|
|
بصمات حياة نافعة
أضيف في 07 مارس 2022 الساعة 34 : 22
بصمات حياة نافعة
الحسين بوخرطة
استيقظ ابن البلد الأصيل فجرا في فصل شتاء جاف أوشك على النهاية. مغتبطا بروح وأجواء وطنه، التي فطنها في الكبر، تمدد على أريكته المصنوعة بتصور امتصاص الطاقة السلبية. غاص في تفكير عميق في أيام عمره الزاخرة بالأحداث المعلنة والسرية. توالت على مخياله الأفكار مزمجرة ومجتاحة سويعات الغلس. تعجب لقوة أشعة الشمس الذهبية وهي تغالب الغلس مغرقة الكون في نور بهيج.
اشتد حبوره الطافح. استسلم لهذيان حقائق كان يجهل كنهها في أيام حياته السابقة مرددا حكايات تجاذب الروح والمادة في وجوده. اختار لها عنوانا داهمه : "بصمات حياة نافعة".
عشقت نفسه الحياة. عاشت السبات العميق المريح. تكدرت كل يوم بأرق أزمات لا قيمة لها. انزلقت مرارا في شرك تضييع الوقت الذهبي. ازدرت الملذات بالشراهة والمتعة النافعتين. تألمت بآهات دسائس ودغائن وتفاهات الأقارب.
حملقت بتمعن غائر في مصادر السلط الوطنية والكونية. حزنت للحظات التغرير بها بعواطف الجهالة. انفرجت الأجواء كلما تذكرت تشبثها بالكدح وتعبها المتواصل لإثراء هقل الجمجمة. تحدت منذ الصبا الكسل والخمول خدمة لعضلات جسد مقاوم للترهل. تحملت باستمرار أعباء الدنيا بأبعادها الثلاث: عقل، وجسد، وسلطة.
حملق بتأمل الفلاسفة والعلماء في الوجود والسماء. استرجع البواعث والمحفزات التي جعلته يتعلم ويراكم، ويقابل النظرية والواقع في القول والفعل. اهتدى أن الحياة حق والسياسة فن ممكن، والثقافة قاطرة تتجدد وتستبدل كلما عبرت الإنسانية خطوات في غياهم التطور. احمرت وجنتاه بسبب حدة فرحه لتراكمات كشوفات الكيمياء والميكانيك والإلكترونيات وعلوم الحياة بشقيها الحيواني والنباتي.
أخذ جزء من خبز شعير. أعرقه في صحن عسل حر. غمر كأسا بلوريا شايا أخضرا مستوردا من أرض الصين. توالت الرشفات المبللة لأقساط خبز الشعير المعسول. أراد ابنه إشعال التلفاز. استدار بأريكته مشرئبا الفضاء الممكن من نافذة الإغاثة. ضجر من سماع أخبار صوت الدبابات والقنابل وأسلحة الدمار الشامل المختبئة، وابتسم عندما التقطت أذناه خبر الكرسي الفارغ في حضرة التخندق في صراع الديناصورات العاتية. نادى ابنه بعطف شديد. لثم وجنتيه بحنو لا يضاهى. ناوله قصصه القصيرة كاملة وأفضى له أنه ينوى عنونتها "بصمات حياة نافعة".
|
|
|
[email protected]
التعليق يجب أن يناقش موضوع المادة
|
|
|