|
|
في ميدان التعليم اتّسع الرّتقُ على الرّاتق
أضيف في 15 أبريل 2019 الساعة 59 : 16
في ميدان التعليم اتّسع الرّتقُ على الرّاتق
عندما تجد حكومةً تنادي على الشيوخ، والمتقاعدين، والموظّفين، وكلّ من ليس لديهم تجربة ميدانية، تدرك في التو واللحظة أنّ المعركةَ خاسرة، وأنّ الرهان لن يُرْبَح، وأنّ أصحاب القرارات إنما يخبطون خبْط عشواء لا أقلّ ولا أكثر؛ وهذه حقيقة يؤكّدها التاريخُ القديم والحديث.. أعني بهذا ما قرّره أصحاب إصلاح منظومة التعليم ببلادنا حيث قرّروا المناداة والاستنجاد بالمتطوّعين، والمتقاعدين، والموظّفين، ليعوّضوا التلاميذَ عن الدروس التي ضاعت بسبب إضراب رجال التعليم المتعاقدين؛ وهل الموظّف يعرف كيف يقف أمام التلاميذ في القسم، وهل له معرفة بالدروس التي سيلقيها، وهل هو متمكّن من تقنية تبليغ الدّروس للمتعلّمين، وهل تلقّى تكوينًا وتدريبًا في هذا الميدان؟ فعن أيّ تعويض يتحدّث هؤلاء، وقدِ اتّسع الرّتقُ على الرّاتق؟!
إصلاح منظومة التربية والتعليم ببلادنا معقّدٌ جدّا.. فلو تعلّق الأمر بإصلاح المنظومة لهان الأمر، ولكنّ هذا الإصلاح مطروحٌ فيه [الفلوس]، وهم يريدون إصلاحًا (ببلاش)، وبالتحايل على المدرّسين، حتى لا يكون لهم ما يسمّى مستقبلاً [la sécurité de l emploi] فهم يريدونهم مجرد (متعاقدين) كما هو الشأن في أيّة شركة أو مقاولة أو ضيعة، وليس مع دولة ذات كيان، وقوانين، ومصداقية.. فهم بهذه القرارات ينهجون سياسة السماسرة والتجار في ميدان هو أهمّ من ميدان السمسرة والتجارة؛ وهذه السمسرة سوقٌ تطال حتى قطاعَ الصحة، والوظيفة العمومية، وسترى حقوقًا نسِفتْ، وأقواتًا ضُرِبت، حفاظًا على امتيازات ذوي الامتياز، وأزلامهم من (الخرْدة السياسية المترهّلة).. سوف يأتي زمن لن تجد فيه رخصةَ مرض، ولا تقاعُدًا، ولا هُم يحزنون، ممّا لا يبشّر بمستقبل فيه للمواطن حقوق، وكرامة، وعيش كريم، وهذا مخطّطٌ قديمٌ يتم تنفيذه خطوة خطوة؛ فهو بطيء، ولكنّه أكيد..
هذا المخطّط بدأ بحملة (المغادرة الطوعية) التي كلّفت الخزينةَ مليارات، وأفرغتْ ميدان التعليم من أطره، ثمّ تلاها إلغاءُ مشروع الإصلاح، فضاعت الملايين من الدراهم، ومن ساعات الدروس، ثم أعقبها خصْم الثّلث من تقاعُد المسحوقين، مع الرفع من اقتطاعات الموظّفين كلّ شهر، مع الحفاظ على بذخ الباذخين، وامتيازات الإقطاعيين، وتمتيعهم بتقاعد سمين؛ فلم تسمعْ ولو مرّة تخفيضَ أجور هؤلاء أو التخفيض من عدد الوزراء، أو إلغاء مؤسسات زائدة عن الحاجة، لأنّ رضا الخاصّة عندهم أهمُّ من رضا العامّة، وهذا ما لا يبشّر بالخير، وهم في غفلة منه حتى يأتيهم اليقين.. فمثل هذه المقالات لا يقرؤونها؛ فهم يعتبرونها مجرّد كلام فارغ؛ ولا يعلمون أن أسباب الفتن وانهيار المجتمع سببُه (كسْرة الخبز)، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم، وحذّر منه النبي عليه الصلاة والسلام، وأكّده الفلاسفة إذِ اعتبروا أنّ الحكومة هي الحارس الليلي لحقوق المواطنين، ولكنّ هؤلاء عندنا يعرفون أكثر، ومتيقّنون أن لا شيء سيحدث، وهذا هو خطأ السياسيين التجار..
هؤلاء الوزراء، رغم كثْرتهم الغثائية، ليس من بينهم واحدٌ يفكّر بعقله؛ فهم مثلا يريدون حلاّ للمشاكل، ولكنّهم يعجزون، فيدخلون حلبةَ الخداع، والمساومة، والتهديد، حتى لا يمسّوا بنصّ مقدّس وبتعليمات عليا مصدرُها (البنك الدولي)؛ فكلّ ما يمسّ حقوقَ الشعب، وأقوات المواطنين، مصدره هذا المقامُ الذي يأتي منه القولُ الفصلُ وما هو بالهزل، بدءًا من (المغادرة الطوعية، مرورًا بضرب صندوق التقاعد والتوظيف بالتعاقُد، وانتهاءً بما سيأتي كإصلاح للوظيفة العمومية)، حيث سيتحول الموظّفون إلى سجناء يمارسون الأشغالَ الشاقة في معتقلات (النازية).. لذا ترى الوزراء يُظْهرون فحولتهم على المواطنين، باعتبارهم الحلقة الضّعيفة والسهلة، ولا يُظْهرون رجولتهم على [فرانسواز لا غارد].. فلا تعتقد سيّدي القارئ الكريم أنّ [بنكيران] نال تقاعدًا سمينًا بلا تضحيات؛ كلاّ! فهو ضحّى بقول الله تعالى، وبوصايا رسول الله، وبكلّ المبادئ، وهو الأصل في كلّ ما نعانيه اليوم، وكانت (لا غارد) راضيةً عنه، بعدما كانت متخوِّفة منه، فنال نقطة حسنة، جعلتْه ينعم إلى آخر حياته بتقاعد مريح، ولا أظنّه سيلقى ربَّه بضمير مستريح؛ لا أعتقد ذلك!
يقول المغنّي الإرلاندي الشهير الذي أطعم جياعَ [إثيوبيا] في أواسط الثمانينيات، أعني به [بوب غيلدوف] إنّ أيّة دولة إفريقية ما زالت سجينة ديون (البنك الدولي) فلن تتقدّم إطلاقًا.. ويقول وزيرُ الاقتصاد الكونغولي الأسبق: [إنّه إذا كان بإمكان أية دولة إفريقية دفْع ديون هذا البنك، والتخلص من أسْره، فلتفعلْ لتصير طليقةً ومستقلّةً وحرة في سياستها].. ويقول [ويلفينسون] المديرُ الأسبق للبنك الدولي، إنّ هذا البنك يتدخّل في الكبيرة والصغيرة للدول الفقيرة من وراء الستار].. ويقول [وارْبورغ] مؤسّس البنك الدولي: [سنُنْشِئ بنكًا سيمكّننا من إنشاء بيروقراطية تمكّننا من التدخل في جميع قضايا الدول النامية]، ويعلّق المؤرّخُ [ويليام كار] على هذا بقوله: [اُنظروا لكلّ التنازلات المشينة التي تقدّمها هذه الدولُ مقابل قروض البنك الدولي].. وعلى هذا، فإصلاح التعليم، هو إصلاح أقره البنك الدولي؛ وضربُ صندوق التقاعد هو ضربٌ صوّبه إليه البنكُ الدولي؛ والزّلزالُ الذي سيطال الوظيفةَ العمومية، فإنّما هو بسبب دمار شامل سيطْلقه هذا البنك ضدّ الموظفين.. فلو كان لنا مسؤولون صادقون، لوظّفوا ما جمعوه من المحروقات لتأدية ديون هذا البنك.. فالوزراء مجرّد خدم للبنك؛ وهمُّهم رواتبُهم الشهرية ليس إلاّ..
بقلم/ فارس محمد
|
|
|
[email protected]
التعليق يجب أن يناقش موضوع المادة
|
|
|