أولا : الدبلوماسية بين الصدق والواقعية من جهة والنفاق والمكر من جهة أخرى
الدبلوماسية ليست لعبة مكشوفة تعتمد الصدق والشفافية بل هي نفاق ومكر ومناورات ودسائس ومكائد ومقالب ، وفي نزاع الصحراء بين الجزائر والمغرب لعب حكام الجزائر لعبة الديبلوماسية المُنَافِـقَة ، مثلا حينما أعلن بومدين أن لا مطالب له في الصحراء الغربية ثم انقلب ليُـنـْفِـقَ الملايير من أجلها ، كما لعب لعبة الدبلوماسية الماكرة بعد أن حسم الملك الحسن الثاني النزاع على المستوى العسكري أنفق حكام الجزائر أموالا طائلة ولايزالون لشراء ذمم فقراء العالم وخصوصا الأفارقة منهم حتى نجحوا في دس جمهورية الصحراء الغربية الوهمية في منظمة الوحدة الإفريقية لتُصبح شوكة في خاصرة إفريقيا قبل خاصرة المغرب ...
ثانيا : هل تَسَرَّعَ المغربُ باقتراحه الحكم الذاتي في الصحراء ؟
لا يزال المغاربة الذين شاركوا في المسيرة الخضراء في 6 نونبر 1975 والجيل الذي عاصر هذه المسيرة بكامله ، لايزالون غير مقتنعين باقتراح الحكم الذاتي لأنه جاء قبل الوقت ويرونه خطوة متسرعة من الجانب المغربي غير محسوبة العواقب ، ويرون أن المغرب كان عليه أن يتشبث بالإدماج التام للصحراء في إطار استكمال الوحدة الترابية وترى هذه الفئة الرافضة لاقتراح الحكم الذاتي عام 2007 أن المغرب لم يعد له ما يقدمه في مفاوضاته مع البوليزاريو والجزائر في 2012 لأنه قد أعطى أقصى ما يمكن أن يتنازل عليه ولم يبق أمامه سوى الخروج من الصحراء . وكان على المغرب أن يترك ورقة الحكم الذاتي تُطْرَحُ من طرف البوليزاريو والجزائر والمنتظم الدولي في حالة ما إذا وصلت المفاوضات إلى الباب المسدود مقابل تشدد المغرب بتشبثه بالوحدة الإندماجية ، وبذلك يكون المغرب قد حافظ على موقع القوة في تفاوضه لا أن يقدم مقترح الحكم الذاتي للجزائر والبوليزاريو على طبق من ذهب حتى ازدادت أطماع حكام الجزائر متطلعة إلى أكثر من الحكم الذاتي الذي أصبح في مضمونا ..... إنها غصة اقتراح الحكم الذاتي لدى الوحدويين المغاربة من طنجة إلى لكويرة.
ثالثا : هل غدرت الدول العظمى بالمغرب مقابل مصالحها مع حكام الجزائر ؟
تدفع الدول الغربية - التي تعتبر نفسها وصية على شعوب العالم - بعض الأنظمة إلى تبني الديموقراطية وحقوق الإنسان لكنها لا تحشر أنفها في شؤون الديموقراطية وحقوق الإنسان إلا في الدول التي لا مصلحة لها فيها أما الأنظمة الديكتاتورية التي تربطها معها مصالح حيوية كالجزائر مثلا فلا تهمها وضعية الديموقراطية وحقوق الإنسان فيها.
يقول المغاربة المطلعين على الخلفيات التي جعلت المغرب يتقدم بمقترح الحكم الذاتي : إن المغرب لم يتقدم بهذا المقترح سنة 2007 إلا بعد أن تلقى ضمانات قوية من الدول العظمى والمسماة مجموعة أصدقاء الصحراء الغربية وهي : أمريكا – فرنسا – بريطانيا – روسيا + إسبانيا ، ويقول البعض بل هي التي دفعته ليتقدم بذلك الاقتراح وأعطته ضمانات بأن يعتمد عليها لدعم هذا المقترح في المحافل الدولية ، لكن يبدو أن فرنسا وأمريكا وحدهما اللتان كانتا تُصَـرِّحَان بالإشادة بهذا المقترح علانية وتدافع عن إدراج أهمية هذا المقترح في القرارات الصادرة عن مجلس الأمن في الموضوع ووصفه بالجدي وذي المصداقية ، لكن هذه الدول ظلت مع ذلك مع ما يسمى " بتقرير مصير الشعب الصحراوي " مما يغطي المقترح ويَحْجُبُ أي معنى قويٍّ له ويضعه في خانة واحدة مع مقترح البوليزاريو الداعي للاستفتاء حول تقرير المصير المؤدي للاستقلال التام عن المملكة المغربية . وكل هذا يعطي الانطباع بأن مجموعة أصدقاء الصحراء قد ورطت المغرب بالدفع بهذا الاقتراح ثم تخلت عنه وتركته يصارع كل المحاولات الداعية لإفراغه من أي قيمة تجعله ناجعا وفعَّالا ، بل أصبحت مجموعة أصدقاء الصحراء تلعب على الحبلين بين مصالحها الثابتة مع الجزائر ووعودها للمغرب كحليف قديم لدول العالم الحُـرِّ أيام الحرب الباردة وكموقع استراتيجي اليوم ، لكن أموال الجزائر المُغرية وخيراتها النفطية والغازية تجعلها أقرب إلى العقل والمنطق من المغرب الذي انتهى دوره بانهيار المعسكر الشيوعي.
رابعا : هل يفهم حكام الجزائر البعد الديمقراطي الحضاري لمقترح الحكم الذاتي ؟
لكن بالمقابل يرى البعض أن المغرب حينما اقترح الحكم الذاتي في الصحراء فإنه قد أفصح عن استراتيجية مستقبل النظام في المغرب ، فهو يرى أن جمود النظام المغربي في قالب نمطي تقليدي أو تقليداني سيعرضه لهزات قوية أمام تطور العالم نحو الديموقراطية والابتعاد عن الشمولية والقطرية المركزية الضيقة ، وقد سطر النظام المغربي هذه الرؤية الاستراتيجية في دساتيره الأخيرة انطلاقا من مفهوم اللامركزية واللاتمركز إلى الجهوية والجهوية الموسعة كما في دستور 2011 ، ولِـــمَ لا الحكم الذاتي لتسيير الشؤون المحلية من قِبَلِ ساكنة المناطق كما هو الشأن في ألمانيا أو إسبانيا وغيرها ... فهل بلغ حكام الجزائر هذه الدرجة من الوعي العميق بمفاهيم التسيير التشاركي أو التدبير الذاتي لشؤون المواطنين ؟ أم إن عقلية الوصاية على الشعب الجزائري بكامله لا تزال راسخة في عمق الفكر السياسي لحكام الجزائر ، باعتبار أن الشعب الجزائري لا يزال قاصرا وقد يَنْفَلِتُ ِزمَامُه بين الفينة والأخرى لأنه شَعْبٌ حَرونٌ صَعْبُ الانقيادِ.
خامسا : الثابت والمتحرك بين الجزائر والمغرب
في الجزائر :
لا يزال اقتصاد الريع هو الثابت الأبدي لحكام الجزائر ، فسياسة إنفاق جزء من ريع النفط والغاز مقابل شراء السلم الاجتماعية هي العمود الفقري للنظام العسكري المخابراتي الحاكم في الجزائر في مقابل جمود كل المشاريع التنموية ، مقابل تهريب أموال الشعب الجزائري نحو بنوك خارجية.
* لا تزال سياسة احتقار الشعب الجزائري وإهانته كما كانت منذ بداية الاستقلال الشكلي للجزائر إلى اليوم وقد تجلت في مهزلة انتخابات ماي 2012 المزورة...
* التمسك بسياسة أيام الحرب البردة البالية البروباغاندا – القمع – الحكم البوليسي – الترهيب – التنكيل
*الزج بالجزائر في قحط سياسي مذل والعالم من حولها في حراك نشيط لتغيير الأوضاع بعنف أو بهدوء الموت المطلق أمام الربيع العربي والدولي
المغرب
*حراك سياسي قوي قد يبلغ حد خنق النظام في كثير من الأحيان
*حراك سياسي أوصل المعارضة الحقيقية في المغرب لما عُرِفَ بحكومة التناوب في مارس 1998
* ملك جديد له مفهوم جديد للسلطة ويحكم بأسلوب جديد كما قال والده رحمه الله
* تشبع الدولة بمنطق التشارك في اتخاد القرارات وعلى أعلى مستوى من السلطة
*تفاعل الدولة من القمة إلى القاعدة مع الربيع العربي : دستور جديد عام 2011 يتنازل فيه الملك لرئيس الحكومة عن كثير من الصلاحيات – دعم وتقوية سلطة المعارضة في الرقابة ومحاسبة السلطة التنفيذية – ضمان حقوق الإنسان كما هو متعارف عليه دوليا – الانخراط في الحراك السياسي العالمي حسب المفهوم الجديد لعلاقة السلطة بالشعب
*حركة تنموية قوية بدعم المبادرات الحرة
ازدهار إنتاجات قطاعية
الخدمات
السياحة
صناعات تحويلية للطائرات
صناعات تحويلية للسيارات
الاكترونيك
الصناعات الغذائية
الصناعات الدوائية
النسيج والألبسة
الفلاحة العصرية والتقليدية
الصناعات الجلدية
الصناعات التقليدية
لايمكن أن نفصل بين المفهوم الاستراتيجي للنظام الحاكم وفلسفته في تدبير شئون المواطنين ، ففلسفة النظام الجزائري ومفهومه الاستراتيجي للحكم عامة شمولي مركزي بوليسي قمعي قهري ترهيبي ، لاحق للفئات المكونة للمجتمع الجزائري أن تفكر في تدبير شئونها وفق منظور الخصوصية الجغرافية والثقافية ، كل شئ متحكم فيه مركزيا وبقبضة من حديد ، نظام دكتاتوري فاشستي.
أما النظام المغربي فقد تضمن دستور 2011 الاعتراف بجميع الأعراق ( الأمازيغي -العربي – الإفريقي – الأندلسي – العبري ) وكذلك الاعتراف بالأمازيغية كلغة رسمية ، والتنصيص على التشاركية في الحكم كما نص على اللامركزية واللاتمركز في تدبير الشأن العام بل وذهب إلى حد التنصيص على الحكم الذاتي الموسع في إطار السيادة المغربية ، إنها قمة التحضر والبعد المستقبلي الحكيم.
إذن اقتراح الحكم الذاتي في الصحراء هو نظرة مستقبلية حكيمة تسمو بسنوات ضوئية عن الواقع المعيش الذي يتخبط فيه التفكير الضحل و المنحط والمتخلف للنظام الحاكم في الجزائر.