|
|
سفينة بربان أحمق! أسلحةٌ ذكيةٌ.. أمْ “احْتِلًالَاتٌ” أذْكَى…؟
أضيف في 03 أبريل 2017 الساعة 27 : 20
سفينة بربان أحمق! أسلحةٌ ذكيةٌ.. أمْ “احْتِلًالَاتٌ” أذْكَى…
أرسل إلي أحد الأصدقاء مشكوراً رابطاً إلكترونيا إلى مقال يروي قصةً واقعيةً منسيةً في التاريخ. بقدر ما هي مثيرة لمشاعر إنسانية قصوى بقدر ما هي غير معروفة، حتى بالنسبة للمهتمين بتاريخ العبودية. تبدأ الحكاية صيف 1761 عندما تحطمتْ سفينة “لوتيل” أي النافعة (رب نافعة ضارة!) التابعة للشركة الفرنسية للهند الشرقية على الحيض المرجاني المحيط بجزيرة “تروملن” على مقربة من مدغشقر، وكانتْ تحملُ على متنها “بضاعة” عبارة عن 160 من العبيد الملغاشيين ابتاعهم قائد السفينة “جون دو لا فارغ” بطريقة غير قانونية اعتماداً على تواطؤ ضباط الإدارة الاستعمارية الفرنسية. توفي أغلبية هؤلاء العبيد في حادث ارتطام السفينة نظرا لتكديسهم في الأسفل كالبضائع وإغلاق الباب عليهم خوفاً من احتمال تمرد أو فرار. وحين انشق المركب نهائيا تمكن بعضهم من النجاة سباحة إلى شاطئ الجزيرة القريب.
خلال الأيام التي تلتْ الحادث، تمكن طاقم السفينة المكون من بحارة فرنسيين، كانوا قد أبحروا عاما قبل ذلك من ميناء “بايون”، من تشييد مركب آخر باستعمال حطام السفينة الأولى. لكن تبين أنه لن يستوعب الجميع. لذا وحدهم الفرنسيون نالوا حق الإبحار على متنه وتركوا الملغاشيين الثمانين ليواجهوا مصيرهم المحتوم على جزيرة تفتقر إلى شروط الحياة.
بعد 15 سنة، قدمت سفينة “لادوفين” إلى جزيرة أولئك التعساء، حيث وجد طاقمها سبع نساء، واحدة منهن تحمل رضيعا. هذا كان كل ما تبقى من “البضاعة الأصلية”.
الغريب في الأمر أن المهندسين المتعاقبين منذ خمسينات القرن العشرين على محطة الطقس التي أقامتها السلطات الفرنسية على جزيرة “تروملن” لم يذكروا شيئا عن الأمر الذي ظل لغزاً حتى أتى “ماكس غيرو”، ضابط البحرية الفرنسي السابق الذي تحول إلى صائد للسفن الغارقة واستكشف، ما بين سنتي 2006 و2013، الشاطئ ووثائق الحقبة المعنية. لم يكن من السهل إقناع السلطات بالبحث في شريط صغير من الرمال يحيط به البحر من كل جانب، لا يصل إليه إلا سلاح الجو، ومعرض باستمرار للأعاصير… وقد يكون الدافع الحقيقي وراء التحفظ الرسمي على عمليات التنقيب هو الكشف عن تاريخ مقيت وهمجي لدولة تدعي تصدير الحضارة.
المهم أن الأبحاث خلصتْ، من جهة، إلى بقاء الناجين على قيد الحياة بفضل اعتمادهم على معرفتهم المتوارثة في التعامل مع الطبيعة وعلى تأسيس مجتمع بشري مصغر بكامل قواعده وآلياته سواء في التعمير أو إشباع الحاجيات الإنسانية الأساسية، بل حتى الحاجيات الروحية والجمالية للنفس البشرية. من جهة أخرى، أكدت الأبحاث ما نعرفه عن الوجه المظلم لما يدعى “حضارة” الرجل الأبيض، وعن مأساة العبيد سواء حين يموتون أثناء “النقل” أو يصلون إلى وجهة تجارهم “سالمين”.
عبثاً يحاول تجار العبيد والثروات الطبيعية تبييض الوجه البشع “للحضارة”. عبثاً يحاولون إيهامنا أن زمن العبودية ولى، وأن الاحتلال حكاية من الماضي، وأن الاستغلال انتهى منذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكل تلك الترهات. فللأرض تاريخ لا يكذب، وفي الحاضر تستمر العبودية والإبادة والاتجار في البشر، في عقولهم وأبدانهم بشكل أبشع لأنه أذكى.
وإن لم تصدقوا فاسألوا الصواريخ الذكية التي تتساقط على المدنيين كطير أبابيل، اسألوا سيدنا عيسى وجلجامش وزنوبيا وملكة سبأ عما تبقى من حضاراتهم التي دك عمرانَها الاحتلالُ “الذكي” وآلياته الجهنمية دكاً وحولوا بشرها إلى أشلاء أو متشردين في الأرض أو أحياء أموات… يقولون هي أسلحة ذكية وطائرات بلا ربان ويا ليلتها كانت كذلك! الربان موجود لكنه جبان وأحمق!
د. زكية حادوش
|
|
|
[email protected]
التعليق يجب أن يناقش موضوع المادة
|
|
|