شكل الموقف الغربي الداعم لإسرائيل في مواجهة المطلب الشكلي الفلسطيني الموجه إلى الأمم المتحدة دليلا إضافيا على درجة عالية من النفاق الدولي الذي يحيط بقضية فلسطين منذ عام 1948.
الاعتراف بدولة افتراضية في الأمم المتحدة يتخذ بالأصل صفة معنوية وسياسية تحصن الموقع الفلسطيني على الصعيد الدبلوماسي في مواجهة إسرائيل ، الدولة الغاصبة المحمية منذ قيامها بالفيتو الأميركي ، لدرجة تعطيل جميع قرارات الشرعية الدولية بحقها ، ومنع أي تحقيق دولي جدي في جرائم الإبادة التي نفذتها ضد الفلسطينيين .
تلك الحماية الأميركية والأوروبية منعت منذ عقود أي نقاش جدي في الأمم المتحدة حول التمييز العنصري الذي يلقاه الفلسطينيون على أرض وطنهم من آخر "دولة" في العالم تمثل احتلالا استيطانيا يقوم على الفصل العنصري والتمييز ضد السكان الأصليين بعد تحرر جنوب أفريقيا ، فقد بنى ما يسمى بالمجتمع الدولي اعترافه بإسرائيل ودعمه لها بلا حدود على تكريس ما فرضته العصابات الصهيونية بمؤازرة الاحتلال البريطاني من عمليات اقتلاع و تهجير وإبادة لصالح تثبيت الواقع الاستعماري العنصري ضد شعب برمته.
يستطيع الغرب أن يفاخر بإنجازه الثمين الذي تحقق على مدار السنين من خلال ترويض القيادات السياسية الفلسطينية والحكومات العربية ، بفرض التعامل مع قضية فلسطين بصورة ممسوخة ، تنطلق من الإقرار بوجود إسرائيل ، وتفترض أن أرض فلسطين محصورة بالضفة والقطاع الذين احتلا عام 1967 ، بينما هذه الأرض نفسها يشاء المشروع الصهيوني بعد 40 عاما من احتلالها إلى مسخها مرة أخرى عبر قضم الضفة الغربية المحتلة الجاري ابتلاعها ، وفي قلبها القدس ، في عملية تهويد شاملة يراد تكريسها ، بعدما اضطرت إسرائيل وعلى الرغم من الدعم الدولي والعربي لها ، إلى الهروب من قطاع غزة تحت وطأة المقاومة الشعبية والعسكرية.
التعامل الأميركي والأوروبي مع قضية فلسطين يكشف مرة جديدة أن مهمة هذه الدول الاستعمارية ، هي تكريس هيمنة إسرائيل وتصفية قضية فلسطين ، ورفض السماح بأي خطوة ولو معنوية ، يمكن أن تعتبر هزيمة للمشروع الإسرائيلي الذي يتجسد اليوم بفرض إسرائيل الدولة اليهودية المهيمنة على الشرق العربي.
تحدث نيكولا ساركوزي في الأمم المتحدة عن الدور الأوروبي الذي لم يظهر يوما إلا بوصفه التابع الذليل للسياسة الأميركية منذ شارل ديغول، و ساركوزي المنافق والدجال ،يعرف جيدا أن دولة اسمها سورية يتآمر عليها اليوم لمصلحة إسرائيل ، لم تفوت فرصة لدعوة أوروبا إلى لعب دور مستقل عن سياسة الهيمنة الأميركية ، وعن مبدأ الانحياز الأعمى لإسرائيل ، وهو يعرف أيضا مثل جميع الدجالين من حكام أوروبا الغربية ،أن إسرائيل ترتكب في كل يوم مئات الجرائم ضد الإنسانية وتفرض الفصل العنصري على السكان الأصليين في الأرض المحتلة عام 48 ، وهي المسؤولة عن تشريد ملايين الفلسطينيين في الشتات ، ومنعهم من كممارسة العودة إلى وطنهم ، وهي تحتل أرضا لبنانية وسورية تنهب خيراتها المائية خصوصا ، وتشن اعتداءات منتظمة على السيادة اللبنانية ، وجميع حكام أوروبا الغربية يأتمرون بالقرار الأميركي الذي يمسكه اللوبي الصهيوني بإحكام والقاضي بحماية الغاصب والمجرم والمحتل.
كانت المهزلة التي شهدتها نيويورك من نوع المأساة - الملهاة عندما تحدث ساركوزي عن الدور الأوروبي وهو لم يجرؤ مرة واحدة على عصيان المشيئة الإسرائيلية والكوميديا السوداء المستمرة في مواقف اللجنة الرباعية الدولية وفي ما يمسى عملية التسوية والمفاوضات التي انزلق إليها القادة الفلسطينيون منذ اتفاقية أوسلو لا تزيد الفلسطينيين إلا اقتناعا بأن المقاومة وحدها طريقهم لنيل الحقوق ولفرض الاعتراف الدولي بها.
الغرب المنشغل بكيفية حماية إسرائيل قبل الهروب الأميركي من العراق ، وبتقاسم السيطرة على النفط والمياه في البلاد العربية ، يعمل ليل نهار في التآمر على قلعة المقاومة الداعمة للفلسطينيين التي تمثلها سورية وهو يقدم الدليل تلو الدليل على أن ما يسمى بالمجتمع الدولي لا يعترف بغير منطق القوة وأن كل ما يسمى بالقانون الدولي ليس إلا كذبة خادعة.
غالب قنديل
أخبار الشرق الجديد