|
|
ما يحدث في فرنسا فيه الدّرسُ والعبرة لحكومتنا
أضيف في 20 دجنبر 2018 الساعة 35 : 16
ما يحدث في فرنسا فيه الدّرسُ والعبرة لحكومتنا
قال فيلسوف الوجودية [جان بول سارتر] في سنة (1968)، حيث كانت (فرنسا) مشتعلة شوارعُها؛ قال وهو يقف على برميل وسط الشارع وبيده بوق: [إنّ العنف في بعض الأحيان، يكون أنجع وسيلة، وأقصر الطرق للوصول إلى الهدف المنشود في (إمبراطورية نابليون الثالث)]، وكان يعني (فرنسا).. ثم أضاف: [إذا واجهتِ الدولةُ عنْف الشعب، بعنف أشدّ، فإنّ الدولةَ ستكون هي الخاسر الأكبر، لأنّ الشعوب لا تُقهَر كما قال (جان جاك روسو)]؛ فوافقه الرأيَ [ماركيوز] فيلسوفُ العصر، من أحد شوارع (نيويورك المشتعلة).. فالعنف الذي عرفته [فرنسا] سنة (1968) كان عنفًا طُلاّبيا، وفي (28 أبريل 1969) صرّح [ديغول] قائلا: [ستنتهي مهمّتي كرئيس للجمهورية اليوم، في تمام الساعة (12) زوالاً؛ Je m en vais!].. كان [ديغول] رجُلا حرّا؛ ولكنّ [ماكرون] رئيسٌ عميل للّيبرالية المتوحّشة، وخادِم [روتشيلد] المفترِسة، وهي التي أوصلتْه إلى قصر (الإليزي)، وقد دعّمتْه مؤسّسة [روتشيلد] الحاكمة لفرنسا..
يقول [ماركيوز] صاحب [الإنسان ذو البعد الواحد]: [إنها لدعارة من جانبٍ في هذا المجتمع، أن يعْرض بوقاحة سافرة كمّية كبيرة جدّا من السلع، بينما ضحاياه أنفسُهم محرومون من أبسط الحاجات الضرورية، أو يصاب بالتّخمة، وتغصّ صناديقُ القمامة فيه بالنفايات، ويدمِّر أو يسمِّم السلع الغذائية، بينما يوجد هناك الملايين من المعدمين الذين يعانون الجوع، وسوء التغذية؛ إنّ مجتمع الوفرة مجتمعٌ عاهِر، وابتساماتُ سيّاسييه وخطبائه؛ كما أنه عاهِر أيضا في صلواته، ولا مبالاته، وفي رعايته لمثقفيه، وحكْمتهم الزائفة.].. لو دقّقْتَ النظر جيّدا فيما قاله [ماركيوز]، لألفيتَه يتحدّث عن (فرنسا)، وكذلك (المغرب)، الذي يمارس القِردية، حيث ترى على شاشة تلفزة الكذب والتضليل، ابتسامات سياسييه، وحكمة برلمانييه الزائفة، وهم يتحدثون عن التنمية، وعن التشغيل، وعن الموسم الفلاحي الجيد، وترى صورًا بالألوان لخضَر، ولحوم، لا وجودَ لها في الواقع، وتسمع في الشارع شكاوى مواطنين أرهقتهم الاقتطاعات من الأجور، وانهارت قوتُهم الشرائية، فيما آخرون يرفُلون في نعيم مغرب الخيرات، والوفرة، والرّواتب العالية..
يقول [سارتَر] وهو واقف فوق برميل فارغ في الشارع: [هذه الإمبراطورية، لا تعرف الحوار؛ فالحوار عندها مجرّد خدعة؛ فعنفٌ مركَّز، ومتحكمٌ فيه، وموجَّه وجهةً صحيحة، لهو أنجع من (une pluie torrentielle) من (les blablablas) قد تدوم سنين طويلة بلا فائدة؛ فمتى حلّتْ (فرنسا) مشاكلَها بالحوار؟ فيوم دخلتِ الحوار مع (ألمانيا)، سلّمتْ (باريس) وشوارعها مفروشة بالورود للنازي (هتلر)؛ فلا يخدعونكم بالحوار الكاذب، بل المضلّل؛ وامكُثوا في الشارع حتى يستجابَ لمطالبكم]. وهذا بالضبط ما فعله أصحابُ السترات الصفراء؛ وهذا ما يخدعوننا به في المغرب، وهم يتحدّثون عن الحوار الاجتماعي الذي لا وجودَ له إلاّ في أذهانهم، ويضلّلون به نقابات فاشلة وغير حازمة؛ وبعد حين قد تجد موظّفين، وعمّالا مغاربة يبيعون أثاثهم في سوق (الدّلالة) أو يمدّون أيديَهم للتسول في الشوارع، كما قد تجد متقاعدين أخلوا مساكنهم بسبب عجْزهم عن دفْع مبالغ الإيجار التي ترتفع كل ثلاث سنوات، دون أن يُزاد في تعويضاتهم الشهرية؛ ونحن بعد سنين قليلة، سنفاجأ بطبقة أخرى من الفقراء، مكوّنة من موظّفين، وعمّال، ومتقاعدين، ومع ذلك نسمع الكذّابين يتحدّثون عن التنمية المستدامة، وتلكم نتائجُ سياسة (فرنسا) في [المغرب]؛ ثم وداعا أيّها الاستقرار الاجتماعي، وتلكم حِكمة السّياسيين الزائفة في هذا البلد..
ويتساءل أصحاب السترات الصفراء عن مصير الضرائب، وأين يتمّ استخدامُها؟ ويطالبون بتنظيم مؤتمر وطني اجتماعي، ومناقشات إقليمية حوْل الأراضي؛ كما يطالبون باستفتاءات إقليمية بشكل منتظمٍ، حوْل المسائل الاجتماعية والمجتمعية في البلاد، واعتماد التمثيل النسبي في الانتخابات التشريعية، من أجل تمثيل برلماني أفضل للسكان.. وهذه كلّها مطالب مشروعة، وهي من حق الشعب، وإنْ كانت لا تخدم مصلحة اللصوص، والناهمين؛ لكنّ رضا العامّة، يهون معه سَخَطُ الخاصّة.. فنحن في المغرب من حقّنا اعتمادُ مثْل هذه المطالب، ومن حقنا أن نسأل عن ملايير حصدها اللّيبراليون المتوحّشون من الزيادات في أسعار المحروقات، وعن تهرُّب البرجوازيين من دفْع الضرائب، وعن الأرباح المجنية من الأسماك، والخضر، وغيْرها من الصادرات؛ وعن الفوائد المحصَّل عليها من مصانع تركيب السيارات، وتصنيع قِطَع غيار الطيارات، وعن مبالغ باهظة تُنفَق في كذا مهرجان، من مهرجانات التفاهة، وغيْرها من المشاريع الحَمْقى، حيث تبذّر الملاييرُ دون مساءلة أو محاسبة.. كلّ هذه الأسئلة، هي من حقّ الشعب أن يطرحَها دون وسيط، ولقد كان أصحابُ السترات الصفراء أذكياء عندما استبعدوا الأحزاب، والنقابات من نشاطهم، وعلينا أن نحذُوَ حَذْوهم، وقد اكْتوينا بنيران الأحزاب، والبرلمان، والجمعيات المنافقة..
بقلم/ فارس محمد
|
|
|
[email protected]
التعليق يجب أن يناقش موضوع المادة
|
|
|