|
|
تقارير دون جدوى...
أضيف في 31 غشت 2018 الساعة 04 : 23
تقارير دون جدوى...
من تطلع مليا وبعمق إلى التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات حول سير مؤسسات وقطاعات حكومية تعتمد في رصيدها المالي على المال العمومي الذي يضخه لها دافعو الضرائب أو تغدق به الدولة عليها بمختلف الأشكال، أدرك العديد من الخلاصات، لكنه وجد نفسه أمام ثلاث خلاصات هامة، أولاها استمرار الفساد في كل المؤسسات ومن طرف غالبية المسؤولين، على الرغم من غزارة التقارير السابقة التي أنجزها قضاة ادريس جطو منذ تأسيس المجلس الأعلى للحسابات، استمرارا بكل الأشكال التي تنم إما عن قصد وإصرار المفسدين في استشراء هذا الفساد، وإما عن جهل قوانين ومساطر الحكامة الجيدة التي تقف في وجه كل فساد ممكن، بل في وجه كل مفسد عابث بالمسؤولية، كيفما كان وضعه ومكانته، فتؤدي بالتالي إلى فشل النظام الإداري على كل الأصعدة، بدءًا بانعدام حسن التسيير والتدبير الإداريين وضعف الموارد البشرية وعدم تأهيلها وانتهاءً عند اختلال طرق صرف الاعتمادات المالية التي يغلفها التلاعب، وهو الاختلال الذي يعتبر أساس الفساد الذي أحدث من أجله المجلس الأعلى للحسابات بهدف رصده أولا، ثم الحد منه ثانيا، عبر العديد من الآليات، أهمها المحاسبة الحقيقية للمتسببين في هذا الفساد تفعيلا لأهم بنود دستور 2011، الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة.
أما الخلاصة الثانية الهامة التي أمكن الوقوف عليها من التقرير الأخير لقضاة جطو فتحيل إلى عدَميّة الجدوى (إلى حد الآن) من مجمل هذه التقارير الغزيرة الراصدة لمكامن الفساد والمفسدين في المؤسسات والقطاعات الحكومية، وإلا ما معنى أن نرصد الاختلالات الكبرى في قطاعات صَغُرَ أو كبُر شأنها من دون أن نجد بدائل لوقف نزيف الفساد المستشري فيها (القطاعات).. وما معنى أن نرصد اسم ومنصب ومهمة من يقف وراء هذه الاختلالات، لكن من دون أن نكلف أنفسنا عناء تقديمه للمحاسبة، بغض النظر عن مرتبته الاجتماعية وقيمته الاعتبارية على رأس المسؤولية، سواء أكان وزيرا أو عَيْنًا من الأعيان أو مديرا أو رئيسا وما إلى ذلك.. وكيف نفهم أن المسؤولين الذين طالتهم المحاسبة في إطار ربطها بالمسؤولية انحصرت أسماؤهم على مجموعة من الوزراء والمسؤولين في من ثبتت مسؤولية تقصيرهم في مشاريع منطقة الريف وكانت وراء حراك هذه المنطقة بشكل أو بآخر، في حين إن القطاعات التي تم ضبط التقصير فيها من طرف المجلس الأعلى للحسابات منذ تأسيسه إلى اليوم ظلت فيها المحاسبة الحقيقية مغيبة أوغير ظاهرة للعيان.
ما يفهم من استمرار الفساد الإداري والمالي المقرون بالتلاعب بالمسؤولية يحيل إلى خلاصة ثالثة هي النية المبيتة للمفسدين في غالبية القطاعات بهدف جعل المغرب في شلل تام وفي مكانته التي هو عليها، لا يتقدم، بل يتخلف وينهار، على الرغم من الجهود التي تم بذلها خلال العقدين الأخيرين في مجالات التنمية الموزعة ما بين الاقتصادية والاجتماعية، المبنية على الاهتمام بكافة حقوق الإنسان كحقه في الصحة والتعليم والسكن والشغل، والمبنية أيضا على الانفتاح الاقتصادي وتنويع آليات انتعاشه عبر العديد من المخططات والاستراتيجيات التي تجعل من المغرب منصة حقيقية لجذب الاستثمارات مختلفة النوع والقيمة ومحطة لمناخ أعمال متنوع.
ننتظر أن تكون التقارير التي أصدرها المجلس الأعلى للحسابات حول الفساد المستشري أن تتجاوز حدود رصد مكامن التلاعب بالأموال والمصالح وضبط أسماء المتسببين في هذا الفساد والعاملين على استشرائه واستمراره إلى تفعيل الحدود، أي إلى المحاسبة الحقيقية، بتقديم المتلاعبين إلى القضاء لتعم العبرة ويتوقف النزيف..
بقلم/ عفري محمد
|
|
|
[email protected]
التعليق يجب أن يناقش موضوع المادة
|
|
|