راسلونا عبر البريد الالكتروني: [email protected]         ليلة القدر.. أمير المؤمنين يترأس بمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء حفلا دينيا             عامل إقليم أزيلال يحيي ليلة القدر بالمسجد الأعظم بمدينة أزيلال             عيد الفطر بفرنسا الأربعاء 10 أبريل             كوت ديفوار .. الافتتاح الرسمي لمسجد محمد السادس بأبيدجان             مسجد محمد السادس بأبيدجان معلمة لتكريس قيم التسامح والانفتاح             حصيلة جديدة.. نسبة ملء السدود ترتفع إلى 32.20 في المائة             ملف “إسكوبار الصحراء”.. عودة الملف إلى النيابة العامة للحسم في تاريخ بدء أولى الجلسات             لا زيادة في أسعار قنينات الغاز بالمغرب في الوقت الراهن             لفتيت يدعو إلى تكييف قرار إغلاق الحمامات مع الوضعية المائية الحالية             الحكومة تشتغل مع المركزيات النقابية للتوصل إلى اتفاق سيعلن عنه قريبا             أوزين و"الطنز العكري"             صدمة كبيرة بعد إقدام تلميذ على الانتحارداخل مؤسسته التعليمية             مع اقتراب عطلة العيد..المغاربة متوجسون من رفع أسعار تذاكر الحافلات             التساقطات الأخيرة ترفع نسبة ملء السدود إلى 31.79 في المائة             تسجيل طلبات استيراد الأغنام إلى غاية 5 أبريل الجاري             قيمة زكاة الفطر حسب رأي المجلس العلمي الأعلى             نسبة ملء السدود تجاوزت 30 في المائة             توقيف متورط في المس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات وقرصنة المكالمات الهاتفية             لا أحدَ يُجادل بأن المغربَ يتقدَّم لكن…             أخنوش يتسلم مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة قصد رفعها لجلالة الملك             الكسوف الكلي يوم 8 أبريل المقبل قد يحل لغزا غريبا حول الشمس             المخزون المائي بسدود حوض تانسيفت يسجل أعلى نسبة ملء وطنيا             خمسة جرحى في حادثة سير بنواحي مدينة أزيلال             قرار الزيادة في سعر "البوطاغاز" يدخل حيز التنفيذ ابتداء من الإثنين المقبل             رياح وأمطار قوية.. وزارة التجهيز تهيب بمستعملي الطرق توخي المزيد من الحذر             ما هذا المستوى؟                                                                                                                                                                                                                                                           
 
كاريكاتير

 
مواقـــــــــــــــف

لا أحدَ يُجادل بأن المغربَ يتقدَّم لكن…


لمحات من تاريخنا المعاصر.. التعريب الإيديولوجي في المغرب


تفاهة التلفزة المغربية في رمضان والتربية على "التكليخة"


التنمية البشرية.. الخروج من المأزق


الفن الساقط

 
أدسنس
 
حـــــــــــــــوادث

خمسة جرحى في حادثة سير بنواحي مدينة أزيلال

 
سياحـــــــــــــــة

عدد السياح الوافدين على المغرب بلغ 6,5 مليون سائح عند متم يونيو 2023

 
دوليـــــــــــــــــة

روسيا: بدء محاكمة متورطين في العمليات الارهابية التي اسفرت عن مقتل137 شخصا بموسكو

 
خدمات الجريدة
 

»   مواقع صديقة

 
 

»   سجل الزوار

 
 

»  راسلونا عبر البريد الالكتروني : [email protected]

 
 
ملفــــــــــــــــات

توقيف متورط في المس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات وقرصنة المكالمات الهاتفية

 
وطنيـــــــــــــــــة

لفتيت يدعو إلى تكييف قرار إغلاق الحمامات مع الوضعية المائية الحالية

 
جــهـــــــــــــــات

ليلة القدر.. أمير المؤمنين يترأس بمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء حفلا دينيا

 
 

العلاقة بين التنمية البشرية ومحو الأمية.. فشل برامج محو الأمية في البلدان العربية


أضف المقال إلى :
yahoo Facebook yahoo Twitter Myspace delicious Live Google

أضيف في 29 غشت 2014 الساعة 15 : 13


 

العلاقة بين التنمية البشرية ومحو الأمية.. فشل برامج محو الأمية في البلدان العربية

 

اسمحوا لي أن أروي لكم، أولاً، حكايتيْن حقيقيتيْن: إحداهما عن طفلٍ عربيٍّ والأخرى عن طفلٍ كوريٍّ.

 يُدعى الطفل العربي منحوس بن محبوس. ولِد في قريةٍ زراعيةٍ في إحدى الدول  " العربية " المغاربية. وكانت قريته معزولةً عن بقية البلاد، محرومةً من الخدمات. فليست هنالك طرقٌ ولا سكةُ حديد ولا مواصلاتٌ ولا مدرسةٌ ولا مستوصفٌ ولا ماءٌ ولا كهرباءٌ ولا أيَّةُ خدماتٍ أخرى. لم يكُن أمامه إلا مرافقةُ والده إلى المزرعة أو رعيُ أغنامِ العائلة. وكان الطفلُ منحوس يُحسُّ في أعماقه برغبةٍ عارمةٍ في تحسينِ وضعه والتمتعِ بحياةٍ تَليقُ بإنسانيَّتِه. وعندما شبَّ عن الطوق، هاجر إلى المدينة، وسكن مع قريبٍ له في غرفةٍ مستأجرةٍ، واستطاع أن يحصل على عملٍ في أحد المخابز. وسرعان ما سمِع ببرنامج محو الأُمِّية فالتحق به، وأمضى أربع سنوات حتّى تعلم القراءة والكتابة. ثمَّ فقدَ عملَه لسببٍ أو آخر، وظلَّ يبحثُ عن عملٍ في مقاهي المدينة أو مخابزها لبيع الحلويات، فكان يُرفَض لأنَّه لا يعرف اللغة الفرنسية. فالآلات الحاسبة والوصولات التي تُخرِجها للزبائن مكتوبة بالفرنسية. ولم يحصل على أي تعويضِ بطالةٍ من الحكومة. كان يمضي جُلَّ وقتِه في المقاهي أو الاستماع إلى المذياع؛ فيجد صعوبةً في فهْم ما يسمعُ، لأنَّ المذيعَ يخلط  العربيةَ الدارجةَ بالفرنسيةِ الفصيحة. وطالتْ بطالتُه، وتراكمتْ ديونُه، وساءَت أحواله. وفي تلكَ الأثناءِ  تُوفِّيَ والداه. فأقنعه أحدُ سماسرةِ الهجرة إلى أوربا بأنَّه سيحصل له على رخصة عمل في إيطاليا لقطف العنب أو جمع القمامة إذا دفع له ثلاثين ألف دولار. وكان السيد منحوس يسمع عن أولئك المهاجرين الذين واتاهم الحظُُّّ للعيش في الجنَّة الأوربية. فقرَّر بيعَ مزرعة العائلة ودفعَ ثمنِها لذلك السمسار. ووجد مشترياً فذهب معه إلى مكتب موثِّق لتسجيل البيع. وبعد أنْ استقلا سيّارة أُجرة ووصلا إلى البناية المقصودة، راح السيد منحوس يحدّق في اللافتات المعلّقة على باب العمارة لمعرفة الطابق الذي يعمل فيه الموثق، فاكتشف أنّها مكتوبة جميعاً باللغة الفرنسية وبالحرف اللاتيني الذي لا يعرفه بتاتاً. فأخذ يبحث عن حارس العمارة ليدلّه على مكتب الموثق. وأخيراً قدّم له الموثقُ عقدَ البيع ليوقَّعه، فلم يفهم منه حرفاً واحداً، لأنّه مكتوب كذلك باللغة الفرنسية. فوقَّعه والهواجسُ تنهش نفسه. وعندها جمع شتات جرأته ليسألَ الموثق بأدب لماذا لا يُكتَب العقد بالعربية التي يعرفها، أجابه الموثِّق بلطف أنَّ الدولة تعتمد سياسة الازدواجية اللغوية من أجل الانفتاح والحداثة، فالمحاكم تُجري مرافعاتها بالعربية وتحتفظ بوثائقها بالفرنسية، والمدارس تعلّم بالعربية والجامعات بالفرنسية، والإدارة تتعامل مع المواطنين بالعربية وتتعامل فيما بينها بالفرنسية، وذلك من أجل السهولة والسرعة. فهزَّ السيد منحوس رأسه متظاهراً بالفهم والتفهّم، لئلا يُتهم بالعِي والتلعثم.


وبما أن كلَّ منحوسٍ قد يصيبه الحظُّ مرةً واحدة في حياته، كما يقول المثل البورتريكي، فقد حصل ذلك للسيد منحوس؛ إذ إنَّ سمسار الهجرة كان صادقاً معه واستخرج له على الأوراق المطلوبة. فاقتنى تذكرة السفر بالطائرة وتوجَّه إلى المطار. وهناك كان عليه أن يملأ بطاقة المغادرة. وشعر بفرحٍ غامرٍ لأنَّ البطاقة، هذه المرة، مكتوبة بالعربية من اليمين وبالفرنسية من اليسار. وكان من اليسير عليه أن يملأ البطاقة بالعربية: الاسم، مكان الازدياد، تاريخ الازدياد، العنوان، إلخ. وعندما وصل إلى حاجز ضابط الجوازات، نظر الضابط إلى بطاقة المغادرة وأعادها إليه طالباً منه أن يملأها باللغة الفرنسية. رجع السيد منحوس إلى قاعة المطار يبحث عمّن يساعده. وكان فوقه على الحائط لافتةٌٌ مكتوبةٌ بالفرنسية ترحب بالسياح: "مرحباً بكم في بلدكم الثاني". رفع رأسه محدِّقاً في اللافتة التي لم يستطِع قراءتها، وهناك انحدرت دمعةٌ ٌعلى خدِّه حزناً على السنوات الأربع التي أمضاها في برنامج محو الأمية.


 الحكاية الثانية تدور حول طفلٍ كوريٍّ يدعى " تسان تسون تسين" (ومعناه بالعربية محروس بن ملحوس). وُلِد يتيماً حوالي سنة 1955 بعد أن قُتِل والداه في الحروب الباردة والساخنة التي كانت تجري بالأصالة وبالوكالة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، فتبنّاه عمُّه مع  وأولاده.  وكانت قريته الكورية لا تختلف عن القرية المغاربية التي ولد فيها الطفل منحوس بن محبوس، بل أشدَّ فقراً وتعاسة. فقد كانت كوريا أفقر بلد في آسيا آنذاك وثالث أفقر دولة في العالم. وعندما بلغ الطفل تسان الخامسة من عمره المبارَك، شاهد بعينيْه الصغيرتيْن المدوّرتيْن جرّافاتٍ ومكائنَ تشقُّ الطُّرق وتبني المدرسة والمستوصف ومجلس القرية ومكتب البريد وخدمات الماء والكهرباء والصرف الصحي، وتشيّد مسرحاً وداراً للسينما ومجمّعاً تجارياً، ومركزاً ثقافياً، وغيرها من المؤسَّسات العمومية التي تساعد الفلاحين على إنتاج زراعي أحسن وحياة إنسانية أفضل.


   عندما بلغ الطفل تسان السنة السادسة من عمره المبارك، زارته مرشدة اجتماعية واصطحبته مع أولاد عمِّه إلى مدرسةٍ جميلةٍ مليئةٍ بالألعابِ ومجهزةٍ بمكتبةٍ ومختبرٍ علمي، وتُقدَّم فيها لجميع الأطفال وجبات غذائية صحية جيدة على حساب الدولة (فالتعليم الأساسي إلزامي على نفقة الدولة). وراحت الدولة تقدم راتباً شهرياً لعمّه الذي تقاعد عن العمل ضمن التزامها بالحقوق الاقتصادية للمواطنين، وتقدِّم المساعدات  التقنية اللازمة لأولاد عمه الكبار الذين تولّوا أمر المزرعة. وكان يتعلَّم في المدرسة بلغة تختلف قليلاً عن اللغة التي يتكلّمُها في القرية، فقيل له إنّها اللغة الكورية المشتركة.  وهي اللغة التي يسمعها من الراديو والتلفزيون ( ففي كوريا توجد أكثر من مائة محطة راديو وتلفزيون كلُّها أهلية ما عدا واحدة حكومية، وجميعها تبثّ باللغة الكورية المشتركة). وبفضل الطرائق التعليمية المتقدَّمة والوسائل التعليمية الناجعة، فإن تسان وبقية الأطفال سرعان ما تعلُّموا قراءة وكتابة هذه اللغة، فهي لا تحتاج  إلى تعلّم أكثر من 2000 حرفٍ (أو شكلٍ، بتعبيرٍ أدقّ). وسرعان ما اعتادوا على نطق اللغة الكورية المشتركة، لأنهم يسمعونها في الشارع والمدرسة، ويقرأون اللافتاتِ المكتوبة بها في كلِّ مكان (فهم كوريون في كوريا)، فيتعزَّز ما يتعلَّمونه في المدرسة. وعندما انهوا الدراسة الأساسية ( تسع سنوات)، اشتغل بعضهم في القرية التي أصبحت بلدة عصرية حديثة، ونُقِل أكثرهم إلى مدرسة ثانوية في مدينة مجاورة ليسكنوا في قسم داخلي جميل على حساب الدولة. ثمَّ التحق الشاب تسان في الجامعة التكنولوجية في سيئول، ودرس العلوم البحرية باللغة الكورية المشتركة التي تعوّد لا على سماعها فقط، وإنما كذلك على التحدُّث بها مع زملائه القادمين من مناطق وجزر مختلفة من كوريا. وبعد حصوله على الدكتوراه، اشتغل الشاب تسان في شركة بحرية، وأجرى بحوثه العلمية باللغة الكورية المشتركة. وقرأ الأبحاث باللغة الكورية المشتركة وبعضها مترجَم من اللغات اليابانية والصينية والأمريكية والألمانية. فكان يستوعب ما يقرأ بسهولة، وينقل فحواه إلى مساعديه والعمال في الشركة باللغة الكورية المشتركة. وهو اليوم المدير العام للشركة الكورية لتصنيع البواخر والسفن وتصديرها. ويفتخر بأنه أحد الشباب الذين واصلوا عمليةََ التنميةِ البشريةِ في كوريا حتى أصبحت تحتل الرتبة (12) في سلم دليل التنمية البشرية الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سنوياً، أي أنها تتقدَّم على دولٍ أوربيةٍ عريقةٍ في التقدُّم مثل سويسرا (الرتبة 13) وفرنسا (14)، وبلجيكا (18)، وإيطاليا (23). ولا يوجد أُمّي واحد في كوريا فكلّهم يجيد قراءةَ وكتابة اللغة الكورية المشتركة التي تُعَدُّ لغة نفاذٍ إلى مصادر المعلومات، وكثير منهم يجيد لغات أجنبية مختلفة ..(1)


فشلُ المقاربةِ التربوية:

  منذ أنْ استقلت البلدان العربية قبل أكثر من نصف قرن، ونحن ـ المعلِّمين والتربويين ـ نواظب على تدبيجِ المقالات، وتأليفِ الكتب، وإجراءِ البحوث التربوية، وتحرير الدراسات العلمية، وعقد الحلقات الدراسية، وتنظيم الموائد المستديرة، وإقامة الندوات والمؤتمرات المحلية، والإقليمية والعالمية، مدعَّمين من لدن المنظمات الدولية المتخصِّصة في التربية، مثل اليونسكو، والألكسو، والإيسيسكو، بغية تحسين التعليم وتطوير مضامينه وتحديثها، وبذلنا غاية الجهد في وضع مواصفاتِ برامجِ محو الأمية، ومناهجِ التعليمِ عامة، من حيثُ المقاصدُ، والمبادئُ، والتخطيطُ، والخصائصُ؛ وتحديدِ الأهدافِ الإجرائية والتعليمية، وإعداد المواد والوسائل المعينة، واختيارِ المعلِّمين وتدريبِهم، ووضعِ أُسسِ التقويمِ التمهيدي، والمرحلي، والنهائي، ومتابعةِ كلِّ شيء ذي علاقة بالعملية التعليمية: التلميذ، والمعلم، والكتاب المدرسي، إلخ.


  والنتيجةُ .. النتيجة فشلٌ ذريعٌ لا مثيل له: فأَعدادُ الأُمِّيِّين في تزايد بيننا، ونوعيةُ تعليمِنا في تدهور، والتنميةُ البشرية في تقهقر. في حين نجحت دول كانت أكثر منا تخلُّفا قبل ستين عاماً، فأصبحت الآن في عداد الدول المتقدِّمة، مثل فنلندة وماليزيا وكوريا والصين وتركيا وغيرها وغيرها.


  لماذا فشلنا ، نحن المعلِّمين العرب، في تحقيق أهدافنا في محو الأمية، وتعميمِ التعليمِ، وتحقيق التنمية البشرية التي نطمح إليها جميعاً؟ لماذا فشلنا ونجح غيرُنا؟


الجواب في نظري يكمن في أنَّنا نظرنا إلى قضية التعليم ومحو الأُمِّية بوصفها قضيةً تعليميةً بحتة، على حين أنَّها قضيةٌٌ سياسيةٌٌ بامتياز، لا يمكن فصلها عن بقيَّة السياسات العامَّة في البلاد. فالسياسةُُ كلُّ شيء. فإذا سألتَ في السوق عن سعر البصل اليوم، فقد دخلتَ أو تدخَّلت في السياسة. وبعبارةٍ أخرى، إنَّ اتباع سياسية التنمية البشرية هي التي تقود إلى نجاح برامج محو الأمية، وليس العكس. فبرامج محو الأمية الجيدة وحدها لا  تؤدي إلى سياسة تنمية بشرية ناجحة.   

      

 التنمية البشرية:

إنَّ ثروة الأَّمَّة الحقيقية لا تكمن في نفطها وغازها وفوسفاتها ومعادنها المطمورة في تربتها، وإنّما توجد في أبنائها، رجالاً ونساءً وأطفالاً، في أجسامهم وعقولهم وسعادتهم. فالإنسان أغلى جوهرةٍ في الوجود، وأعزُّ رأسمالٍ يُعتَمَد عليه. ولهذا فقد تغيّرت نظرة المفكِّرين الاقتصاديِّين إلى التنمية خلال النصف الثاني من القرن العشرين عندما أدت الثورة التكنولوجية إلى ايجاد مجتمعٍ جديدٍ يختلف عن المجتمع الصناعي الذي أفرزته الثورة الصناعية في أواخر القرن التاسع عشر. فقد أصبح المجتمع الجديد يتلقّى ــ بفضل ثورة تكنولوجيا الاتصال ــ فيضاً من المعلومات من أجل استغلالها لدعم جميع أنشطته وتنمية مختلف قطاعاته الاقتصادية والاجتماعية والتجارية. وأُطلِق على هذا المجتمع الجديد اسم "مجتمع المعرفة" القادر على إدارة "اقتصاد المعرفة"  الذي يحقّق قفزةً نوعيةً في عملية التنمية.(2)


والإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي يستطيع استخدام اللغة أداةَ نفاذ إلى مصادر المعلومات وامتلاك المعرفة واستيعابها وتوظيفها واستثمارها وإنتاج معرفة جديدة، ونشرها بين جميع المواطنين من أجل تحسين نوعية الحياة. وهكذا لم يعُد الحديث منصباً على "النمو الاقتصادي" الذي كان يُقاس بالدخل القومي، وإنَّما على " التنمية الإنسانية" أو "التنمية البشرية"، القادرة على تحقيق العدالة الاجتماعية، وتحرير الناس من الفقر والجهل والمرض، وتخليصهم من الحرمان بجميع أشكاله، وتوسيع حرياتهم وخياراتهم، وإطلاق طاقاتهم المنتجة والمبدعة، وتمكينهم من المشاركة في عملية التنمية والاندماج فيها وإدارتها عن طريق المشاركة في الحكم والمسؤولية. فالتنمية البشرية تنطلق من الإنسان، وبالإنسان، وللإنسان.


ظهرَ مفهوم التنمية البشرية على يد خبير برنامج الأُمم المتّحدة الإنمائي السيد محبوب الحق.  ومنذ سنة 1990 أخذ البرنامج يبلور هذا المفهوم في تقارير التنمية البشرية التي تصدر سنوياً. وتتحقَّق التنمية البشرية في البلاد من خلال اتباع سياسات عامَّة تنصبُّ على ثلاثة أبعاد هي:

1)  المعرفةُ، أي نشر التعلُّم (وليس التعليم) بين جميع المواطنين، ويقاس هذا البُعد بمؤشِّر معدل الالتحاق في التعليم الابتدائي والثانوي والعالي، ومعدل محو الأمِّية.

2)  الصحَّةُ، أي  تمتُّع المواطنين بصحَّةٍ جيِّدة تمكِّنهم من العيش حياةً صحِّيةً طويلةً، ويقاس هذا البُعد بمؤشِّر معدل العمر المتوقَّع للفرد لدى ولادته.

3) مستوىً معيشيٌّ جيّدٌ يليق بالكرامة الإنسانية، ويُقاس هذا البُعْد بمؤشّرِ معدَّل دخل الفرد (وليس الدخل القومي).


ولكلِّ بُعدٍ من هذه الأبعاد ( التعلُّم، الصحَّة، الدخل) دليلٌ. ومن الأدلَّة الثلاثة يُستخرَج دليل التنمية البشرية الذي تُصنَّف بموجبه الدول الأعضاء في الأُمم المتحدة البالغ عددها 194 دولة، بحيث تحتل الدولة الأكثر تقدّما في هذه الأبعاد المرتبة الأولى، وهكذا.


وأجرى البرنامج تعديلاتٍ على دليل التنمية البشرية، بحيث توجد أدلَّةٌ للتنمية البشرية معدّلة بعواملَ أو أدلَّةٍ أُخرى، مثل دليل التنمية البشرية المعدَّل بقياس عدم المساواة  في التعلُّم والصحَّة والدخل، ودليل التنمية البشرية المعدَّل بدليل الفوارق بين الجنسين الذي يبيّن الفوارق بين الإناث والذكور في الصحَّة والتمكين والمشاركة في سوق العمل، ودليل التنمية البشرية المعدَّل بدليل الفقر المتعدِّد الأبعاد الذي يحدِّد أوجه الحرمان المتداخلة التي تعاني منها الأسر في التعليم والصحَّة والدخل (3).


وقد أضاف " تقرير التنمية الإنسانية العربية" الذي صدر أول مرّة عام 2002 معايير أُخرى للتنمية البشرية مثل: الحرِّيَّات، أي التمتُّع بحقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية؛ وتمكين النوع، أي مدى قدرة النساء على الوصول إلى مراكز القوة في المجتمع؛ والاتصال بالشابكة (الإنترنت) أو المعرفة الرقمية؛ والبيئة الصحية  الخالية من التلوّث (4). ونحن نرى أنَّ هذه المعايير الإٌضافية مضمَّنة في معايير التنمية البشرية الثلاثة.


ويلاحظ أنَّ محور منظومة المجتمع من دينٍ ونظامٍ وحُكمٍ وعِلمٍ وإعلامٍ وصحَّةٍ عامَّةٍ وأُسرةٍ وثقافةٍ واقتصادٍ وغيرها، قد انتقل من (الاقتصاد) في المجتمع الصناعي السابق إلى (التعلُّم) في مجتمع المعرفة الجديد.


ومن الواضح أنَّ هذه هي المعايير التي يعتمدها "تقرير التنمية البشرية" لقياس درجة التنمية وترتيب الدول على أساسها، يرتبط بعضها ببعض، ويعتمد بعضها على بعض، ومحورها التعلّم. فالمتعلّم هو الذي يتمكن من  زيادة دخله الفردي، وهو الذي يستطيع تحسين صحَّته وتعزيزها. أمَّا الأميّ فلا يستطيع النفاذ إلى مصادر المعلومات. فمثلاً، في بعض الدول الفقيرة التي ابتُليت بحكومات شمولية وتعاني المجاعات والحروب الأهلية ويسودها الجهل، ينخفض متوسط عمر الفرد إلى 40 سنة فقط، في حين أنّه يرتفع في بعض الدول الديمقراطية التي تحترم حقوق الإنسان وتتمتع بتنمية بشرية عالية، إلى أكثر من 80 سنة.


 ويظهر هذا الترابط بين معايير التنمية البشرية الثلاث واضحاً في البلاد العربية.  فإذا كانت نسبة الأُمِّية فيها حوالي 30%، فإنَّ مواطناً من كلِّ خمسة مواطنين يعيش تحت خطِّب الفقر أي بأقل من دولاريْن، حسب تقديرات البنك الدولي. والفقر مرتبط  بندرة فرص التعلُّم الجيد، وكذلك بالرعاية الصحية المتدنِّية. أمّا الحرمان المتجسّد بقصر الأعمار وغلبة الأمية ونقص الخدمات الأساسية، فتبلغ نسبته  32.4% بمقياس الفقر الإنساني، طبقاً لتقرير التنمية الإنسانية العربية الأوَّل(5). وبتعبير خالٍ من المصطلحات والإحصاءات، فإنَّ البلدان العربية، بعد أكثر من قرنٍ من بدء عصر "النهضة العربية" وبعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال، ما زالت فريسة الجهل والمرض والفقر.


ويُطلَق على الفرق الموجود بين الدول المتقدِّمة والدول المتخلِّفة من حيث النفاذ إلى مصادر المعلومات والمعرفة والقدرة على استغلالها، مصطلح " الفجوة الرقمية". ويرى نبيل علي أنَّ هذه الفجوة تشتمل على فجوات متعدِّدة: الفجوة العلمية والتكنولوجية، والفجوة التنظيمية والتشريعية، وفجوات الفقر (فجوات الدخل، والغذاء، والمأوى، والرعاية الصحية، والتعلّم، والعمل)، وفجوات البنى التحتية بسبب غياب العدالة الاجتماعية، وغياب السياسات العامّة الملائمة، وعدم توافر شبكات الاتصالات،  والقصور في تأهيل القوى البشرية (6).


 محو الأمية:

يقسّم بعضهم الأُميّة على نوعيْن:

أ‌)   الأُمِّية الأبجدية، وتعني جهل القراءة والكتابة ومبادئ الحساب الأساسية. والأُمّي هو كلُّ شخص بلغ الثانية عشرة من العمر ولا يمتلك مبادئ القراءة والكتابة والحساب.

ب‌)  الأُمِّية الحضارية: وتعني عجز الأفراد المتعلِّمين عن مواكبة مُعطيات العصر العلمية والثقافية والتقنية(7).


وفي نظري أن مصطلح " الأُمِّية الحضارية" هو استعمال مجازي للفظ " الأُمية". ويمكن التوسّع في هذا الاستعمال المجازي، بحيث نتحدّث عن أنواع كثيرة من الأمية، كالأُمِّية الحاسوبية، والأُمِّية الموسيقية، والأُمِّية السياسية، إلخ.


وإذا اخذنا الأُمِّية، بمعناها الحقيقي، نجد 850 مليون أُمِّي في العالم البالغ عدد سكانه حوالي 6 مليارات نسمة. ومن هؤلاء الأُمِّيين، نجد 100 مليون منهم في الوطن العربي الذي لا يتجاوز عدد سكانه 350 مليون نسمة. وهذا يعني أن نسبة الأمية لدينا تبلغ حوالي 29 % من السكان، أي أعلى بكثير من نسبة الأمية في العالم التي تبلغ  19%. وهذا يعني كذلك أن المنطقة العربية ستكون، عما قريب، الأولى بين مناطق العالم من حيث كثرة الأميين، وتليها المنطقة الأفريقية. وتزداد هذه الأرقام خطورة إذا ما علمنا أن  الإناث في البلاد العربية يشكلن ما نسبته 64% من الأُمِّيين، أي أنَّ معدلات الأمية بين النساء تبلغ 46.5%،. وتكمن خطورة ذلك في أنَّ المرأة هي نصف المجتمع، وتتحمَّل مسؤولية تنشئة أجياله الجديدة. فكلّما ازدادت ثقافة المرأة، زادت قدرتها على تربية أطفالها، وارتفعت مساهمتها في التنمية البشرية (8).


لا يمكن إنكار الأثار السلبية الخطيرة لظاهرة الأُمّية على التنمية البشرية. فالأُمّية عائقٌ حقيقيٌّ أمام التنمية البشرية. والشخص الأُمّي أقلّ نصيباً في الانتفاع مما يُتاح له من خدمات في المجتمع. ونظراً إلى أَعداد الأميين الرهيبة في البلاد العربية، ونظراً إلى المعايير الأُخرى في التنمية البشرية، فلا غرابة في أن تحتلَّ البلاد العربية مراتب متأخِّرة في التنمية البشرية وتعدّ من بين الدول الأقلّ تنمية ( أو بعبارةٍ أُخرى الأكثر تخلّفاً). والتربية وسيلةٌ أساسيةٌ في إيجاد مجتمع المعرفة القادر على تحقيق التنمية البشرية. ولكي تكون السياسة التربوية قادرة على بلوغ هذا الهدف النبيل، يتوجَّب أن تتناغم، مثل فرقةٍ موسيقيةٍ، مع جميع السياسات العامة الأخرى في الدولة: السياسية، والإعلامية، والثقافية، والإدارية، والاقتصادية، والمالية، وغيرها، كما سنبين لاحقاً.


معوِّقات محو الأُمِّية:

 يشير المختصون إلى عددٍ من الأسباب التي تؤدّي إلى فشل برامج محو الأمية في البلاد العربية، وهي بإيجاز:

ـ عدم تطبيق التعليم الإلزامي،

ـ الهدر المدرسي أي تسرُّب التلاميذ من المدرسة قبل إتمام المرحلة الابتدائية،

ـ النموُّ السكاني الكبير،

ـ النقص في أعداد الكتب،

ـ ضعف تدريب المعلِّمين،

ـ النقص في المباني والمعدّات والوسائل،

ـ عدم وجود إرادةٍ سياسيةٍ حقيقيةٍ للقضاءِ على الأُمِّية(9).

ولكنَّنا نظنُّ أنَّ الأسباب الحقيقية تكمن في السياسات المتبعة وفي الأنظمة التعليمية في البلاد العربية.

الأنظمة التعليمية العربية وراء تزايد الأمية:

 ينطلق كلَّ نظامٍ سياسيٍّ من رؤية للحياة والمجتمع، وله قِيَمه وفعالياته التي يعمل على المحافظة عليها وإعادة إنتاجها عبر الأجيال المتعاقبة، وله نظراته وتصوّراته عن طبيعة المتعلِّم والغاية من التعليم. ويعدّ النظام التعليمي الأداة الأساسية في استمرارية النظام السياسي ودوام قيمه وفعالياته. وكلّما كان هنالك ارتباط وثيق وتماسك شديد بين النظامين السياسي والتعليمي، أصبحت استمرارية النظام السياسي مضمونة، لأن النظام التعليمي يعيد انتاج نفس الأشكال الطبقية وذات الاختيارات. ولهذا فإنَّ قضية التعليم تعدُّ ميدان الصراع  الحقيقي بين أولئك الذين يرون أن الأوضاع الراهنة في صالحهم فيحرصون على بقائها واستمرارها وبين أولئك المتضرِّرين من الأوضاع الراهنة فيريدون إصلاحها أو تغييرها(10).


  المجتمعات العربية في الوقت الحاضر مجتمعات طبقية، فهنالك طبقة صغيرة تستأثر وتتحكَّم بالسلطة والمال، وهناك أكثرية محرومة، ولا توجد طبقة متوسطة واسعة. والأنظمة التعليمية في البلدان العربية أنظمة طبقية، تعيد إنتاج الطبقية، ولا تسمح بتغيير مراكز القوى والمال. فهناك ترابطٌ وثيقٌ بين الهيمنة الطبقية وبين احتكار المعرفة في أيدي قلَّةٍ قليلةٍ من السكان.


 عندما خضعت البلدان العربية للاستعمار الأوربي (خاصَّة البريطاني والفرنسي) خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كانت المجتمعات الأوربية طبقية اجتماعياً وتعليمياً. ففي القمة هنالك اللوردات والنبلاء الذين يملكون الأراضي الزراعية، والذين يحظى أولادهم بتعليمٍ خاصٍّ في مدارس خاصّة، وهناك الفلاحون والقرويون الذين يذهب بعض أولادهم إلى المدارس الحكومية. ويعترف أدغار فور، وزير التربية الفرنسي الأسبق، ورئيس لجنة اليونسكو الدولية للنهوض بالتربية، بأن الأنظمة التربوية في أوربا " لم تكن ديمقراطية ولا كاملة، وإنَّما هي مخصَّصة لبعض الطبقات الاجتماعية المحظوظة التي تسمى (النُّخبة)"(11).


 وقد طبَّقت بريطانيا وفرنسا نموذجهما التربوي في البلدان العربية المستعمرَة لتخريج الأُطر اللازمة لتمكين المستعمِر من إدارة البلاد، مع تعديلات تحدُّ من انتشار التعليم، وتثبِّت لغةَ المستعمر أداة لاكتساب المعرفة، وإفراغ المناهج التعليمية والطرائق التدريسية من أي محتوىً يساعد على التفكير الحرِّ والتحليل والتقويم والإبداع والاختراع، بحيث يؤدٍّي هذا النظام التربوي إلى تخريج فردٍ محدودِ الثقافة مسطّحها، منقطعٍ عن هُويته وثقافته وحضارة أُمّته.


    وعندما منحت بريطانيا وفرنسا مستعمراتها العربية الاستقلال في إطار التبعية الثقافية والاقتصادية، ورث أصحاب القرار في الحكومات العربية الجديدة من المستعمر رؤاه وتصوراته، كما يقول المرحوم الدكتور محمد عابد الجابري، كما ورثوا الأنظمة التعليمية السابقة ببنياتها وهياكلها وتوجُّهاتها. فالمدارس عندنا على ثلاثةِ أنواع:


أ ـ مدارس أجنبية فرنسية أو بريطانية أو أمريكية، تتواجد في العاصمة والمدن الكبرى فقط، و تتقاضى أجوراً دراسية عالية لا يقدر عليها إلا رجال السلطة والأعمال، وتطبِّق هذه المدارس المناهج الفرنسية أو البريطانية أو الأمريكية بحذافيرها، وتدرّس جميع المواد باللغة الأجنبية، بل تطبق المنهج الأجنبي بلغته الأجنبية.

ب ـ مدارس أهليّة ( وتسمى حرّة كذلك)، وتطبِّق المنهج الوطني مع عناية أكبر بلغة المستعمِر القديم، ولها إمكانات مادية أفضل من المدارس الحكومية، وتتواجد كذلك في المدن، وليس في القرى والأرياف، حيث تتقاضى أجوراً دراسية لا يقدر عليها إلا أبناء الطبقة المتوسطة، وبشق الأنفس.

ج ـ مدارس حكومية سيّئة، أو لا مدارس لبقية السكان من المحرومين. وتدرّس هذه المدارس المواد باللغة العربية، كما يدرس التلاميذ اللغات الأجنبية، ولكن لا يجيدونها في آخر المطاف بسبب عدم جودة المناهج والطرائق والوسائل ونقص تأهيل المعلمين.

ويكمن الفرق الأساسيُّ بين خريجي هذه الأنواع الثلاثة من المدارس في مقدرتهم على استعمال لغة المستعمِر القديم. فخريجو المدارس الأجنبية يجيدونها بطلاقة، وخريجو المدارس الأهلية يلمون بها بصورة متوسطة، وخريجو المدارس الحكومية يجهلونها بالرغم من دراستهم لها ولا يستطيعون كتابة فقرة واحدة صحيحة بها.


وتعمل هذه الأنواع الثلاثة من المدارس على إعلاء شأن اللغة الأجنبية وتهميش اللغة العربية بطرائق مختلفة. ففي المدارس الأجنبية التي أكثرية طلابها من أبناء البلدان العربية، لا تُدرَّس اللغة العربية إلا بوصفها لغة أجنبية مدة ثلاث أو خمس ساعات في الأسبوع، وأحياناً بصورة اختيارية فقط لمن يرغب من التلاميذ. وتكمن جاذبية  المدارس الأهلية في كونها تعطي أهمِّيَّةً كبيرةً للغة الأجنبية بتخصيص ساعات إضافية لها وتدريس بعض المواد بها، ويتقاضى فيها معلَّم اللغة الأجنبية راتباً أعلى من راتب معلم اللغة الوطنية. أما المدارس الحكومية فهي تخصِّص ساعات دراسية  للغة الأجنبية أكثر من  الساعات المخصَّصة للغة الوطنية، كما أن مُعامل اللغة الأجنبية في الامتحانات أكبر من مُعامل اللغة الوطنية ( ألا توجد خشية من عقدة احتقار الذات لدى التلاميذ، بل واحتقار والديهم الذين لا يجيدون هذه اللغة الأجنبية ذات السيادة في البلاد؟).


في حقيقة الأمر، للإجابة على هذا السؤال بصراحة مرة، نقول إن معظم علماء النفس الذين درسوا نفسية العرب، يؤكدون أن العربي يحتقر ذاته ويحتقر ثقافته ويحتقر لغته ويحتقر أهله. ففي آخر كتاب صدر في أمريكا حديثاً بعنوان " نفسية العرب"، يقول مؤلِّفه أنا احتقار العربي لنفسه ولثقافته ولغته ناتج عن خنوعه لمدة طويله لحكّام طغاة مستتدين، ولاضطراره لإظهار الاحترام والتوقير لهم وتملقّهم وكيل الثناء لهم في حين أنه في قرارة نفسه يعرف أنهم فاسدون حتى النخاع.(12) ومن مظاهر احتقار العربي لذاته وثقافته ولغته أن مندوبي الدول العربية في منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها الدولية يلقون كلماتهم ويقدمون مداخلاتهم باللغة الإنكليزية أو الفرنسية، في حين أن اللغة العربية هي لغة رسمية في هذه المنظمة الدولية ووكالاتها دون أن يسألوا أنفسهم، ولماذا توفر هذه المنظمة الترجمة العربية من وإلى اللغات الرسمية الأخرى في المنظمة. ولقد شاهدت بنفسي مندوب فلسطين في اليونسكو يقف ليشكر المنظمة، بعد قبول فلسطين عضواً كامل العضوية، فيها باللغة الفرنسية، في حين كان زميله مندوب فلسطين في الأمم المتحدة في نيويورك يقدم طلبه باللغة الإنكليزية، وكأننا قبائل إفريقية لا لغة مشتركة بينها فتستعمل لغة المستعمِر القديم أو الحديث. وأنا متأكد لو أن المندوب الإسباني أو الصيني أو الروسي في منظمة الأمم المتحدة قد تكلم باللغة الإنكليزية أو الفرنسية، فإنه سيقدم استقالته أو يطرد في الحال من وظيفته، لا لأنه خالف الدستور فحسب، ولكن لأنه برهن كذلك على احتقار أمته وثقافتها ولغتها. ومن مظاهر احتقار الذات المضحكة المبكية في آن، أن بعض الدول العربية تقدم منحاً دراسية لطلاب من بلدان أفريقيا وآسيا، طبعاً في أطار التعاون الثقافي ومن أجل كسب أصدقاء لدولنا من بين قادة المستقبل في تلك البلدان. وعندما يصل الطالب صاحب المنحة إلى الدولة العربية يخضع لدورة مكثفة أمدها سنة واحدة لتعليمة اللغة الإنكليزية أو الفرنسية تبعاً للغة التعليم العالي في تلك الدولة. وقد ينهي دراسته في بلادنا دون أن يتعلم كلمة عربية واحدة. ولك أن تتصور الانطباع الذي يخرج فيه هذا الطالب عن بلادنا وثقافتنا.


وبما أن الحكومات العربية تصرّ، منذ أن استقلتْ، على استعمال لغة المستعمِر القديم في الإدارة والتجارة والبنوك والإعلام والحياة العامة والتعليم الجامعي العلمي والتقني مثل كليات الهندسة والعلوم والطب والزراعة وغيرها، أصبح خريجو المدارس الأجنبية مؤهَّلين لولوج هذه الكليات العلمية  وولوج الإدارة والبنوك والشركات، ومن ثَمَّ تولِّي السلطة والتحكّم في الأعمال والمال، في حين لا يستطيع أبناء الفقراء إلا الدراسة في كليات الآداب والحقوق فيتخرجون عاطلين بامتياز فينضافون إلى أكثر من عشرين مليون عاطل في الوطن العربي، بحسب إحصاءات منظمة العمل العربية (يلاحظ أن دول الخليج تستخدم حوالي عشرين مليون عامل أجنبي أغلبهم من الدول الآسيوية كالفلبين وتايلند والهند، ولا يستطيع العمّال العرب من المشرق والمغرب من العمل في دول الخليج، والسبب ببساطة يكمن في عدم معرفتهم باللغة الإنكليزية التي هي لغة العمل ولغة الحياة العامّة في معظم دول الخليج، فأنتَ وابن البلاد نفسه لا تستطيعان شراء الخبز أو ركوب سيارة أُجرة مالم تتكلما الإنكليزية).


واستمرَّ هذا النظام التعليمي الطبقي منذ أكثر من قرن حتّى أصبح كأنه واقع لا مندوحة من قبوله، ولا يسع المواطن إلا الاستسلام له (ليس الأمر في كوريا كذلك، فالتعليم الجيد باللغة الكورية المشتركة على نفقة الدولة لجميع المواطنين). وإذا لم يكن في وسع المواطنين العرب تغيير هذا النظام فإنهم يشعرون بما ينطوي عليه من ظلم وعدم عدالة وعدم تكافؤ في الفرص. يقول الكاتب عبد الله الدامون:


" في كثير من المدن والقرى، لا يجد الناس مدارس كافية لتدريس أبنائهم، لأن الأراضي التي كان من المقرر أن تُبنى فيها مدارس، تمَّ تحويلها إلى مشاريع عمارات. وهناك فصول دراسية يتزاحم فيها أزيد من 50 تلميذاً من أبناء الشعب البسطاء. وسيكون من المناسب لو أن الناس المتضررين يقررون يوماً فتح مدارس في الهواء الطلق أمام تلك المدارس المتطورة التي يدرس فيها أبناء المسؤولين والأعيان، والتي لا يزيد فيها عدد التلاميذ عن 20 تلميذاً، وكأنّهم خُلقوا من نور وأبناء باقي المواطنين خُلقوا من نار." (13)


وتقول طالبة عربية هاجرت إلى أمريكا للعمل والدراسة، في مقال نشرته في أحدى الصحف:

" كم هو مُهين أن تترك الوطن الذي وُلِدتَ فيه وقدَّم والدك حياته وصحته حطبا لمحرقته، وأن تضطر في النهاية إلى هجرته بحثاً عن عمل يحترم كرامتك وآدميتك دون أن يساومك أحد على شرفك أو يطلب منك رشوة...هذه المرارة تشعرك بحنق كبير بسبب تلك السنوات الطويلة التي قضيتها جالساً على مقاعد الدراسة [في بلادك] والتي كان يتم خلالها حشو دماغك بالمقررات العربية البائدة، فيما أولاد من يتحكّمون في البلاد يتابعون تعليمهم في مدارس البعثة الفرنسية [والأمريكية] أو يحتكرون مقاعد المعاهد الخاصة في كندا وأمريكا." (14)


ويحرِم كثيرٌ من متوسطي الحال أنفسَهم وعائلاتهم من كثيرٍ من الضروريات ليدفعوا أجور المدارس الأهلية الباهظة وأجور الساعات الإضافية من الدروس الخصوصية، علّهم يضمنون مستقبلاً أفضل لأطفالهم، لأن المدارس الحكومية لا تؤهِّل الأطفال لسوق العمل. على حين أنَّ الحق في تعليم ذي مواصفات جيدة على حساب الدولة هو حق لجميع المواطنين، وواجب على الدولة، ومنصوص عليه في جميع دساتير البلدان العربية. واجب التعليم الأساسي لجميع الأطفال، وليس 90 بالمائة منهم، ولا 95 بالمائة منهم. وبعبارة أخرى، ينبغي أن تتوافر في المدرسة الحكومية جميع مواصفات الجودة وتخضع لتقييم مستمر وتحسين متواصل (15).


 ولهذا كله، يرى كثيرٌ من المثقفين العرب، أن الدول المُستعمِرة منحت البلدان العربية استقلالً مشروطاً بالتبعية نقلها من "الاستعمار الخارجي" إلى "الاستعمار الداخلي". فمنذ أكثر من نصف قرن، استأثرت الطبقات الحاكمة الجديدة التي وصل معظمها إلى الحكم عن طريق الانقلابات العسكرية، بالمعرفة والسلطة والمال، وتحالفت مع الاستعمار القديم ومع السوق العالمي، وعملت فجوة بينها وبين شعوبها وأفقرتها، وحكمتها بالقوة والقهر، وحرمت بلدانها من البنيات التحتية ومواطنيها من الخدمات، وسرقت ثرواتها ونقلتها إلى بنوك الغرب. واستغلت النظام التربوي الطبقي لتكريس نفسها في مراكز السلطة والقوة والمال وتوريثها لأبنائها(16).


إن تعليم العلوم بلغة أجنبية لا يتقنها الطلاب ولا يمتلكونها، يؤدّي إلى أن يكون التعليم مجرد نقل معلومات وإملائها من الأعلى (الأستاذ) إلى الأسفل (الطالب) وحفظها عن ظهر قلب وتنفيذها أي كتابتها في الامتحان. وهذا يلائم ويكرّس النظام السياسي الاقتصادي التسلطي: أقلية قاهرة تُملي، وأغلبية مقهورة تُنفِّذ. وهذا النوع من التعليم لا يساعد على تنمية الحوار ولا على التفكير الحرِّ والإبداع. فنحن نفكّر باللغة، فكيف نستطيع التفكير بحرية بلغة لا نجيدها ولا نتكلمها بطلاقة ولا تشكل جزءاً من منظومتنا المفهومية؟؟


ولا شك في أن الانتفاضات أو الثورات العربية في ما سمّي بالربيع العربي سنة 2011 تعبيرٌ عن الفجوة الكبيرة بين تطلعات الشباب إلى المعرفة والحرِّيَّة والكرامة والمساواة، وبين نظامٍ طبقيٍّ يحصر السلطة والمال في أيدي نخبة صغيرة بصورة متوارثة، ويستخدم الترهيب والعنف لتخويف الشعب وإخضاعه، ونهب خيراته. ويرى بعض المفكرين العرب أن امتهان كرامة المواطنين بفرض لغة أجنبية عليهم وتهميش لغتهم الوطنية هو أحد الأسباب الكامنة وراء هذه الثورات. فتهميش اللغة الوطنية لصالح اللغة الأجنبية في الإدارة والتعليم والحياة العامة صيانةٌ للإرث اللغوي الثقافي الاستعماري دليلٌ على عدم إدراك فلسفة المجتمع وتراثه وثقافته عموماً،  وفي هذا يقول المفكر التونسي محمود الذوادي:


" فمناداة بورقيبة وبن علي بصيانة الإرث اللغوي الثقافي الفرنسي على حساب لغة البلاد وثقافتها هي شهادة على ضعفِ وقصورِ رؤيتهما للوطنية الحقيقية. فالدستور التونسي يعلن في بنوده الأولى أن اللغة العربية هي اللغة الوطنية للمجتمع التونسي المستقلّ." (17).


 وباختصار، فإنَّ الأنظمة التعليمية في البلدان العربية، أنظمةٌ غيرُ ديمقراطيةٍ لا توفِّر تكافؤ الفرص أمام الأطفال، وإنَّما تكرّس الطبقية الاجتماعية وتعيد إنتاجها وتحصر المعرفة في نُخبةٍ متوارثةٍ ( قارن ذلك مع كوريا التي تتكفَّل الدولة بتطبيق التعليم الإلزامي، وتوفير المدارس الجيدة لأبناء الشعب باللغة الكورية المشتركة من رياض الأطفال حتى البحث العلمي على حساب الدولة، والمدارس الأجنبية الموجودة في سيئول هي لأبناء الجاليات الأجنبية، وليس للأطفال الكوريين. " كيف نترك لمدرسةٍ أجنبيةٍ تربيةَ أبنائنا الكوريين وإعداد قادتنا؟" كما قال لي أحد المسؤولين في سيئول)

الهدر المدرسي والأمية:

 

الهدرُ المدرسيُّ هو أحد منابع الأُمِّية في البلدان العربية. تشير الدكتورة رشيدة برادة إلى أنَّ مفهوم الهدر المدرسي لا يقتصر على مغادرة التلاميذ مقاعد الدراسة قبل إتمام المرحلة المسجلين فيها، خاصَّة مرحلة التعليم الأساسي، وإنّما يشمل كذلك " التأخر الدراسي، والتخلف الدراسي، والتقهقر الدراسي، والتعثّر الدراسي، والفشل الدراسي، والرسوب الدراسي (التكرار)، والانقطاع الدراسي" (18). وتضرب مثلاً في الرسوب المدرسي (التكرار) الذي ينطبق على 13 % من تلاميذ المرحلة الابتدائية في المغرب، أي ربع مليون تلميذ تقريباً، ويزداد التكرار في المراحل الدراسية اللاحقة. وهؤلاء التلاميذ الراسبون يحرمون غيرهم من الأطفال في ولوج التعليم الابتدائي.


  وتذكر الدكتورة رشيدة برادة إلى أنَّه يمكن تلخيص أسباب الهدر المدرسي في ما يأتي:

1) عدم تكافؤ الفرص بين التلاميذ في المدرسة الابتدائية، فبعضهم يأتي من عوائل متعلمة وقد أمضى سنتين في رياض الأطفال في حين يأتي بعضهم الاخر من عوائل محرومة ولم يتعلموا في رياض الأطفال من قبل.

2)  الصعوبات العائلية

3)  التكلفة المالية للتمدرس التي لا تطيقها كثير من العوائل.

4)  عمل الأطفال الناتج من عوز عوائلهم وحاجتها إلى مساعدة الأطفال في المزرعة أو إلى دخل عملهم.

5)  بُعد المدرسة عن السكن

6)  التكرار لأكثر من مرة.

7)  العادات الاجتماعية التي تعدّ البيت مكان البنت الطبيعي (19) .


وتكاد جميع الكتب التربوية التي تتناول الهدر المدرسي تذكر هذه الأسباب في طياتها. ففي كتاب صدر حديثاً بعنوان " الهدر المدرسي: الأسباب والعلاج" للتربوي حمد الله اجبارة، يطرح المؤلِّف في المقدِّمة الأسئلة التالية لينطلق منها إلى اسباب الهدر المدرسي:


" ـ هل له علاقة مباشرة مع المتعلّم الذي لا يملك القدرات الكافية واللازمة لمتابعة مساره الدراسي بصفة سليمة؟

ـ هل المدرس هو المسؤول عن فشل المتعلِّم ... لأنَّ الأستاذ لم يهتمَّ بميولاته وحاجياته...؟

ـ هل العرض التربويُّ بكلِّ ما يشمله من بنياتٍ تحتيةٍ، ووسائلَ تعليميةٍ، وحجرات درس...كافٍ لتيسير المهمَّة للمدرِّس...؟

ـ هل المُقرَّرات الدراسية هي السبب الرئيس في الهدر المدرسي؟ (20)

  في الوقت الذي نتفق مع زملائنا الأفاضل في هذه الأسباب، فأننا نعدّها نتائج للسياسات العامة، وغياب الحكامة الرشيدة التي تعمل على تكافؤ الفرص بين جميع الأطفال، سواء كانوا في المدن أو في القرى. فالدولة مسؤولة عن التعليم الإلزامي المجاني الجيد لجميع أبنائها، وهي ملزمة بتهيئ أسبابه، ولا يجوز لها أن تتخلى عن هذا الواجب للمدارس الأجنبية أو القطاع الخاص الذي يتوخَّى الربح.


    فمن المعروف، مثلاً، أنَّ الهدر المدرسي في البلدان العربية يكون أكبر وأخطر في القرى والبوادي، وذلك للنقص الفادح في الخدمات الضرورية، كالطرق والمواصلات، والخدمات الصحية (الماء، والكهرباء، والصرف الصحي، والسكن اللائق، والمرافق الصحية، إلخ.)، والخدمات الطبية (المستوصفات، والمستشفيات، والصيدليات، والأطر الطبية، والتجهيزات الطبية، إلخ.). إن سوء تغذية الطفل في عائلته المعوزة وحاجة أهله لعمله ما يؤدي إلى انقطاعه من المدرسة، هو من مسؤوليات الدولة.  فالرجل العاطل الذي لا يستطيع القيام بمصاريف طفله المدرسية (حتى لو كان التعليم مجانياً، فهناك مصاريف للتلميذ تتحملها العائلة)، هو من مسؤولية الدولة، لأنَّ الحقوق الاقتصادية التي تكفلها دساتير الدول العربية تلزم الدولة بتقديم تعويض بطالة لهذا الرجل حتّى تجد له عملاً أو تدرّبه للقيام بعمل آخر يحتاجه السوق. ومعروف أنَّ كثيراً من الدول التي تتبع سياسات التنمية البشرية تقدِّم وجبات غذائية جيدة للأطفال في مدارسهم.


   إن حقوق الإنسان الطبيعية والمدنية والسياسية والاقتصادية، مترابطة متلازمة يؤثّر بعضها في بعض. وتطبيق بعضها وإغفال بعضها الآخر يؤدّي إلى عرقلة التنمية البشرية المنشودة.

الدافع لدى المتعلمين:

    على الرغم من أن الدافع أو التحفيز الذاتي لدى المتعلِّم هو من موضوعات علم النفس التربوي ، فإن الدراسات التربوية التي تتناول محو الأمية قلما تتطرق إليه. إن الدافع الذي نتحدث عنه هنا هو الشعور الذي يداخل التلميذ أو المنخرط في برامج محو الأمية بأن ما يتعلمه مفيد له عملياً، وسيؤدي إلى ترقية وضعه الاجتماعي، وهذا ما  يُطلق عليه " محو الأمية الوظيفي".

    إنَّ مدارسنا وبرامج محو الأمية في بلداننا ورثت من النظام التربويِّ الاستعماريِّ نظرته الدونية للعمل اليدوي. فاقتصرت برامجنا على الجانب النظري من التعلُّم دون التطبيق العملي أو تعلُّم المهن اليدوية التي تعود بالنفع على المتعلِّم. ويرى مختار أمبو المدير العام لليونسكو الأسبق أنَّ تخلّف التنمية في البلدان الأفريقية ناتج عن فشل أنظمتها التربوية في تحقيق الأهداف. ويعزو هذا الفشل إلى عامليْن رئيسيِّيْن:

الأوَّل، عدم " استعمال اللغات الأفريقية " الوطنية في التعليم أيّ لغات تلقين.

الثاني، عدم " الربط بين المعرفة النظرية واكتساب المعرفة العملية والتربية الأخلاقية والوطنية"(21).

(لعل السيد أمبو لم يتوصَّل إلى هذا الاستنتاج عندما كان وزيراً للتربية في السنغال، أو لعل مستشاريه الأجانب آنذاك نصحوه بالتعليم باللغة الفرنسية).


 وفي بلداننا العربية، تقتصر برامج محو الأمية على تعليم المنخرطين فيها القراءة والكتاب ومبادئ الحساب باللغة العربية. ولكن اللغة الإنكليزية أو الفرنسية، هي اللغة الوظيفية في مجتمعاتنا. ولهذا فإن برامج محو الأمية لا نفع فيها. وإصلاح الأمر يتطلَّب منا إما أن نمحو الأمية باللغة الإنكليزية أو الفرنسية، وإما أن تعتمد دولنا اللغة العربية لغة الإدارة والتعليم والتجارة والحياة العامة.


والتلاميذ في المدارس العربية الحكومية، يعلمون هم وأهلهم إنهم حتى لو تخرجوا في الجامعة فإنهم لا يحصلون على عمل لأنهم لا يجيدون اللغة الأجنبية. فلماذا يواصلون السنوات في تعلم لا ينفع. وهكذا فإن الدافع للتعلم لديهم سيضمحّل، ويحصل التكرار والهدر المدرسي والأمية.


خلاصة واستنتاجات:

لا يمكن حصر عملية محو الأُمّية في تعليم الأمِّيِّين القراءة والكتابة. فهذه العملية ينبغي أن تكون عملية تغيير اجتماعي وعملية تحرير الفقراء من الجهل والمرض والفقر والقهر. إنها عملية ترتبط بجميع السياسات العامة للدولة: الثقافية والاقتصادية والصحية  والقضائية وغيرها. وما لم تتكامل هذه السياسات وتتضافر جهودها لتحقيق أهداف محدَّدة، فإن التنمية البشرية تبقى حلماً بعيد المنال. وبعبارة أخرى إن محو الأمية مرتبط بحرص الدولة على الأخذ بالديمقراطية منهجاً وتطبيقاً، وتحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، وصيانة حقوق الإنسان الطبيعية والمدنية والسياسية والاقتصادية.


إن معظم المواطنين العرب، صغاراً وكباراً، يعوزهم الدافع والحافز الذاتي للالتحاق بالمدارس وبرامج محو الأمية، لإدراكهم بأنها لا تؤثِّر في فرصهم المستقبلية ولا تُحدِث تغييراً يُذكر في مستوى معيشتهم، تماماً مثل عدم إقبالهم على صناديق الاقتراع بكثافة، لأنهم يعرفون مسبقاً أن أصواتهم لا تقرر، حقّاً، الفائز بالانتخابات، ولا قيمة لها على مستوى القرارات الاستراتيجية التي تتخذها الحكومات.


نحن في حاجة ماسة إلى الإطاحة بالأنظمة التربوية والهياكل التعليمية التي ورثناها من المستعمِر، والتي تكرّس الطبقية الاجتماعية وتعيد إنتاجها، وتعتمد لغةً أجنبيةً لغةَ تعليمٍ، ما يعرقل التواصل ونقل المعرفة بيسر وسرعة. ينبغي إقامة نظام تربوي جديد يتيح ديمقراطية التعليم، وعدالة توزيع المعرفة، وتكافؤ الفرص أمام أبناء المواطنين، وحرِّيَّة انسياب المعلومات، وممارسة التعلُّم الذاتي. وهذا لا يمكن تحقيقه ما لم تنتهج حكوماتنا السياسات اللازمة لتحقيق التنمية البشرية الشاملة، واعتماد اللغة الوطنية المشتركة  في التعليم بجميع مراحله وتخصصاته ومستوياته، لإتاحة نشر المعرفة على أوسع نطاق.*    

 

بقلم: الدكتور علي القاسمي

 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • قدّمت في اليوم الدراسي حول محو الأمية والتنمية البشرية الذي نظمه المعهد الجامعي للبحث العلمي بالرباط يوم 20/11/2011

الهوامش:

(1)     برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية البشرية 2010 ( نيويورك: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2010) أنظر تصنيف البلدان على الغلاف الخلفي.

(2)     نبيل علي ونادية حجازي، الفجوة الرقمية (الكويت: عالم المعرفة 318، 2005)، ص 7ـ 25.

(3)     برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، المرجع السابق، ص 85 ـ 90.

(4)     برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، تقرير التنمية الإنسانية العربية  للعام 2002 (نيويورك: المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2002)

(5)     امحمد مالكي (المنسق)، حلقة نقاشية حول تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002 (مراكش: مركز الدراسات الدستورية والسياسية، جامعة القاضي عياض، 2004)

(6)     نبيل علي ونادية حجازي، الفجوة الرقمية، مرجع سابق، ص 11ـ 15..

(7)     http://www.marefa.org/index.php

(8)     معهد الدراسات التربوية بجامعة القاهرة، تخطيط وتنفيذ وتقويم برامج محو أمية الفتاة الريفية: برنامج تدريبي ( تونس: الألكسو، 2008) ص 5ـ6.

(9)     مسعود عكو " الأمية في العالم العربي: أزمة حقيقية وحكومات لا مبالية" في www.thara-sy.com

(10)  محمد جسوس، رهانات الفكر السوسيولوجي بالمغرب ( الرباط: وزارة الثقافة، 2003) ص 105 ـ 140.

(11)  اليونسكو، نتعلّم ونعمل ( باريس: اليونسكو، 1983) ص. 19.

(12) Dr. Talib Kafaji, Arab Psychology ( New York:                , 2011)  

(13) عبد الله الدامون، " عانوا مثلنا وستفهمون" في جريدة (المساء) المغربية، العدد 1545، بتاريخ 10ـ11/9/2011.

(14)  فدوى مساط، " موعد مع العم سام" في جريدة (المساء) المغربية، العدد 1600 ، بتاريخ 16/11/2011.

(15) عبد الله الخياري، " الحق في مدرسة عمومية بمواصفات الجودة"، في مجلة علوم التربية، العدد 48 (يوليوز 2011) ص 5ـ8.

(16)  أنظر مثلاً الحوار الذي أجرته جريدة " القدس" مع الشاعر والناقد المصري الدكتور حسن طلب يوم 22/8/2011

(17) محمود الذاودي، " أيُّ معنىً للثورة التونسية دون استرجاعها للسيادة المفقودة؟" في مجلة " الحياة الثقافية " التونسية، العدد 220 فيفري/ مارس 2011،  عدد خاص: الثورة التونسية وإعادة التأسيس، ص 10.

(18) رشيدة برادة، " الهدر المدرسي وتدابير المخطط الاستعجالي للحدّ منه" في مجلة علوم التربية، عدد (48  (يوليوز 2011) ص 92 ـ 103.

(19)  المرجع السابق.

(20)  حمد الله اجبارة، الهدر المدرسي: الأسباب والعلاج ( الرباط: منشورات مجلة علوم التربية، 2011) ص 66. ويتبع المؤلّف الفاضل هذه الأسباب بعبارة " نحن لا ننكر تأثير المحيط السوسيو اقتصادي".

(21)   اليونسكو، نتعلم ونعمل، مرجع سابق، ص 19.








تعليقات الزوّار
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها


1- ازيلال

مكونة

انا مكونة في برامج محو الامية بازيلال كل ستة ياكل عرقنا المسمى...............الرئيس الابدي لجمعية............................حين تصل المستحقات المالية يتواطؤ مع صديقته الامينة ويوقعنا التزام تسلم المستحقات المالية به المبلغ احقيقي المفروض ان نتسلمه لكن في الحقيقة نتسلم جزء منه والباقي ياخذه دون وجه حق ويهددنا ويصرخ في وجهنا ولمسؤولين في النيابة يعلمون بسرقته لكنهم في صفه لانه يشتري لهم كما يقول الناس الخمر من مرجان ويهدد انه له علاقات مع المسؤولين ولا يخاف احد في حين هذا المسؤول بالجمعية لامستوى دراسي محترم يملكه ولا اخلاق يتحلى بها فمن الشارع الى الاشراف على محو الامية وللاسف ينتحل صفة.........ويعتقد انه مثقف وتاريخه يعرفه اناس كثيرون .في حين قالت لي صديقة انه ضحك عليها في ................كما لعب بشرف الكثيرات مقابل عمل بالجمعية التي لانظام تخضع له والرئيس دائم ولاجموع قانونية واني هجرت عمله ليس بتوقيعنا التزام كلي عن مبالغ لم اتسلمها ولكن لانه طلبني للفراش.

في 31 غشت 2014 الساعة 38 : 13

أبلغ عن تعليق غير لائق


2- محو الامية

متتبع لحقل محو الامية

للاسف برامج محو الامية لاتصل الى مبتغاها رغم توفرهم على مستوى عليمي عالي فاملكون العديد من مكوني برامج محو الامية لايفقهون في دراسة برامج تعليم الكبار وهمهم الوحيد هو المال وليس تدريس فصول محو الامية ، وغالبية هؤلاء ياتون بلوائح وهمية من اجل توفرهم على مبالغ مالية وعندما تكون زيارة للجنة تراهم مثل الافافيش في الظلام يخافون من اللجن .
بمعنى اخر بحكم التجرة فشل البرنامج يعود بالاساس الى المكونين وليس الجمعيات

في 31 غشت 2014 الساعة 11 : 19

أبلغ عن تعليق غير لائق


3- الخلط بين المكونة والفراش

متتبع

تعليق الاول متناقض مرة التزام بالمستحقات كاملها مرة اخرى الفراش مامعنى هذا هل تتكلمني عن المستحقات المالية ام عن الفراش مما يعني ان الرد يحمل في طياته كثيرا من البهتان والكدب مرة اخرى حداري من الكدب
فاني متتبع للمقال والرد ولحضت الخلط في المستحقات والفراش هل انتي مكونة ام بائعة الهوى

في 31 غشت 2014 الساعة 50 : 22

أبلغ عن تعليق غير لائق


[email protected]

 

 التعليق يجب أن يناقش موضوع المادة

 

 

 

 

 

أضف تعليقك على الموضوع
* كاتب التعليق
* عنوان التعليق
  * الدولة
* التعليق



سقوط القدافي .. نهاية حتمية لجبهة البوليساريو الانفصالية

برايان شوكان سفيرا جديدا للولايات المتحدة الامريكية بالمغرب

وسائل الإعلام التقليدية لا تعبر عن الشباب المغربي

مسيحيون وإسلاميون يرفضون 11 سبتمبر "يوما عالميا لحرق القرآن"

وزير الخارجية المصرى أول مسؤول عربى يزور طرابلس

حملة مغربية لمكافحة الفساد

بوتفليقة يحاول إنقاذ نظامه باللعب بين «المحاور» داخلياً وخارجياً

المخابرات الغربية والقذّافي: معلومات في مقابل مال ونفط

إسرائيل تدخل ورطتها الكبرى

جلالة الملك يترأس افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الثامنة

بيان الشبيبة الإتحادية حول الحوار الوطني مع الشباب بأزيلال

التربية على المواطنة وحقوق الانسان ثقافة وسلوك

العلاقة بين التنمية البشرية ومحو الأمية.. فشل برامج محو الأمية في البلدان العربية

علاقة المغرب و إيران في سلم وأمان

سابقة سياسية بالمغرب.. بن حمو تطالب بالتحقيق في العلاقة بين البام ومركز الدراسات ابن رشد

المساهمة في تحسين ظروف الأمن بالوسط المدرسي موضوع لقاء تشاوري بالمديرية الإقليمية للتربية بتطوان

داخل عيادة الجزائر !!

تجار الدين والاستثمار في الغفلة

حقوقيو العدالة والتنمية منقسمون حول الموقف من قضية بنحماد والنجار

مجتمعنا الذي لا يفكر...





 
القائمة الرئيسية
 

» الرئيسية

 
 

»  كاريكاتير

 
 

»  صوت وصورة

 
 

»  مجتمــــــــــــــــع

 
 

»  سياســــــــــــــة

 
 

»  تكافـــــــــــــــــل

 
 

»  اقتصـــــــــــــــاد

 
 

»  سياحـــــــــــــــة

 
 

»  وقائــــــــــــــــــع

 
 

»  وطنيـــــــــــــــــة

 
 

»  رياضــــــــــــــــة

 
 

»  حـــــــــــــــوادث

 
 

»  بيئــــــــــــــــــــة

 
 

»  جمعيــــــــــــات

 
 

»  جـــــــــــــــــــوار

 
 

»  تربويـــــــــــــــــة

 
 

»  ثقافــــــــــــــــــة

 
 

»  قضايـــــــــــــــــا

 
 

»  ملفــــــــــــــــات

 
 

»  من الأحبــــــــــار

 
 

»  جــهـــــــــــــــات

 
 

»  مواقـــــــــــــــف

 
 

»  دوليـــــــــــــــــة

 
 

»  متابعــــــــــــــات

 
 

»  متفرقــــــــــــات

 
 
أدسنس
 
سياســــــــــــــة

أوزين و"الطنز العكري"

 
تربويـــــــــــــــــة

أزيلال: المدرسة العتيقة سيدي إبراهيم البصير تحتفي بأبنائها المتفوقين دراسيا في حفل التميز

 
صوت وصورة

ما هذا المستوى؟


الندوة الصحافية لوليد الركراكي قبل لقاء منتخب أنغولا


استمرار بكاء الصحافة الإسبانية على إبراهيم دياز


مدرعات سريعة وفتاكة تعزز صفوف القوات البرية المغربية


تصنيف الفيفا الجديد للمنتخبات

 
وقائــــــــــــــــــع

صدمة كبيرة بعد إقدام تلميذ على الانتحارداخل مؤسسته التعليمية

 
مجتمــــــــــــــــع

مع اقتراب عطلة العيد..المغاربة متوجسون من رفع أسعار تذاكر الحافلات

 
متابعــــــــــــــات

لا زيادة في أسعار قنينات الغاز بالمغرب في الوقت الراهن

 
البحث بالموقع
 
 شركة وصلة