عبد الاله بنكيران ... هل فعلا أهان المرأة ! ؟
" يتمتع الرجل و المرأة ، على قدم المساواة ، بالحقوق و الحريات المدنية و السياسية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية ، الواردة في هذا الباب من الدستور ، و في مقتضياته الأخرى ، و كذا في الاتفاقيات و المواثيق الدولية ، كما صادق عليها المغرب ، و كل ذلك في نطاق أحكام الدستور و ثوابت المملكة و قوانينها " : الفصل 19 من الدستور المغربي .
(1)
اهتزت الساحة الإعلامية المغربية اهتزازا، و انتفضت "انتفاضة كبرى" جراء تصريح صدر عن رئيس الحكومة المغربية، حول الأدوار المجتمعية للمرأة، و الوظيفة الرفيعة للأمهات في تربية أجيال المستقبل. بل إن الأمر لم يقتصر على التعبير عن المواقف الشخصية في وسائل الإعلام المختلفة، بقدر ما انه تجاوز ذلك إلى تنظيم "وقفات" احتجاجية أمام مبنى البرلمان من قبل "فعاليات نسائية و حقوقية" للتنديد ب"تهريج" رئيس الحكومة و"خطيئته العظمى" ! و من المثير للاستغراب و الشفقة في الآن عينه أن جل "المقالات الإعلامية" التي اهتمت بالموضوع لم تكلف نفسها أن تستحضر بأمانة كلام رئيس الحكومة ، و السياق العام الذي قيل فيه ! كما توصي بذلك أدبيات الفكر الديمقراطي و الحداثي المتعارف عليها كونيا ، بعيدا عن نزعات التحامل المغرض و الميل الممنهج إلى آليات التسفيه و الحذف و الإنكار و التحريف و الإسقاط ... رغبة في إلحاق الهزيمة ب"العدو" و"محوه" من الوجود ! فماذا قال عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة الائتلافية المغربية ، و زعيم الحزب الإسلامي المعتدل : العدالة و التنمية ، كي يقوم "حداثيو"المغرب و لم يقعدوا ، و يملؤوا الدنيا و يشغلوا الناس بمزاعم سياسوية بالغة التهافت ؟
(2)
عبر رئيس الحكومة المغربية عن وجهة نظره حول وظيفة المرأة و دورها المحوري في الأمومة و تربية أجيال المستقبل ، أثناء جلسة مجلس المستشارين ذات الصلة بموضوع : قضايا و انتظارات المرأة المغربية في برامج و سياسات الحكومة ، قائلا :( عندما خرجت النساء بالمغرب إلى العمل انطفأت البيوت ... و في الواقع الراهن تخرج النساء للعمل ، و يضطررن للعودة إلى البيت في أوقات متأخرة ... ما يفرض على الأولاد صغار السن تدبر أمورهم بأنفسهم اعتمادا على إمكانياتهم الذاتية ) . و على الرغم من كون عدد كبير من المسؤولين في مجال السياسة و الفكر الدوليين و العرب يقاسمون رئيس الحكومة المغربية نفس التصور إزاء الوظيفة الجوهرية للمرأة ، إلا أنها تبقى مجرد وجهة نظر موسومة بالنسبية و الذاتية و ليست ملزمة أو قانونا أزليا مقدسا . و بالتالي يبقى من حق أي كان أن يختلف أو يتفق مع هكذا رأي في إطار احترام التعددية و الاختلاف و التسامح و الانفتاح على الآراء المتنوعة ، انسجاما و منطوق أدبيات الحداثة العالمية ! و الواقع أن تصريح عبد الإله بنكيران قد يحيل على أكثر من دلالة أقلها المكانة المرموقة التي تحظى بها المرأة داخل البناء الأسري ، فهي مبعث النور و الحنان و الجمال و الرقة ، كما أنها رمز للعطاء و الاجتهاد و الإبداع في شتى الميادين الإنسانية ، مما يستدعى إيلاؤها عناية مخصوصة من قبل الزوج و الأسرة و المجتمع ، خاصة إذا كانت تشتغل خارج بيتها تروم ، إلى جانب شقيقها الرجل ، خدمة وطنها و بلدها و بناء عالم الغد ! فما هي إذن الأسباب الحقيقية وراء الهجمة "الحداثية" الشرسة ضد زعيم الحزب المغربي الأول : العدالة و التنمية ؟
(3)
ندرك الأخطاء الجسيمة التي يرتكبها الطاقم الحكومي ، المكون من عدة أحزاب متباينة فيما بينها سياسيا و أيديولوجيا وعقديا ، أبرز هذه الأخطاء الاستئساد على الفئات الاجتماعية الفقيرة ، عبر اتخاذ قرارات تمس في العمق القدرة الشرائية للمواطن المغلوب على أمره ، مع تفادي مواجهة الفئات "المحظوظة" و الخوف من اللعب مع "التماسيح و العفاريت" الفاسدة و المستبدة ، و الانشغال بدل ذلك بخوض المعارك المصطنعة و المختلقة من قبل بائعي الأوهام ... و ندرك في نفس اللحظة أن الهدف الأسمى لخصوم الحزب الإسلامي "الحاكم" هو استعداؤه و الانقلاب عليه و تصفيته معنويا ، ليصفو لهم الجو للانتخابات الجماعية القادمة و توجيه الضربة القاضية للعدالة و التنمية التي يظل حسب المراقبين المحايدين شوكة في حلق أدعياء "الليبرالية" و اليسار "الديمقراطي الحداثي" . يمكن القول دون الخوف من السقوط في المبالغة إن الحزب السياسي المغربي الذي قدر المرأة و رفع من مكانتها هو حزب العدالة و التنمية الذي عين نسيمة الحقاوي ( و هي امرأة ! ) وزيرة التنمية الاجتماعية و التضامن و الأسرة ، في حين ظلت الأحزاب الأخرى " " اليسارية و اليمينية " محجمة عن إسناد الحقائب الوزارية ل"مناضلاتها" و أطرها من النساء ! و اقتصرت على "الدفاع" عن المرأة داخل القاعات المكيفة و الفنادق المصنفة و الفضائيات التلفزيونية الباحثة عن الإثارة .
إن أحسن طريقة لمواجهة رئيس الحكومة المغربية تكمن في نهج سبيل المعارضة السياسية الوطنية الديمقراطية البناءة ، للتنبيه لأوجه القصور و مواطن الضعف في أداء الحكومة ، و مدى التزام هذه الأخيرة ببرنامجها و وعودها الإصلاحية سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا ... كل ذلك في ضوء من النضج الفكري و الرؤية المنهجة المحكمة و اللغة التواصلية الرفيعة ، و النموذج الراقي في التعاطي مع قضايا الأمة و المجتمع مع القطع مع النزعات الكيدية و النقد الأعمى و الرغبة المرضية غير المنقطعة في تبخيس الإنجازات رغم قلتها ، و الهرولة نحو اصطياد بعض الهفوات و النفخ فيها بطريقة غير شريفة ، و إلا فلن يكون هذا العداء المنهجي لمنجز رئيس الحكومة سوى خدمة بالغة الأهمية لمسيرته الحكومية ، و حملة انتخابية في صالح حزب العدالة و التنمية في مقبل الاستحقاقات الوطنية !!
الصادق بنعلال – كاتب من المغرب
[email protected]