أكدت الكثير من الدراسات أن النسيج المقاولاتي المغربي بشكل عام ، يعرف إكراهات وصعوبات متعددة ترتبط بالجوانب التمويلية والتنظيمية والمؤسساتية ، وهو ما يجعل جزءا كبيرا منه تحت رحمة التهديد بالإفلاس. وانطلاقا من طبيعة الصعوبات ،تتحدث هذه الدراسات عن وجود ثلاثة أنواع من المقاولات، النوع الأول غبر قادر بالمرة على التغلب على الإكراهات التي يتخبط فيها ، وهو بالتالي معرض للاختفاء في أي لحظة ، والثاني يتوفر على بعض عناصر المقاومة إلا أنه يستوجب تدخلا مستعجلا ، عبر تدابير محددة من أجل مساعدته على التطور ، والنوع الثالث يوجد في وضعية جيدة تمكنه من سبل مقاومة المنافسة الشرسة سواء على الصعيد الداخلي ، أو على الصعيد الخارجي . وسنة بعد أخرى تتكرس هذه الوضعية بالتحاق مقاولات جديدة بركب تلك المهددة بالإفلاس أو التي تشكو من مظاهر العجز والضعف ، والأمر هنا يتعلق بالنسيج المقاولاتي المنظم الذي يخضع للاقتطاعات الضريبية، أما ما يتعلق بالقطاع غير المنظم فلا يمكن تقييم وضعيته بشكل دقيق لأن حجمه الحقيقي يبقى غير معروف.
وفي هذا السياق تفيد معطيات المديرية العامة للضرائب أن حوالي ثلثي المقاولات في المغرب، تعلن سنويا أنها في وضعية عجز ، حيث إن حوالي 115 ألف وحدة مقاولاتية خاضعة للضريبة على الشركات تعلن عن عجز مستمر ، ولولا بعض التدابير الوقائية والتحفيزات الضريبية التي اتخذتها السلطات العمومية، لكان مصير العديد من المقاولات الإفلاس والاندثار، ذلك أن حوالي 65 في المائة من إجمالي المقاولات المغربية لا تترد في الإعلان عن مظاهر الضعف والعجز، بالإضافة إلى أن حوالي 80 في المائة من الضريبة على الشركات تؤديها إثنين في المائة فقط من مجموع المقاولات ، وهو وضع مقلق يستدعي البحث عن الأسباب الحقيقية من وراء ذلك في أفق إيجاد الحلول المناسبة .
وتحتاج المديرية العامة للضرائب إلى المزيد من الإمكانيات و الموارد البشرية للتمكن من القيام بواجبها في المراقبة الضريبية وتحقيق المزيد من النجاعة والفعالية على مستوى المهم الموكولة إليها ، ويظهر من الإحصائيات المتوفرة أن عدد المكلفين في بالمراقبة الضريبية لا يتجاوز 300 شخص ، يتمكنون من إنجاز حوالي 1500 عملية مراقبة سنويا ، ويقدر المسؤولون حجم الخصاص من الموارد البشرية في حدود حولي1200 موظف جديد، ليبلغ العدد الإجمالي إلى حوالي 1500 موظف، وهو ما قد يمكن من إنجاز حوالي 8000 عملية مراقبة سنويا .
وتؤكد مصالح المديرية العامة للضرائب أنها انخرطت فعلا في مسلسل لتقويم هذه الاعوجاجات خلال السنة الأخيرة ، وفي مقدمتها مواجهة مشكل التهرب الضريبي، عبر اعتماد تدبيرين مهمين، الأول يقضي بتطبيق معدل تفضيلي بخصوص الضريبة على الشركات حدد في 15 في المائة بالنسبة للمقاولات التي تحقق رقم معاملات يقل أو يساوي ثلاثة ملايين درهم، والثاني الاستفادة من إعفاء ضريبي بالنسبة للمقاولات التي تبادر إلى تسوية وضعيتها عبر الخضوع لنظام الضريبي .
وتشير معطيات مصالح المديرية العامة للضرائب ، إلى أن الحصيلة كانت إيجابية في إطار تطبيق المعدل التفضيلي للضريبة على الشركات، حيث إن حوالي 13 ألف و200 مقاولة صغرى من وضعية العجز إلى الإعلان عن تحقيق أرباح، علما بأن 75 في المائة المقاولات الخاضعة للضريبة على الشركات التي هي من نوع المقاولات المذكورة سجلت أهمية هذه المؤشرات الأولية الإيجابية ، ولكن هذا التدبير كان له بالمقابل بعض النتائج العكسية ، إذ أن رقم معاملات حوالي ألفي مقاولة انخفض إلى أقل من ثلاثة ملايين درهم ، وهو ما يمكن أن تكون له علاقة بالتهرب الضريبي . ومن جهة أخرى مكن التدبير المتعلق بالإعفاء الضريبي حوالي ستة آلاف و400 مقاولة من الظهور لأول مرة في إطار النسيج المقاولاتي الخاضع للضريبة برسم سنة 2011 ، إلا أن المشكل هو أن معظم هذه المقاولات تهم فاعلين صغار وتحقق أرقام معاملات ضعيفة جدا ، في حين أن التدبير المذكور يستهدف فاعلين كبار ، وفي هذا الغطار تم تمديد العمل بهذا التدبير إلى نهاية السنة الجارية، وبعدها سيتم الاعتماد على برنامج متكامل للمراقبة الضريبية.
الدارالبيضاء: عبد الفتاح الصادقي