التقدم والاشتراكية : مقتطفات من تقرير المكتب السياسي
إن حزب التقدم والاشتراكية يسجل بإيجابية سلامة المناخ العام الذي جرت في ظله الانتخابات الأخيرة وما ميزها على العموم من شفافية وحسن تنظيم , لكنه مع ذلك يلاحظ بقلق شديد استمرار آفة المتاجرة في الأصوات , وانتشار الجرائم الانتخابية بالاستعمال الكثيف للمال لشراء الأصوات واستمالة الناخبين بالعطايا والوعود ، والتوظيف غير المشروع لمكانات الدولة والجماعات المحلية من قبل بعض المترشحين .
كما يسجل حزب الكتاب التقدم المهم الحاصل على صعيد نسبة المشاركة في التصويت والبالغة 45 في المائة , وذلك في سياق جهوي ووطني بالغ التعقيد , يتميز بالقلق والحيرة والرفض , والنداءات الصريحة للمقتطعة في إطار جو الحرية والديمقراطية الذي تعيشه بلادنا .
ويسجل حزب التقدم بارتياح تمكن أحزاب الصف الوطني الديمقراطي على العموم ,وبدرجات متفاوتة, من الصمود بالرغم من أثر المساهمة الحكومية , وهو مايشكل أفضل جواب للشعب المغربي على من كانوا يتوقعون تراجعا كبيرا لهذه الأحزاب , وعلى ذلك التحالف الهجين , الذي كان يطمع في تصدر المشهد السياسي الوطني . وهكذا حافظ الحزب على مواقعه رغم كيد الكائدين , إذ استطاع مقارنة مع انتخابات 2007 , أن يتقدم من حيث عدد المقاعد , محصلا على 18 مقعدا من مجموع المقاعد التي يتألف منها مجلس النواب , والبالغة عددها 395 مقعدا , ضمنها 12 مقعدا عن الدوائر الانتخابية المحلية و6 مقاعد عن الدائرة الانتخابية الوطنية " 4 مقاعد للنساء ومقعدان اثنان للشباب . كما تقدم الحزب من حيث عدد الأصوات المحصل عليها " 270 ألف صوت مقابل 240 ألف " وعلى مستوى النسبة العامة .
لقد أفرزت الانتخابات الأخيرة خريطة سياسية جديدة يتعين تحديد موقف الحزب منها بأن نجيب بشكل صريح عن سؤال جوهري ومصيري أين يجب أن يتموقع حزب التقدم والاشتراكية اليوم ,وما موقفه من المشاركة في الحكومة المقبلة من عدمها ؟.
لقد نظم المكتب السياسي للحزب غداة الإعلان عن نتائج اقتراع 25 نونبر الماضي , أربعة اجتماعات، أخذ من خلالها الوقت الكافي لإجراء نقاش عميق , رصين , مسؤول , وفي جو رفاقي عال , للسعي إلى الأمام بكل تعقيدات الموضوع وتشعباته , ولا أحد بوسعه أن يجادل في واقع أن الموقف غير سهل على الإطلاق , كما لايمكن لأي عاقل أن يقول بوجود حقيقة مطلقة ,وانطلاقا من نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة هناك من يعتبر أنه يتعين على حزب التقدم والاشتراكية أن يعود إلى موقع المعارضة ,وأن يراجع ذاته, ويعمل على تقوية شوكته وأن يتموقع حيث يمكنه التوجه الحكومي الذي سيسود في الفترة المقبلة ويذهب هذا الرأي إلى القول , بأن الكتلة الديمقراطية قد انتهت , وبأن الاتحاد الاشتراكي قاموا باختيار خندق المعارضة , وبالتالي اقتفاء أثرهم لمواصلة المساعي من أجل إنجاز مشروع قطب يساري قوي يدافع عن مشروع مجتمع حداثي حقيقي .كما أن الذهاب إلى المعارضة يكون أسهل من اختيار المشاركة في الحكومة على أساس برنامج حكومي مضبوط , يتجاوب في جوهره مع توجهاتنا ومن شأنه ان يتيح إمكانية الدفاع عن مكتسباتنا بل وتكريسها ولم لا توسيعها , فخيار المشاركة إذن لايطرح إلا في سياق ربطه وجوبا بتوفر نوع من " دفتر تحملات " يكون في التعهد بتنفيذه التزام واضح بمواصلة الإصلاحات وتنزيل المضامين المتقدمة للدستور الجديد تنزيلا ديمقراطيا وفعليا. وفي هذا الصدد كانت تأكيدات رئيس الحكومة المعينة واضحة خلال المشاورات الأولية التي أجراها مع وفد القيادة الوطنية للحزب عن رغبته في صياغة برنامج حكومي بشكل تشاركي وفي وضع الهندسة الحكومية الجديدة والأهداف المتوخاة منها اعتمادا أيضا على المقاربة التشاركية .
إن الخمس سنوات المقبلة ستكون فاصلة في ما يتعلق بتنزيل المضامين المتقدمة للدستور الجديد والموقع الحكومي سيكون على درجة كبيرة من الأهمية للأثير على مسار الأمور في هذا الاتجاه بالذات , كما أنه إذا قرر الحزب المساهمة في التجربة الحكومية الجديدة , فإنه لن يفعل إلا في إطار تصريح مبدئي يؤسس لتعاقد حكومي يضع , بما يلزم من وضوح الأهداف المتوخاة من هذه التجربة , ويحدد المبادئ الأساسية والمؤسسة التي ستعمل الحكومة الجديدة على احترامها , بل التقيد بها , والحرص على صيانتها .
واليوم يؤسفنا أن يكون موقف الكتلة الديمقراطية متباينا , وعلى غير ماكنا نريده له من تماسك . والوقائع تشهد بأن لامسؤولية لنا في ما يحصل , فقد بدلنا أقصى الجهود من أجل أن تظل الكتلة قائمة , ولكي تواصل أداء مهمتها في تكيف مع التطورات والمستجدات . كما أنه نود أن نقول لمن سمح لنفسه أن ينعت الحزب بأنه يستجدي الكراسي الحكومية , بأن عليه أن يكتسب استقلاليته الذاتية للتعبير عن مواقفه ,وهو ما لن يتأتى إلا إذا تمكن من أن يجعل أموره بيده , وليس بأيدي غيره ممن يبدوأنه يستأذنهم قبل الإقدام على اتخاذ هذا الموقف أوذاك .
تأسيسا على كل تلك المعطيات , يتبين أن الموقف الذي تمخض عن الاجتماعات المتتالية للمكتب السياسي للحزب , والذي هو موقف جريء وتمليه الشجاعة السياسية حيث لم يكن الانتهاء إليه بالأمر السهل .. كما إن موقف المكتب السياسي للحزب يتمثل في ضرورة تحمل الحزب لمسؤولياته الجسيمة في هذا المنعطف التاريخي الحاسم , وذلك من خلال المساهمة في التجربة الحكومية الجديدة , على أساس أن يتبوأ الحزب المكانة اللائقة به والكفيلة بأن تمكنه من أداء دوره كاملا في الدفاع عن المكتسبات والحريات الديمقراطية وترسيخها وتوسيعها ,في اتجاه إرساء أسس متينة لحياة سياسية سوية وطبيعية , في ظل تفعيل ديمقراطي لمضامين الدستور المتقدمة , أننا إذن أمام اختيار صعب . وانطلاقا من التصور الشمولي , فإن المكتب السياسي للحزب يدعو اللجنة المركزية , التي يخول لها القانون الأساسي للحزب في مادته العاشرة صلاحية البت في أمر المشاركة في الحكومة من عدمها , إلى أن تصادق على مبدأ المشاركة في التجربة الحكومية المقبلة وذلك على أساس إيماننا الراسخ بأن الحزب كلما وجد نفسه أمام الاختيار بين مصلحته كحزب وبين مصلحة الوطن ككل إلا واختار دائما وأبدا الوطن...
بتصرف...
محمد الذهبي
أزيلال الحرة