تجديد الخطاب السياسي
من الطبيعي أن يصاب قادة وقواعد حزب العدالة والتنمية بالصدمة، بعد ظهور أحد المنتسبين لهم في العراق بصحبة مقاتلي "الدولة الإسلامية".
هذا الحدث، سيشوش لا محالة على مجهودات الحزب للتطبيع النهائي مع الدولة، كما سيعطي لخصومه السياسيين الفرصة للهجوم عليه من باب المزايدة على قناعاته، بما أنهم يتهمونه بالتقية وعدم الإفصاح عن أهدافه الحقيقية.
لذلك، فإن المطلوب من قادة وقواعد الحزب، أن يتحلوا بما يكفي من الرصانة والهدوء، وعدم الانجرار إلى معارك كلامية خاسرة مع باقي الفرقاء السياسيين. ما يجب التركيز عليه في هذه المرحلة، بالإضافة إلى مواصلة تنزيل الإصلاحات التي وعد بها الحزب من داخل الحكومة، وبدأ بالفعل في تنزيل بعضها، إعادة النقاش الداخلي، وخاصة في ما يتعلق بالاستقطاب والتكوين.
لست هنا لأعطي الدروس لحزب العدالة والتنمية، فهو يملك ما يكفي من الرصيد التاريخي والأدبي، ما يمكّنه من تجاوز هذه "العثرة" الصغيرة، كما تجاوز الكثير من الحواجز التي وضعت أمامه، وكان يخرج منها دائما أكثر قوة.
إلا أن الحادثة المشار إليها أعلاه، يجب أن تعطى ما يكفي من العناية والبحث والتقصي، ليس فقط من طرف حزب العدالة والتنمية بل من طرف الجميع، لأنها تؤشر على خلل ما في مكان ما في العقل السياسي والثقافي والتربوي الجمعي للمجتمع المغربي.
صحيح أن الجو العام السائد في العالم العربي يساعد على الترويج لأطروحات "داعش" والفكر المتطرف إجمالا، في ظل النجاحات التي تحققه، وكذا الإحباطات التي منيت بها الحركة الإسلامية المعتدلة في مصر، إلا أنه مع ذلك يجب أن نعترف أننا نوفر للفكر المتطرف حاضنة يترعرع داخلها، سواء في ثقافتنا أو تفكيرنا أو تربيتنا للأجيال الناشئة، لذلك فالعمل الذي يجب أن يقوم به المجتمع المغربي وخاصة الحركات الإسلامية ومنها حزب العدالة والتنمية ضروري للرد على الطروحات المغرضة للمتطرفين. وذلك بالحد من جاذبية النموذج "الداعشي"، من خلال تصور وبناء مشروع مجتمعي يسير في الاتجاه المعاكس لهذا المشروع المدمر للبلدان والعباد، والذي يريد أن يبني حلمه بإقامة "دولة الخلافة الاسلامية" على ركام من الجثث والأشلاء.
نفهم أنه ليس من السهل مثلا على منظري العدالة والتنمية أن يتجاوزوا الفكر الذي انبنى عليه مشروعهم، والمتمثل في مقاومة زحف "الفكر الغربي الكافر الملحد" والحفاظ على مقومات هويتنا الثقافية والحضارية، وإعادة الوهج لها. إلا أنهم، وهم ليسوا وحدهم من مجموع الحركات الإسلامية، لم يستوعبوا لحد الآن، أن "الغرب الكافر الملحد" الذي كان يسعى إلى القضاء على الخصوصيات الثقافية والحضارية للشعوب المستعمرة، بدعوى "تحضير شعوب العالم" وفق"النزعة المركزية الأوربية"، أصبح، بتشجيع من فكر ما بعد الحداثة، من أشد المدافعين على المحافظة على الخصوصيات الثقافية لشعوب العالم.
لذلك فإن المجهود الفكري المطلوب من الحركات الإسلامية القيام به أصبح ملحا أكثر من ذي قبل، خاصة أن المنطقة تسير في اتجاه لا نعرف أين سيؤدي بنا، والتحرُّك العاجل ضروري لوقف مسلسل السقوط في الهاوية.
أما في ما يخص حزب العدالة والتنمية، فكما كانت له القدرة على التطبيع مع المقولات السياسية الحديثة التي لا تزال العديد من حركات الإسلام السياسي لم تطبع معها، وفي مقدمتها مفهوم الديمقراطية التي أصبحت من الثوابت الراسخة في فكر وعقل حزب العدالة والتنمية، نتمنى أن يطبّع (لا أن يتبنى) مع باقي المفاهيم السياسية الحديثة خاصة في ما يخص القضايا الخلافية المتمحورة أساسا حول الهوية والقيم.
صلاح مفيد