جاءت الأحزاب السياسية لتأطير المواطنين والرقي بمستواهم الفكري والسياسي حتى يتمكنوا من المشاركة في الحياة العامة، وملأ المجال العام قصد الانخراط في تدبير شؤونهم والدفاع عن مصالحهم، ولم تأت الأحزاب للقيام بالأدوار الأخرى الموكولة لأدوات شعبية مختلفة ومنها ما هو موكول لمؤسسات، وأساسا الدين لما يتجلى في الفضاء المشترك فإن إمارة المؤمنين هي من يديره بالنسبة للمغرب، ووجدت كل دولة طريقة للتعامل مع هذا الشأن.
ما أردنا قوله هو أن مناضلي الأحزاب السياسية ليسوا ملائكة وليسوا شياطين، ولكنهم مواطنون يعتريهم ما يصيب باقي المواطنين من عوارض بشرية، غير أن الشخصية العمومية تمتلك نصف "حياة شخصية" باعتباره محط أنظار الجميع. وكان العلماء قديما يفرقون بين الشخصية العمومية و"المواطن" العادي، ووضع علماء الحديث قواعد للرواية حيث اعتبروا الأكل في الطرقات من خوارم المروءة. لا شيء يمنع من الأكل في الطريق لكن العالم لا يحق له ذلك.
بمعنى أن الشخصية العمومية مختلفة، لكن هذا لا يجعل منها ملاكا لا تقترف الأخطاء أو حتى ما يعتبر خطأ.
مناسبة هذا الكلام الأحداث المتوالية التي تورط فيها أعضاء من حزب العدالة والتنمية. رئيس سكران ومعه فتاة ويرتكب حادثة سير بسيارة الجماعة. مستشار جماعي يتورط في تهريب الحشيش. وحوادث أخرى. ما كنا وما كان غيرنا ليسلط الأضواء بالشكل الحالي لولا أن الحزب تم تصويره من قبل قادته وأعضائه وخصوصا أمينه العام على أنه حزب "ملائكة" ينصرهم الله.
ليس من حق رئيس الجماعة أن يستغل سيارة المصلحة خارج أوقات العمل وخارج الدائرة الترابية. مهما كان انتماء الرئيس. وليس من حق أي مواطن أن يقود سيارته في حالة سكر. لكن في حالة ابن الحزب الإسلامي فإن الجرم مضاعف. لأنه أولا ارتكب أكثر من مخالفة قانونية وثانيا أكثر من مخالفة لما يدعو له الحزب. أي أنه ناقض مزاعم الحزب الذي يقول زعيمه إنه قوة أخلاقية أدخل للمشهد السياسي الفضيلة وواقع الحال أنه وكر لكل أنواع الرذيلة.
كل ما أثيرت قضية أخلاقية أو قانونية تنتفض قيادة الحزب حسب مرتبة المناضل. ذات يوم من أيام الله تم اعتقال جامع المعتصم، عضو الأمانة العامة، وكانت التهم ثقيلة جدا وفق ما توفر من وثائق تتعلق بالتعمير والتوقيعات. يومها خرج عبد الإله بنكيران، الأمين العام للحزب، لينظم مهرجانات خطابية في سلا. وقال بحضرة زوجة المتهم: "عليك أن تفتخري فزوجك من أولياء الله". لم نزد كلمة واحدة عما قال.
وكان المعتصم ورقة من الأوراق التي تم لعبها في تسويات خرج إثرها كثير من الأشخاص من السجن، ليصبح عضوا بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي باقتراح من الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، تم رئيسا لديوان رئيس الحكومة. ودخلت القضية طي النسيان غير أن المغاربة يقولون "تبات في الحبس ما تبات في الكناش". المعتصم ما زال في كناش المحكمة بسلا.
ومن المصادفات الغريبة أن تعيين رئيس الحكومة وتكليفه بتشكيلها صادف وجود جلالة الملك في المناطق الجبلية، التي لا يصلها الزعماء، حيث كان في ميدلت كي يوحي للرئيس الجديد أن العمل يبدأ من الاهتمام بالمناطق المهمشة. لكن المصادفة هي أن مكان التعيين ميدلت كانت تعرف قضية خطيرة، حيث كان رئيس المجلس الجماعي المنتمي للحزب الإسلامي معتقلا على ذمة رشوى واضحة وبالدليل وفي حالة التلبس حيث ظل يبتز مقاولا فنصب له شباكا وقع فيه.
مناضل من منطقة الغرب محسوب على مجموعة مصطفى الخلفي بالقنيطرة، تورط في التهريب الدولي للمخدرات الصلبة وغير الصلبة، وتم الحكم عليه بست سنوات. اليوم تكرر الشيء نفسه مع رئيس جماعة محسوب على المجموعة نفسها التي تريد أن تظهر لبنكيران قدرتها على الانفتاح على العالم القروي، لكن الشخص الموقوف من أدعياء الدين وليس من الوافدين. جعل الحزب في ورطة. القيادة الجهوي تسابق الزمن لسل الشوكة دون دم.
والأخطر من كل ذلك أن المستشار الجماعي المعتقل بآسفي بعد ضبطه في حالة تهريب طنين من المخدرات، كان معروفا لدى قيادة الحزب والجماعة بأعماله المشبوهة، لكن إذا ظهر السبب بطل العجب، فقد تسرب من كواليس التحقيق أن هذا المناضل الإسلامي كان يمول الحملة الانتخابية لأحد البرلمانيين.
تسامح مع تجار المخدرات يهدف إلى "الأكل" من حصة التهريب وتوظيف ذلك في الانتخابات وحتى في أغراض شخصية. تسامح مع المتطاولين على المال العام مقابل صرامة في صرف مال الحزب. "اللي بغا ياكل ياكل من الدولة أي أموال من يدعون تمثيلهم". وتسامح مع الانزياحات الأخلاقية.
لا يتصرف الحزب من فراغ ولكنه يغطي على كل الظواهر السيئة وسط أعضائه لأن همه اليوم هو "تفصيل" الصندوق الانتخابي عند "نجار" الإخوان المسلمين واستغلال كل شيء، المباح وغير المباح، الحلال والحرام، قصد العودة إلى رئاسة الحكومة مرة أخرى.
تلكسبريس- خاص