لم يفهم كثيرون مغزى ومدلول البلاغ الذي أصدره الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، عقب صدور بيان للديوان الملكي يعتبر تصريحات نبيل بنبعبد الله، الأمين العام للحزب، تضليلا سياسيا على مقربة من الانتخابات التشريعية، وإساءة للمؤسسات التي لا ينبغي إقحامها في الصراعات السياسية، إذ أن تحليلات "خبراء الكوكوت مينوت" ذهبت إلى أنه رفع التحدي وسقف الصراع السياسي، لكن العكس هو الصحيح.
فلقراءة ما وراء الخطاب المعلن لابد من اعتماد أدوات مغايرة لكشف مضامينه، حيث لم يأت البلاغ ردا على بلاغ الديوان الملكي وإنما جاء بشكل توضيحي، وكل توضيح هو اعتذار، إذ لم يأت البيان ليعبر عن التضامن مع الأمين العام وإنما لوضع الأمور في طريقها الصحيح، إذ عبر عن "عدم وجود أي نية لحزب التقدم والاشتراكية وأمينه العام لإقحام المؤسسة الملكية بأي شكل من الأشكال في نزاعات حزبية محضة".
هذه العبارة وحدها كافية لتبين أن عقلاء التقدم والاشتراكية، الذي وصفه بلاغ الديوان الملكي بالحزب الوطني والمناضل، يعرفون أن المنافسة السياسية تقتضي طرح البرامج السياسية والخطط البديلة للخروج من الأزمة، وفي العبارة اعتراف واضح بخطأ نبيل بنعبد الله، لكن الحزب استدرك ليقول إن الخطأ لم يكن مقصودا وليس بسوء نية، وعودة الحزب لممارسة حقه في التصارع السياسي مع باقي الأحزاب مهما كانت.
وكان بلاغ الديوان الملكي، شدد على ضرورة "الإحجام عن إطلاق تصريحات لا أساس لها من الصحة، واستعمال مفاهيم تسيء لسمعة الوطن، وتمس بحرمة ومصداقية المؤسسات، في محاولة لكسب أصوات وتعاطف الناخبين. كما أنها تتنافى مع مقتضيات الدستور والقوانين، التي تؤطر العلاقة بين المؤسسة الملكية، وجميع المؤسسات والهيئات الوطنية، بما فيها الأحزاب السياسية"، وانسجاما مع ما ذهب إليه الديوان الملكي، أجمع المكتب السياسي للتقدم والاشتراكية "على أن الحزب يعمل بكل ثبات ومسؤولية للدفاع عن استقلال الوطن ووحدته الترابية، وبناء دولة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في كنف الاستقرار وفي إطار الاحترام التام لثوابت الأمة والمؤسسات التي يقرها دستور المملكة المغربية، وعلى رأسها المؤسسة الملكية".
وأعرب أعضاء المكتب السياسي عن "تقديرهم الفائق وإخلاصهم الكامل للمؤسسة الملكية، باعتبارها رمز وحدة الأمة وضامنة لدوام الدولة واستمرارها". ويكفي استعمال من صاغ البيان، وهو من العقلاء طبعا، لتعبير "المؤسسة الملكية" وليس "الملك" للدلالة على عودة الوعي للحزب، لأن المؤسسة الملكية عبارة عن جهاز متكامل يضم مستشاري جلالة الملك الذين أشار بنعبد الله إلى واحد منهم على أنه وراء "التحكم"، وهذا الاستعمال ذكي لأن التقدير ينبغي أن ينسحب على المؤسسة كمجموع وليس فصل بعضها عن البعض كما يريد بنكيران، الذي يهدف من وراء الإساءة للمؤسسات إلى إسقاط الدولة بعد شخصنتها.
وفي البلاغ اعتراف بأن المؤسسة الملكية هي الساهرة على ترسيخ الخيار الديمقراطي، الذي أصبح دستوريا بعد خطاب التاسع من مارس، وفي هذا التعبير اعتراف بزيغ نبيل بنعبد الله عن الحقيقة حيث اعتبرها جزءا من الصراع السياسي، وبهذه الصيغة يكون التقدم والاشتراكية قد وضع رجله في مسار القطع مع دعم الأصولية لفائدة النضال الحداثي الديمقراطي.
بوحدو التودغي