أيتها الأمهات ، لا تصمتوا ؟ أليست المدرسة العمومية لكم ؟ أليس التعليم و التربية حق من حقوق أبنائكم؟ أين جمعيتكم ؟ إنكم تتحملون المسؤولية في هذا الوضع المزري . أما الإعلام فهو خارج السياق ، يتعذر الاتصال بمخاطبكم ! إعلام لا رسالة له في العموم ، سوى الترويج للانحلال و الانحراف ، مسلسلات ممسوخة في تزايد مستمر ، و برامج استهلاكية للتخدير و التضبيع ، لا أثر للتربية و التعليم و المعرفة الجادة ، أين حق المتعلم في الإعلام ؟. أما المسجد فهو معطل و مراقب ، هذه المؤسسة التي كان من المفروض أن تعلم قيم الفضيلة لأبنائنا و بناتنا ، و تعرفهم بحقيقة وجودهم ، و برسالتهم في هذه الحياة الدنيا ، للأسف الشديد ، أصبح المسجد محرما على المسلمين ، إلا من تدين رسميا وفق دفتر التحملات للوزارة الرقيبة !
لكن لتصلحوا حال التربية و التعليم ببلادنا أقول لكم أنكم لستم في حاجة لميثاق وطني و إنما لضمير إنساني ، و لستم في حاجة لكتاب أبيض و إنما لقلب أبيض ، و لستم في حاجة لمقاربات بيداغوجية و إنما لمقامات محبة !.
إسماعيل عشاق ( أستاذ التعليم الابتدائي )