شباط و بنكيران: فرامل لكبح الديمقراطية بالمغرب
" عبد الاه بنكيران يدعو إلى مراجعة و تعديل الدستور المغربي"، عندما قرأت هذا الخبر انتابتني الحيرة، هل أضحك بسخرية؟ أنظر إلى الخبر بلا مبالاة؟ أصفق بتهكم؟ و وجدتني أتساءل في قرارة نفسي عما معنى أن تكون سياسيا في المغرب؟
فبعد أن كان رئيسا للحكومة منذ أكثر من ست سنوات، و بعد أن كان يتحاشى و هو في مركز القرار الحديث عن الدستور المغربي، و لم يخرج أي نص من نصوصه التنظيمية إلى حيز الوجود طيلة فترة ولايته، و بعد أن كان يصرخ ليل نهار بأنه "خادم للملك" ، ها هو السيد عبد إلاه بنكيران بعد أن أصبح بعيدا عن مراكز القرار و لا يملك سلطة تنفيذ خطابه السياسي، يعود إلينا من جديد بقفشة من قفشاته مفادها بأن "رئيس الحكومة شريكا للملك".
أليس من العبث أن يطالب رئيس الحكومة بتعديل للدستور، و نحن ندرك بأنه تنازل عن كثير من صلاحياته الدستورية أثناء فترة ولايته؟ إذا كان الدستور الحالي بدا لعبد إلاله بنكيران فضفاضا واسعا متقدما و عجز عن تنزيله أثناء فترة ولايته ليمارس الحكم بمنطق العهد السابق لأن ذاك بالضبط ما يجيده و ما يؤمن به ، فهل سيستطيع تنزيل دستور أكثر حداثة على أرض الواقع؟
خطاب عبد إلاه بنكيران شبيه بالخطاب السياسي لحميد شباط، فليس من الصدف أن تجمعهما الكثير من الأحداث السياسية المشتركة، فهما في السياسة المغربية كتوأمين متلازمين: يظهران معا و يختفيان معا.
فبعد أن مارس حميد شباط لسنوات طويلة التحكم بحزب الاستقلال و قبلها بنقابة الاتحاد العام الشغالين، إذ طرد خيرة القادة الاستقلاليين فقط لأنهم عارضوه في سابقة لم يجرأ أي زعيم استقلالي الإتيان بها، كما كان يتحكم في النقابة بيد من حديد،و عبرها كان يتحكم في جل المؤسسات العمومية بابتزاز و مضايقة مدرائها، ها هو اليوم يخرج بخطاب سياسي ضد التحكم، و كأن ما كان بقوم به طيلة فترة ممارسته السياسية و النقابية لم يكن مبني على التحكم و السيطرة على العباد سواء بأسلوب الترهيب أو بأسلوب الترغيب.
و من يتأمل في خطاب و أفعال كل من بنكيران و شباط، سيدرك تماما بأنه لا بنكيران مهتم فعلا بتعديل الدستور و لا شباط مهتم فعلا بمحاربة التحكم. فكلاهما متعطشان فقط للوصول إلى الحكم و السلطة، و كلاهما فيروس سياسي هدفه إبقاء الأوضاع السياسية بالمغرب كما هي و بنفس قواعد اللعبة القديمة، أي بالتباكي و بخطاب المظلومية و بالمبالغة في نظرية المؤامرة و التآمر و بالتظاهر بمحاربة المخزن كعدو للديمقراطية و التفاوض باستمرار معه في نفس الوقت لفرملة الانتقال الديمقراطي بالمغرب.
فكثير من السياسيين بالمغرب كبنكيران و شباط ، ليس في مصلحتهم البتة أن يعيش المغرب انفراجه السياسي و ينتقل إلى الديمقراطيات الحديثة، لأنهم كقناة الجزيرة لا ينتعشون إلا مع مآسي الآخرين. فهم لا يملكون إلا الخطب الجوفاء القاتمة ، التي تسلب للمواطن إرادته الحية و تجعله يعيش الإحباط السياسي المستمر، فيشعر بأنه عاجز تماما عن عمل أي فعل أو القيام بأية مبادرة، و هم لا يجيدون إلا منطق الصراع و التصادم لأنه يطيل عمرهم السياسي، فهم لا يملكون برامج و لا يملكون رؤى و لا يملكون أفكارا و لا يملكون إرادة فعلية للنهوض بالوطن. فالديمقراطية تقتضي الشعور بالحرية و التحلي بالإرادة و تحمل المسئولية و كلها أمور لا نلمسها في الخطابات السياسية لبنكيران و شباط.
و لهذا السبب، و عندما أتأمل الخطاب السياسي لبنكيران و شباط، أجدني أدعم بدون قيد أو شرط الخطاب السياسي لنزار بركة، لأنه يؤمن بطاقة الإنسان وإرادته و بقدرته على تغيير الأوضاع، و لأنه يؤمن بالعمل و الأمل كطريق أوحد للوصول للهدف المنشود، و لأنه لا يتملص من مسئوليته السياسية و لا يتبنى خطاب المظلومية، و لأنه يشتغل وفق استراتيجية و رؤية واضحة و مبنية على أرقام و دراسات و مقاربة ميدانية، و لأنه يؤمن فعليا بالديمقراطية كممارسة و سلوك و ليس فقط كشعار للمزايدات السياسوية.
أمل مسعود