محاكمة مايزيد عن 100 يوم من عمر حكومة بنكيران
أولا لنترك الأرقام التالية تعبر عن نفسها:
107 مقاعد لحزب العدالة والتنمية في انتخابات مجلس النواب، أي 27 في المائة من مجموع المقاعد النيابية.
أكثر من مليون و200 ألف صوتوا لصالح حزب العدالة والتنمية.
82 في المائة من المغاربة منحوا ثقتهم لعبد الإله بنكيران بعد تكليفه بتشكيل الحكومة، حسب استطلاع للرأي أنجزته مجلة «أكتيال» في الأسبوع الأول من شهر دجنبر 2011.
88 في المائة من المغاربة منحوا ثقتهم لعبد الإله بنكيران بعد تشكيل الحكومة، خلال استطلاع للرأي أنجزته يومية «ليكونوميست» يوم 20 يناير 2012.
باعتزاز عبر عبد الإله بنكيران خلال حفل استقبال النواب البرلمانيين الجدد لحزبه بالرباط، عن سروره بحصوله على ثقة 82 في المائة من المغاربة، معتبرا أنه لم يسبق لوزير أول أن حصل عليها في وقت سابق، فكان الرد من زميلته في الحكومة بسيمة حقاوي «لاتغتر فقد يكون الاستطلاع مخدوما لغير صالحك».
وبين تاريخ صدور هذا الاستطلاع للرأي العام، أياما قليلة بعد تعيينه رئيسا للحكومة (29 نونبر 2011)، وبين الأسبوع الذي نودعه، مرت 100 يوم، ومازال عبد الإله بنكيران لم يراوح مكانه في معالجة عدد من الملفات، والمشجب الجاهز عنده هو حالة «الاحتجاجات التي يعرفها المغرب في جميع القطاعات»، وهو ما طرحه خلال المجلس الحكومي الأخير يوم 16 فبراير بالقول «أن دولة الحق والقانون فوق أي ضغط أو منطق للي الذراع»، وذلك في إشارة واضحة لموجة الاحتجاجات التي يعرفها. إذ ما أن وصل بنكيران لمقر حزبه بزنقة الليمون بالعاصمة الإدارية قادما من ميدلت وهو جد مسرور بلقاء الملك محمد السادس يوم 29 نونبر 2011، حتى استقبله عدد من المعطلين بالشعارات المطالبة بالحق في الشغل، لتنتقل ساحة الاحتجاجات من أمام مقر مجلس النواب إلى قبالة مقر حزب العدالة والتنمية الذي كان يعرف حالة استنفار أمني لم تمنع بعض المعطلين من اقتحام سطحه، ليستمر هذا «الفآل» الأسود طيلة الأسابيع التي جرت فيها مشاورات تشكيل الحكومة. وبصعوبة بالغة وبتغطية من سلطات الأمن العمومي والخاص اقتحمت سيارة عباس الفاسي الأمين العام لحزب الاستقلال جموع المعطلين المحتجين. ولم تقتصر الاحتجاجات على مدينة الرباط وحدها أو المعطلين وحدهم بل امتدت لمدن أخرى وشملت فئات اجتماعية أخرى. لتسير بشكل تصاعدي خصوصا بعد تعيين الحكومة يوم 3 يناير 2012، حيث كانت شعارات التنديد بضرب مبدأ المناصفة تصل آصداؤها لداخل مجلس النواب بينما كان بنكيران يقدم تصريحه الحكومي (19 يناير 2012)، وفي الوقت ذاته كانت العشرات من النائبات البرلمانيات يرفعن لافتات منددة بتهميش دور المرأة في الحكومة، وعلى إيقاع نفس الاحتجاجات كان أعضاء حكومة بنكيران يتبادلون السلط بين زملائهم الوزراء المنتهية ولايتهم، بل وعوض تخصيص استقبال يليق بوزراء حصلوا على حوالي ثلث أصوات الناخبين كانوا يلجآون للمناورة من أجل تفادي مواجهة المحتجين الذين كانوا يسبقونهم لمقرات الوزارات ويقتحمون أسطحها (وزارات التربية الوطنية، الشؤون الاجتماعية، التشغيل..)، حيث أضرم بعض المعطلين النار في أجسادهم راح أحدهم ضحية لذلك (عبد الوهاب زيدون، 18 يناير، أي ساعات قبل تقديم بنكيران لتصريحه الحكومي). لتكبر كرة الثلج من طنجة إلى العيون قطاعيا وفئويا وجغرافيا، شهدت أوجها في أحداث تازة وبني ملال والجديدة.. وغيرها من المدن، وهو ما عبر عنه مصطفى الرميد وزير العدل والحريات بأنها «انزلاقات بعد تراجع الاحتجاجات السلمية لفائدة الاحتجاجات العنفية»، بل لم يتورع بنكيران في تحميل جهات سياسية مسؤولية ما يقع وبشكل مباشر جماعة العدل والإحسان محذرا إياها بعدم اللعب بالنار (الشرق الأوسط، 9 فبراير)، في حين خاطب المعارضة البرلمانية «اتركونا نعمل».
من خلال موجة الاحتجاجات التي لايكاد يمر دون تسجيل حالة أو أكثر هنا أو هناك، تطرح عدد من الأسئلة:
كيف يمكن تفسير كل هذه الاحتجاجات في وجه حكومة يترأسها أمين عام حزب أقام الدنيا دون أن يقعدها فرحا وسرورا بفوزه التاريخي؟ وحكومة قرابة نصف عددها من العدالة والتنمية؟ هل يعقل أن تواجه حزب في الحكومة حصل على قرابة ثلثي المقاعد بكل هذه الموجة من الاحتجاجات؟ هل كان هناك نفخ في نتائج الانتخابات التشريعية لصالح حزب «المصباح»؟ ألم يكن من المنطقي أن تسود حالة من الفرح العارم بعد كشف نتائج انتخابات 25 نونبر؟ وأن تقام الأعراس والأفراح بالمقر المركزي للحزب وباقي المقرات المحلية في تازة وطنجة والعيون والداخلة والدار البيضاء عوض أن تعرف هذه المدن موجة احتجاجات غير مسبوقة؟
«الوطن الآن» قامت برصد لأهم بؤر التوتر التي تأججت منذ تعيين بنكيران رئيسا للحكومة، وهي حصيلة -رغم أن المدة لم تتجاوز 100 يوم- تبرز إلى أي حد أن ولاية الحكومة الحالية قد تكون صعبة ما لم تبتكر آليات تساعد على امتصاص الاحتقان من جهة، وتنتج الثروة من جهة ثانية، وتحقق الإنصاف (اجتماعيا ومجاليا) من جهة ثالثة.
الوطن الان : منير الكتاوي