صناعة الفرعون.. تقليد مصري!
انتهت احتفالات نقل السلطة من المجلس الأعلي للقوات المسلحة إلي أول رئيس مدني منتخب بشكل يليق بقيمة الدولة المصرية العميقة، وبطريقة تنم عن وجود مؤسسات تحترم الدستور والقانون.. بغض النظر عما يدور في العقول ويسكن في الصدور قبل وأثناء عملية التسليم والتسلم.
هذه التجربة التي مرت بها مصر منذ ثورة 25 يناير وحتي تسلم الدكتور محمد مرسي مقاليد السلطة تحتاج إلي مجلدات وأبحاث لمعرفة التركيبة الفكرية والثقافية لهذا الشعب الذي جمع بين كل المتناقضات في آن واحد.. ربما يكون تواضع الثقافة السياسية والاجتماعية هو أبرز الملامح بسبب وجود شريحة أمية تصل إلي 42٪، وهي نسبة تشكل خطورة علي المجتمع خاصة أنها تنشط في كل انتخابات تحت ضغط الفقر والحاجة، إضافة إلي سهولة استغلالها وتوجيهها تحت تأثير الدين والعوامل الإنسانية، وهو الأمر الذي ظهر بجلاء في الانتخابات التشريعية، ومن بعدها في الانتخابات الرئاسية التي حسمتها هذه الشريحة. ومعظمها قد عاني من الفقر والمرض والأمية بسبب سياسات النظام البائد.
القراءة السريعة للأيام القليلة الماضية، ومنذ إعلان فوز الدكتور محمد مرسي تشير أيضا إلي أن هذا المجتمع مازال يعاني من نفس الأمراض التي عاني منها لسنوات طويلة، وان مصيبته تكمن أيضا في نخبته ومعظم ساسته الذين مازالوا يتعاملون بالموروث السياسي والثقافي القديم دون استيعاب لما حدث في 25 يناير.. وهو أمر تجلي بوضوح فور إعلان فوز مرسي بمقعد رئاسة الجمهورية، حيث رأينا التحول السريع لأجهزة ووسائل الإعلام وما يسمون أنفسهم بالساسة والنخبة، وكان معظمهم أول المواجهين لجماعة الإخوان المسلمين وقياداتها.. والآن يبذلون جهوداً في نزع عباءة الإخوان المسلمين عن الرئيس، وذهب بعض المتحولين لأبعد من ذلك في النفاق وتملق السلطة من خلال طرح بعض الجوانب الإيجابية لجماعة الإخوان المسلمين حتي سارت بحق الجماعة المحظوظة.. وسرعان ما تبارت وسائل الإعلام في الاهتمام بكل ما يصدر عن الرئيس وتضخيمه والاشادة به بعيدا عن الموضوعية، وفي ظل أن الرئيس أدي القسم ثلاث مرات وألقي خلالها ثلاث كلمات في ميدان التحرير والمحكمة الدستورية العليا وجامعة القاهرة، إضافة إلي كلمة رابعة في الاحتفال الذي أقامته القوات المسلحة بالهايسكتب، وجاءت الكلمات في معظمها أقرب إلي المجاملة ومتماشية مع مكان الحدث وحضوره، وجاء بعضها متناقضاً مع الآخر.. وكلها خطابات كانت تحتاج إلي تحليل دقيق ومراجعة خاصة وأن بعضها يحتوي علي نقاط مهمة لتحديد مستقبل هذه الأمة، ومنها علي سبيل المثال تأكيد الدكتور مرسي في كلمته أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا علي مدنية الدولة واحترام أحكام القضاء.. ثم حديثه بلغة أخري في احتفال جامعة القاهرة وإشارته إلي عودة المؤسسات المنتخبة أمام الحضور الذي ضم أغلبية أعضاء مجلس الشعب المنحل وحضور المرشد العام لجماعة الإخوان وأعضائها!.
للأسف الشديد النفاق وتملق السلطة أصبحا ظاهرة وعادة مصرية مستشرية بفجاجة في المجتمع، وتبدأ بتملق رئيس الجمهورية ثم تنتشر وتتوالي في كل المواقع والمؤسسات إلي أن تصل - لرئيس - أصغر وردية عمال، وقد ساهم في انتشار هذه الظاهرة وتفشيها وسائل الإعلام وبعض القائمين عليها من حملة المباخر الذين يجيدون التلون والتحول مع كل حدث ومناسبة، حتي أصبحت تشكل مدرسة وهو أمر بالغ الخطورة في الجمهورية الثانية التي يجب أن يسود فيها مفاهيم جديدة أولها تحطيم التقليد المصري بصناعة فرعون جديد، والإدراك بأننا في دولة مؤسسات وكل رئيس في المؤسسة هو موظف عند الشعب.
عبدالعزيز النحاس