هل أقنعت حكومة بنكيران الإسبان بضرورة التعامل بندِّيَة كاملة وفي إطار الاحترام المتبادل ومراعاة المصالح المشتركة..؟
بتوقيعها على عدة اتفاقيات، تهم مختلف مجالات الاقتصاد والاستثمار مع المغرب، تكون اسبانيا قد تنفست الصعداء خاصة وهي تعيش، منذ عدة شهور، على إيقاع أزمة خانقة دفعت عشرات الآلاف من المواطنين الإسبان للخروج إلى الشارع للتعبير عن رفضهم الكامل للسياسات التقشفية التي تنهجها حكومة ماريانو راخواي اليمينية.
لقد ظل المغرب يمد دائما يده من أجل إقامة أسس تعاون حقيقي مع اسبانيا يشمل كافة الميادين التي تهم البلدين والشعبين، من دون أن يتأثر بالظرفيات الآنية التي تفرضها، في بعض الأحيان، المصالح السياسية الضيقة. فما بين الرباط ومدريد مجالات وآفاق واسعة تسمح بتحقيق تنمية مستدامة تعود بالنفع العميم على الشعبين، لكن الإسبان يتعاملون مع المغرب وكأنه حديقة خلفية لهم، لا يحتاجون إليه إلا عندما تقتضي مصالحهم الخاصة ذلك: يتجلى هذا في تعاطيهم المزاجي مع قضايا ذات حساسية كبرى مثل ملف الإرهاب والأمن والهجرة غير الشرعية والفلاحة والصيد البحرى، من دون أن ننسى التعامل الميكيافيلي في موضوع الصحراء المغربية.
ففي قضية الإرهاب والأمن والهجرة غير الشرعية، كانت النظرة السائدة لدى الإسبان هي أن المغرب عبارة عن دركي يحمي حدودهم الجنوبية من كل ما من شأنه أن يزعج هدوءهم، وكان تعاملهم على هذا المستوى انتقائي وظرفي، ومن هنا على حكومة عبد الإله بنكيران أن تُفْهِم نظيرتها الإسبانية ضرورة تخليها عن هذه النظرة الضيقة لموضوع ذي حساسية كبيرة ينبغي التعاطي معه بكل جدية وموضوعية.
على صعيد الفلاحة، يتذكر المغاربة جيدا الحملة العشواء ضد المنتوجات الفلاحية المغربية، بل ضد المغاربة الذين اضطرتهم الظروف للعمل في الحقول الفلاحية بإسبانيا من دون مراعاة لحقوق الإنسان في أبسط مبادئها. فماذا يا ترى ستقوم به حكومة بنكيران في هذا المجال؟ أما على مستوى الصيد البحري، فإن الإسبان، مع الأسف يلَوِّحون دائما بورقة الصحراء، ولا يرون ضَيْراً في القول: إما أن يفتح لهم المغرب جميع شواطئه ومياهه والصيد بحرية كاملة، وإمّا نقيم الدنيا ولا نقعدها بشأن ما يسمّى بتقرير مصير "الشعب الصحراوي"، مع إطلاق الأبواق الإعلامية والسياسية والحقوقية والبرلمانية في حملة ممنهجة ضد المغرب من أجل تركيعه.
إزاء كل هذا، على حكومة بنكيران أن تُفْهمَ حكومة مدريد، الآن ودائما، بأن التعاون الاستراتيجي يقتضي أولاً وأخيرا أن يكون هناك توازن يراعي المصالح المشتركة للبلدين، وأن يكون لهذا التعاون الاستراتيجي نَفَسٌ طويل، بحيث يمكن أن يمتد ليشمل، مستقبلاً سائر الميادين إذا أُرِيد لهذا التعاون الاستراتيجي أن يكون نموذجا يُقْتَدى به في العلاقات بين الشمال والجنوب، وأن تعرف مدريد أن المغرب شريك مهم وضروري لها، والدليل الطفرة الكبيرة للاستثمارات الإسبانية في المغرب في السنوات الأخيرة، حيث فضلت أكثر من 800 مقاولة اسبانية الاستقرار والعمل في المغرب، وكذا التطور اللافت للصادرات الإسبانية... ومن المؤكد أن على مدريد أن تقتنع جيدا أن إمكانيات النمو تقتضي تعزيز مفهوم الشراكة الإستراتيجية، والتفكير في ميكانيزمات جديدة للتعاون بين المغرب وإسبانيا : البلدان الجاران المحكوم عليهما بالتعاون والتعايش والتعامل بِنِدِّيَةٍ كاملة، وفي إطار الاحترام المتبادل ومراعاة المصالح المشتركة..
بوحدو التودغي