|
|
أيّة فلسفة هذه التي رُدَّ إليها الاعتبار في بلادنا؟
أضيف في 15 غشت 2018 الساعة 17 : 15
أيّة فلسفة هذه التي رُدَّ إليها الاعتبار في بلادنا؟
انتشر الخبرُ، وتداولته الصحفُ، وكلُّ وسائل الإعلام، وكأنّه (الفتحُ المبين) مفادُه أنّ السيد [أمزازي]، وزير التربية الوطنية قد ردَّ الاعتبارَ أخيرا لمادّة (الفلسفة)؛ لكنْ ما طبيعة هذا (الاعتبار) المزعوم؟ لقد قرّر تدريسَها بجميع شُعَب ومسالك الباكلوريا الموسم المقبل؛ ولكنِ السّؤال المطروح هو جودة، ونوعية، وجاذبية دروس الفلسفة التي تدرّس في بلادنا، وهي جزء من تخلُّف قطاع التربية والتعليم؛ وهل هذه التي يسمّونها جزافًا، وقد ألّفوا لها كتبًا هي فعلاً فلسفة؟ الجواب: كلاّ! فلو كانت فلسفةً حقّا وصدقًا، لـمَا نفر منها التلاميذُ، ولما أرعبتهم، بلْ أرهبتهم أسئلتُها في الامتحانات، حيث يمارس التلميذ أمام ورقة الامتحان ما قد نسمّيه: [بضاعتُنا ردَّتْ إلينا]، وقد تجد التلاميذ يحفظون عن ظهر قلب دروسَ (الفلسفة)، كما يحفظون دروس التربية الإسلامية؛ فهل هذه فلسفة يا مَنْ تهلِّلُون لهذا (الفتح المبين)، وهذا الاعتبار الوهمي الذي رُدَّ لدروس سمّوها هم (فلسفة)، فيما هي أبعدُ ما تكون عن الفلسفة، إذ هي نصوص جامدة، وقطعٌ جافّة، وعبارات ميّتة، لا تمتّ بصلة إلى الفلسفة، ثم تفحّصْ مقرّراتِها لتصدمَك الحقيقةُ بشكل مباشر تمامًا، في مجتمع يعتبر الفلسفةَ مؤدّيةً إلى الإلحاد، والكفر، والزّندقة، لجهله بحقيقة الفلسفة الحقّة؟ يقول [بيكون]: [قليل من الفلسفة، يؤدّي إلى الإلحاد]؛ لكنْ ماذا عن فلسفة وُسِمَتْ باسم الفلسفة، وهي ليست كذلك، كما هو الشّأن في بلادنا؟
لن أدخلَ في موضوع (ماهية) الفلسفة، وقد تطوّرتْ عبر العصور، وصارت المعبّر عن عصرها، وقد سُمِّيتْ عند قدماء اليونان: [حبُّ الحِكمة]، حيث اقتصر فلاسفتُهم على دراسة طبيعة الأشياء، وتركوا ما عدا ذلك من ألوان المعرفة، ولـمّا شعروا بقصورهم، وحدود معرفتهم، لم يدعوا لأنفسهم اسم (الحكماء)، ثم جاء [أفلاطون] فوسّع في معناها، وصارت ثلاثة أقسام: (1 نظرية المعرفة (المنطق)؛ (2 الفلسفة الطّبيعية (الفيزياء)؛ (3 فلسفة الأخلاق.. وعندما ندرِّس للتلميذ هذه الأمور، فإنّنا ندرّسه [تاريخَ الفلسفة]، لا الفلسفة التي تجعله ينتج نصّا فلسفيًا؛ وأسئلةُ الامتحان تكون حول تاريخ الفلسفة، وليس أسئلةً تنتج فلسفةً؛ وكيف ينتج التلميذُ نصّا فلسفيا وهو يفتقر إلى الأدوات، والمنهج الفلسفي، واللغة التي تُعتَمد في صياغة النص الفلسفي، لأنّ فاقدَ الشيء، لا يعطيه.. ماذا يفعل تلميذٌ في الشّعَب العلمية بمعرفة فلسفة [زَيْنون، أو بروتوغوراس]؟ ماذا تضيف هذه الفلسفةُ إلى تكوينه؟ الجواب: لا شيء! فالفلسفة في حدّ ذاتها، ليست مادّة؛ بل هي نشاطٌ عقليٌ، وعملية لصقل الذهن، وتنمية لملكات كامنة في الأعماق، وحرّية في طرح الأسئلة الجرّيئة، وشعور باستقلال في الشخصية؛ تلكم أهداف الفلسفة الحقة التي يجب أن تدرَّس في مجتمع لا يسأل؛ بل يستمع، ويحفظ، ويصفّق في الأخير حتى أُصيبتِ الأيدي بالتهاب لكثرة التصفيق طيلة سنوات العمر..
يقول [فيشر]: [الأسئلةُ محرِّكات الفكر.. فلا مجال لوجود تفكير، ولا دراسة هادفة للماضي، ولا أيّ تخطيط جادّ للمستقبل من دون طرْح تساؤلات].. فهل هذه الفلسفة التي تدرَّس الآن، تجعل التلميذَ (إنسانَ الغد)، يطرح أسئلةً؟ فخطأُ الألمان، هو أنهم انساقوا وراء الأصولية النازية، ولم يطرحوا أسئلةً.. ونحن لم نطرحْ أسئلةً، بسبب فراغنا الذّهني، وجمودنا العقلي، حتى استبدّتْ بنا الأصولية الظلامية، فأعادتنا إلى العصور الدّموية الغابرة؛ فلو كانت لنا عقليةٌ فلسفية، ونظرة تحليلية، وجرأةٌ في طرح أسئلة جرّيئة كما تعلِّمنا الفلسفةُ الحقّة، لما استغلّ الظلاميون هذا الفراغ الذّهني، وحشْوه بكل ما أرادوا من خرافات، وأساطير، وأكاذيب، وجرُّونا إلى الخلف، لغياب عقل فلسفي تحليلي؛ فغياب فلسفة تنويرية في مجتمعنا لعدم قدرة مدرستنا على خلق مواطن فيلسوف، هو الأصل في هذا التخلف؛ وكما لقّن الظلاميون المجتمعَ أفكارًا ظلامية، صبغوها بدين كاذب، هو نفسه الأسلوب المتّبع في التدريس، الذي صبغوا به فلسفة زائفة، صبغوها بما يشْبه الفلسفة، حتى لإنّنا لا نعرف على وجه الدقة معاني ألفاظ تُستخدَم، وهي مجرّد (أشباه ألفاظ)، نتوهّم أنها واضحة، وهي ليست كذلك، ونعتمدها في تحليل واقعنا، فتكون حاجزًا بيننا وبين إدراك هذا الواقع المزري؛ إدراكه، فما بالُكَ بتغييره، لغياب فكرٍ فلسفي تحليلي صارم؛ وهذا دور الفلسفة الحقّة..
فارس محمد
|
|
|
[email protected]
التعليق يجب أن يناقش موضوع المادة
|
|
|