|
|
أضعف الإيمان
أضيف في 29 نونبر 2014 الساعة 43 : 18
أضعف الإيمان
من بين الأحداث التي شدّت الانتباه بشكل كبير هذا الأسبوع، هذان الحدثان المتناقضان: الأول، هو انعقاد المنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمراكش، الذي اعتبرته السلطات المغربية «انتصارا» لها و»شهادة حسن سلوك وسيرة» من المنتظم الدولي للمغرب، الذي كان يعتبر لعقود «تلميذا كسولا» لا يستوعب أي درس في حصة «حقوق الإنسان». والحق أن حضور شخصيات وازنة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم، مثل نافي، المفوضة الأممية لحقوق الإنسان، والكاتبة الشيلية والناشطة الحقوقية، إزابيل أليندي، وعدد من الحاصلين على نوبل للسلام، فيه نوع من الاعتراف بتحسن مستوى هذا التلميذ الكسول الذي كان طيلة سنين طويلة لا يحصل سوى على نقاط تدور حول الصفر، وفيه نوع من الإقرار بأن هذا التلميذ الذي كان دوما يُنظر إليه نظرة كلها اتهام، قد أخذ يتخلص من كثير من مسببات تلك الاتهامات. لا شك أن بلادنا تمكنت في الأعوام الأخيرة من تحقيق تقدم في مجال حقوق الإنسان، ولكنه تقدم على أوراق المعاهدات الدولية، إذ انضمت الرباط بشكل أو بآخر إلى عدد من هذه المعاهدات التي تشدد على ضرورة احترام حقوق الكائن المغربي، ليس فقط، السياسية، بل وحتى المدنية والثقافية، وكان آخرها انضمامه الفعلي إلى اتفاقية مناهضة التعذيب والمعاملة المهينة هذا الأسبوع. ولكن بلادنا لم تقم، بالموازاة مع هذا التقدم على مستوى النصوص، رغم أهميته، بخطوات على أرض الواقع حتى لا تبقى تلك الحقوق التي تعهدت باحترامها أمام الأمم الأخرى، مجرد حروف جامدة وباردة لا تنفع الناس في شيء. وهذا يقودني إلى الحدث الثاني الذي خلّف كثيرا من المرارة في نفسي، وكذا في نفسية الكثير من المغاربة. فعشية انطلاق منتدى حقوق الإنسان بمراكش، انتشرت على الشبكات الاجتماعية صور عدد من الذين قضوا في الفيضانات التي عرفها إقليم كلميم هذا الأسبوع، حيث لم يلقوا المعاملة التي يجب أن يحظى بها الموتى. بل تم جمع جثثهم في شاحنة لنقل الأزبال، وكأنها مجرد قُمامة ولم تكن تسكنها أرواح لها قدسية في جميع الأديان والثقافات. إن المعاملة المهينة والحاطّة التي لقيتها تلك الجثث تُنم على أن الكائن المغربي المسكين مازال بعيدا كل البعد عن التمتع بأدنى حقوقه سواء أكان حيا أو ميتا. فهو لا يتمتع بأية ضمانة في هذه البلاد، التي تُعتبر مبدئيا بلاده، ذلك لأنه لا يحس بأن هناك من يحمي حياته عندما تهب الكوارث الطبيعية، ولا بأية ضمانة بأن أولئك الذين سيتولون جثته بعد موته في هذه الكوارث سيعاملونها معاملة لائقة حتى توارى الثرى. إن احترام حقوق الإنسان لا يتم بالتوقيع على أسفل صفحات المعاهدات، ولا تتجسد فقط، باستقبال منتديات حقوقية مهما كانت درجت عالميتها. بل إنها تبدأ، أولا وقبل كل شيء، باحترام أبسط المتطلبات الصامتة للكائن المغربي، وهي أن يتم التعامل مع جثمانه بما يليق فقط.. وذلك أضعف الإيمان.
مبارك لمرابط
|
|
|
[email protected]
التعليق يجب أن يناقش موضوع المادة
|
|
|