|
|
فرنسا تاريخها الأسود يوجد دومًا أمامها لا خلفها
أضيف في 21 دجنبر 2018 الساعة 23 : 14
فرنسا تاريخها الأسود يوجد دومًا أمامها لا خلفها
في كتابه [الحرب الحضارية الأولى] الذي صدر له سنة (1993)، يقول عالِمُ المستقبليات المغربي، الدكتور (المهدي المنجرة) رحمه الله، إنّه وانطلاقًا من هذه السنة، فإنّ الشعوبَ سترفض الاستقرار، لأنه ليس في صالحها؛ ومن الآن إلى القرن المقبل (يعني القرن (21))، فإن العالم ستصيبه هزّاتٌ عنيفةٌ، منها ما هو مدمّر كنتيجة لسياسات تميّزتْ بالقمع، والجمود، وعدم سماع رأي الشعوب؛ وصدق الرجلُ الذي تعرض للإهمال في بلده، فيما استفاد منه آخرون مثل اليابانيين. وليعْلَم السياسيون الجهَلَة، والبرلمانيون الأكلة، والإعلاميون الكذَبة، أنّ ما يعتبرونه استقرارًا إنما هو وهْم خادع، وأنّ المجتمعَ ليس مستنقعًا راكضًا كما يتصوّرون لجهْلهِم؛ وإنّما هو فضاءٌ ينبض بالحياة، وأنّ الهراوات، والقوّات، لن تجديَ نفعًا مستقبلا، في مجتمع فقد بسبب سياستهم كلّ معاني الوجود، وليس له ما يخْسره في المعركة غير السّلاسل التي تقيّده، هكذا يقول فلاسفة التاريخ، وزُمَر المؤرّخين.. وقد رأينا كيف بدأتِ الشعوبُ تأخذ المبادرةَ من تلقاء نفسها تمامًا من دون أيّ تدخُّل أجنبي يبرَّر به عادةً تحركُ الشعوب، ولعلّ ثورة (السترات الصفراء) في [فرنسا] لدليلٌ قاطع، يؤكّد هذا الواقع الذي يقترب..
فالشعوب لا تثور بسبب فرضيةٍ علميةٍ، أو حقيقة فيزيائية، أو اكتشافات كيماوية؛ فما رأينا حربًا تنشب بسبب جاذبية (نيوتن)، أو المنحنى الفضائي عند (آينشتاين)، أو بسبب ثبات سرعة الضوء عند (ميكيلسون)؛ بلِ الحروب نشبتْ، وستنشب دومًا بسبب الخبز والماء كمادة حيوية، ولأجل ذلك ترى شعوبًا تجتاح أخرى بهدف الاستيلاء على مصادر هذه المواد التي بدونها تنتفي الحياة، وكذلك هو الشأن بالنسبة لشعب فقد الخبزَ في بلده.. هذه حقيقةٌ يجب أن يعيها السياسيون الجهلَة؛ فالحروب القادمة ستكون طاحنةً، ومدمّرة بين الأغنياء والفقراء؛ بيْن الذين يملكون والذين لا يملكون؛ وسيكون النّصر فيها للفقراء لكثرة أعدادهم، ثم يدخلون في حرب في ما بينهم، ليتمّ تصنيفُهم بين سادة وعبيد؛ إلى حكّام ومحكومين، وستكون القوّة العقلية أو العَضَلية هي الفارق بين سيّد وعبْد؛ ثم تشكّل دولٌ جديدةٌ، بحدود جديدة، وقوانين جديدة، فيخلق عالمٌ جديدٌ؛ ثم [لله في خلقه شؤون] هذه حقيقة ثابتة؛ ولكن لحسن حظّي لن أكون حاضرًا وقْتها وشكرًا لله!
كانت [فرنسا] هي مصدر الحروب الصليبية، وأستاذة في استعمار الشعوب، وسرقة خيراتها، والمتحكّمة في مقدّراتها وما تزال على ذلك الحال إلى يومنا هذا؛ ولكن بطرق شتى.. في القرن (11) كان الفلاّحون في [فرنسا] يعيشون عيشةً مذلّة، ومنحطّة، حيث شيّدوا لأنفسهم أكواخًا قذِرة من جذوع الأشجار، وكان الفلاّح يخدم سيّده الإقطاعي فيسمّى (القَنّ)، وكل ما يزرعه ويحصده يدخل مخازنَ سيّدِه، وتزايد عدد السكان، وتراجعت مساحات الأراضي الزراعية، فكانتِ الحياةُ شاقة، وفرضت الدولةُ زيادات في الضرائب، وسنّتْ سياسة التقشُّف، وتشدّدتْ في الجباية، وألغتْ منْح الأراضي، وصادرت أملاكَ الناس، فكان الفرنسيُ يفضّل الموتَ، إذِ الموتُ أحبُّ إليه من حياة الجوع، والعبودية؛ فبدأت دولة الإقطاع الفرنسية تبحث عن حلول لأوضاعها المزرية؛ فكان الحلُّ عند البابا [أورْبان الثاني] فما هو الحلُّ يا ترى لتفادي أنهار الدماء بين فقراء وإقطاعيي [فرنسا] المتوحّشة؟
اجتمعتْ حكومة الإقطاع الفرنسية في جلسة مغلقة مع البابا (أورْبان الثاني) فسألوه: [ما هو الحلُّ الذي تقترحه أيها الأبُ المبجَّل؟] فأجاب الأبُ المبجَّل: [الحلُّ هو أن ندفع بهذه الحُثالة إلى مزبلة الشرق، بعد أن نُصْبِغَ العمليةَ بصبغة دينية مقْنعة، ونقول لهم إنّ الرّب والسيد يدعوكم إلى تطهير بيته في القدس من الكفّار المسلمين]؛ فأعجبتْهم الفكرةُ.. وفي (28 نونبر 1095) ألقى خطابًا تاريخيا في منطقة (كليرمون) جنوبي فرنسا، حتى لإنّ تأثيره تعدّى الحدودَ الفرنسية.. قال: [إنّ الرّبَ والسّيد قد خاطبني، وطلب منّي أن أبشّرَكم بحياة رغيدة لمن استطال العمرُ به، ومن مات منكم فله الخلاص، والحياة الأبدية.] فعلاَ التهليلُ الشديدُ، لأنّ البابا كان يخاطبه الربُّ مباشرةً، حسب اعتقاد السُّذج الجياع.. فبدأتِ الهجرةُ في غير نظام إلى الشرق، وبدأ القتلُ في الطريق، والنهب، والسرقة.. وحتى خلال الحملات الاستعمارية الفرنسية لشعوب إفريقيا، ترى أنّ [فرنسا] التي تزدري الدّين، توظّف ما أسمتْه (les missionnaires) وهم الرهبان والراهبات، مع بناء الكنائس.. انضمّتْ إلى الحملات الصّليبية بلدان أوربّية أخرى، والذي أغراها بالمشاركة هو معرفتُها بما يعرفه الشرقُ من تفكُّكٍ واضطراب.. كان العالم الإسلامي يعاني من الانقسامات السياسية، والمذهبية الدينية، وقد رأى كلّ طرف في مجيء الصليبيين ما يحقّق أهدافَه في القضاء على خصمه، وهو ما مهّد للصّليبيين دخولَ بلاد الشام، واحتلال بيت المقدس، والقسم الساحلي بكامله.. ولم تحلّ سنة (1096) إلاّ وكانت دولة السلاجقة قد انقسمتْ إلى خمس دول وهي: [سلاجقة إيران.. سلاجقة خُراسان.. سلاجقة الشّام.. سلْطنة حلَب.. سلْطنة دمشق.. سلطنة سلاجقة الرّوم.] وهي أرض سُمِّيتْ بهذا الاسم لأنّه كان فيها الرّوم..
بقلم/ فارس محمد
|
|
|
[email protected]
التعليق يجب أن يناقش موضوع المادة
|
|
|