اللغة العـربية وجائزة تحدي التفاهة
نحن في حاجة إلى جوائز علمية رفيعة المستوى، من نوع "نوبل"، تشرف وتشكل قفزة نوعية للبشرية جمعاء، وليس كهذه التي تقترح علينا دولة الإمارات مثل "تحدي القراءة العربي"، يجب أن تكون القراءة من المسلمات والبديهيات وإلا وجب كذلك منح جوائز في "الركوب على الدراجات الهوائية"، "أكـبر طبق كـسكسي" أو "مسابقة الحلزون ببيض السمان"، يمكن اعتبار هذه الجائزة اعتراف ضمني لتخلف الدول العربية وشمال إفريقيا، والطامة الكبرى هي أن تلميذة لا يفوق سنها 9 سنوات تجيد اللغة العربية لغويا وتركيبا، أحسن من أي وزير حكومة العثماني الحالية وبعض المسؤولين الكبار، وما فتئوا يتراطنون في ما بينهم، "كما تراطن في حافاتها الروم".
يجب طرح هذا السؤال، لماذا مهجورة اللغة العربية من ذويها؟ حتى منشطين البرنامج والصحفيين الذين أجروا مقابلة مع هذه التلميذة قاموا بخلط عامياتهم، لامن لبنانية، سورية، خليجية باللغة العربية، يعني في عقر دارها واللغة العربية هجينة ومرفوضة، ونحن الذين نتواجد فى شمال إفريقيا تريد هذه الحكومة أن تفرضها على جل المغاربة والمغربيات، متذرعة بالدستور، وإن لم يكن هذا الدستور إلا مجموعة من البنود التي يمكن تعديلها، تعويضها أو التشطيب عليها بكل بساطة، سبب فشل التعريب، قصور اللغة العربية هي أنها ليست واردة، لا في مجال التواصل، التخاطب، التعايش، الأحلام، ولا فى الحياة اليومية، اللغة هي "بيت الوجود" كيف ورد على لسان المفكر الألماني مارتن هيدجر، ومع الأسف اللغة العربية هي "خارج البيت"، يعني متشردة، يتيمة ومشلولة، وبالإضافة اللغة العربية لغة معقدة وغير جاهزة ولا مؤهلة لمواكبة التكنولجيا الحديثة، لأنها محنطة ولا لديها قابلية للتغيير والتطوير، ولا يمكن أن تحيى ونفخ الروح فيها من جديد إلا عن طريق اللغة المغربية، ليس العكس! موجز من تعقيدها وإثقال كاهل المتلقي: "فعل، فعّل، فاعل، أفعل، تفعّل، تفاعل، انفعل، افتعل، افعلّ، استفعل، افعالّ، افعوعل، افعوّل، افعنلل، افعنلى".
لذا يجب تبني اللغات الحية الإثنين لا ثالثة لهما قصد التمدرس في المستقبل القريب بغية الرفع من شأن الإبتكار، الإبداع، الثروة، رفع معنويات الذات، التراث والحضارة المحلية، واللغات الحية الإثنين هما اللغة المغربية واللغة الأمازيغية، اللغة الأمازيغية لغة مغربية كذلك ولكن لها امتداد، بعد إقليمي، بالنسبة للغة المغربية فهي لغة انصهار، تمازج بين العربية والأمازيغية، لامن ناحية الفونولوجيا، المرفولوجيا، الأصوات الوظيفية، علوم النحو أو التركيب، اللغة المغربية قائمة الذات وليست في حاجة لمن يدافع عنها، لأنها ضاربة في الوجدان ومحمية من ذويها، إذ يتواصلون في ما بينهم يوميا بها، كيف حافظوا أصهارنا، إخواننا وأقاربنا على اللغة الأمازيغية، رغم جميع محاولات الطمس، التهميش والإقصاء.
نحن، وأقصد جميع المتطوعين، الغيورين على لغاتهم الحية الإثنين، لا نتملق ولا نتسول لأحد من أجل لقمة عيش، سفريات، امتيازات أو إتاوات وعملنا هذا بدون أي مقابل، حيث نرفض المذلة والحقارة، هدفنا هو تسخير جميع الموارد البشرية وإشراك جميع أطياف المجتمع المغربي، ولا نريد أن نعتمد على نخبة متكبرة، انتهازية، متعجرفة تحقر الشعب، وتحقر لغته، أمثاله، مسرحياته، قصائده، أغانيه، أهازيجه، رقصاته، طقوسه، عاداته، تاريخه، أطعمته، لا من بغرير، تريد، بابـّـوش، بطبوط، طنجية، طاجين إلخ، لذا وظيفة، مكان اللغة العربية الطبيعي هو المسجد والشعـر، يعني لغة دين وفـنون.
في حالة إذا اختاروا دعاة التعريب المطلق على حساب اللغة المغربية من القرآن ذريعة، وتوهموا أن هذه حجة لهم، ولكن بالعكس هي حجة عليهم، فهذا الدليل سوف لا يفيدهم في شيئ، لأن في أول الأمر العقيدة ليس لها أي علاقة باللغة، السنغالي، التركي أو المليزي المسلم المنضبط والمتدين الخشوع ليس أقل عقيدة من الجزائري، المصري أو المغربي.
بالفعل حصل الشرف للغة العربية لما نزل القرآن بلسانها، ولو حروف اللغة العربية هم حروف آرامية في الأصل، لغة عيسى، لذا لا يحق تقديس اللغة، لأنها أداة من الآدوات الكونية فقط وكان اختيارها وليد صدفة ربانية، علاوة عن هذا لا نعرف لغة الخالق، والله هو وحده أعلم. وحتى بعض الآيات القرآنية تثمن هذا الطرح، سورة السبا، آية 28: "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون"، وبالفعل "لا يعلمون".
اللغة العربية أداة فقط وسبيقة القرآن، إلا وكانت مقدسة حتى في السابق، حين كان العرب في عصر الجاهلية يعبدون الأوثان ويقومون بوأد البنات إذا لم ينجبن لهم أزواجهم أبناء، مع العلم أن الرجل هو صاحب الكلمة الأخيرة حسب المعلومات الطبية التي نتوفر عليها اليوم. ومن احتكر حقل المقدسات السالفة الذكر لأغراضه، كانت شخصية أو سياسية، أو قصد إرضاء موكـليه، فلكان خطابه فاشلا بالإدعاء بامتلاك الحقيقة الوحيدة.
وللحديث بقية!
د. مراد علمي
* أستاذ جامعي وكـاتـب