|
|
ماذا ربح المغرب وماذا خسر من حراك الريف
أضيف في 24 ماي 2017 الساعة 36 : 14
ماذا ربح المغرب وماذا خسر من حراك الريف
مسيرة الغضب الريفي، التي نظمها مسؤولو الحراك بالحسيمة يوم الخميس 18 ماي الجاري، حققت هدفها المعلن الذي شكل مبررها الأساسي المتعلق بالرد عن اتهامات أحزاب الأغلبية الحكومية التي وصفت حراك الريف بالانفصال وخدمة أجندات جانبية وتلقي الأموال من جهات خارجية، كما أن هذه المسيرة أكدت أن نفس المطالب التي رفعها المتظاهرون منذ مقتل السماك محسن فكري في اكتوبر 2016، لاتزال ذات راهنية وهي المحركة للحراك، على الأقل من خلال خطابات زعماء الحراك وتصريحاتهم الاعلامية، وكذا بالنظر إلى الشعارات واللافتات المرفوعة خلال مسيرة الخميس المنصرم التي لم تخرج عن ما هو اجتماعي واقتصادي وثقافي..
لن نتحدث في هذا المقال عن مدى نجاح حراك الخميس المنصرم في تحقيق تلك الأهداف المعلنة ولفت الانتباه إلى مطالب أبناء الحسيمة، والتي لن ينفيها أو يتجاهلها إلا جاحد، ولن نجادل في حجم الحضور وعدد المتظاهرين الذين شاركوا في الشكل النضالي ليوم الخميس المنصرم، لأننا نعتقد ان هذا الجدال عقيم ولن يجدي في شيء، على اعتبار أن نجاح هذا الحراك "رفع القلم" عن كل من حاول المحاججة بالارقام وحاول التقزيم والتقليل من عدد المشاركين ظانا ان ذلك سيخفي شمس الحراك بهكذا غربال..
كما لن نجاري التيار المهاجم للحراك والذي يعتقد انه يسدي للوطن خدمة جليلة من خلال تخوين رموز الحراك وقذفهم بالخيانة والانفصال وخدمة الأجندات الأجنبية، وهلمّ تعابير تدخل في إطار "نظرية المؤامرة"، التي لم يعد أحدا يثق بها ولم تعد وصفة تفيد في إخماد الحركات الاجتماعية وتأنيب الجماهير ضدها لعزلها عن محيطها في افق اجتثاثها..
وبغض النظر عما يمكن قوله حول طبيعة خطاب المسؤولين عن الحراك، وعلى رأسهم ناصر الزفزافي، ومدى سطحيته ودرجة تماسكه وعقلانيته وافتقاره إلى تدقيق في المفاهيم، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا بالإستناد إلى فكر ونظرية تنير طريق هذا الخطاب وتجعله مقنعا، وبغض النظر عن كل هذا، فإننا نعتقد ان الحراك الأخير قد حقق أهدافا كانت غائبة لدى المتظاهرين ونظن انها كانت كذلك لدى الدولة، على الأقل إلى حين بدء تنفيذ تظاهرة الخميس 18 ماي 2017..
وأهم ما حققه هذا الحراك السلمي، وطريقة تعامل القوات العمومية معه التي اتسمت بالليونة وعدم الانجرار إلى العنف واستعمال القوة، هو مستوى وعي المسؤولين وتقديرهم لخطورة وتأثير التدخلات الأمنية المنفلتة والاحتقانات الاجتماعية على صورة المغرب على المستوى الدولي وكلفة ذلك على المستوى الاقتصادي والسياسي وسمعته لدى المستثمرين الأجانب..
لقد استطاع المتظاهرون، من جهة، بما كرسوه من سلمية في احتجاجاتهم، والدولة من جهة ثانية، من خلال تعامل القوات الأمنية السلمي مع المحتجين، أن يجنبوا المغرب السقوط في فخ أولائك الذين يريدون الزج بالحراك في أتون مواجهات وعنف مع الدولة قد تضر الحراك والمغرب على حد سواء، ولن تخدم في النهاية إلا أعداء الحراك والمتربصين به وبمصالح المغرب واستقراره..
وفي هذا الإطار، جنب تعامل السلطات بليونة مع الحراك السلمي بالحسيمة، المغرب انتقادات الملاحظين الدوليين وخاصة تلك الوكالات المتخصصة في التصنيف الائتماني للدول، وضمنها على الخصوص وكالات "فيتش" و"موديز" و"ستاندار اند بورز"، التي تصدر سنويا تقارير حول مدى قدرة المغرب على الوفاء بالتزاماته المالية عبر سداد ديونه، وهو ما يسمى الجدارة الائتمانية، وهي تقارير اعتمدت عليها حكومة بنكيران في ولايتها السابقة للاستفادة من القروض وإطلاق سندات إلزامية في السوق المالية الدولية بأسعار فائدة مريحة..
التصنيفات التي تصدرها هذه المؤسسات الامريكية الكبرى، المتحكمة في مجال تقييم الجدارة الائتمانية لمُصدريِ السندات، من دول وشركات، أي مدى قدرة الشركة أو الدولة على سداد الديون أو قابلية الإستثمار فيها، ينعكس بالإيجاب أو السلب على ثقة المستثمرين في الدولة أو الشركة المعنيين، وبالتالي فإن تقارير هذه الوكالات حول المغرب في السنين الأخيرة اتسمت بالإيجاب، وهو ما حسن صورته لدى المستثمرين الأجانب وجذب العديد من رؤوس الأموال..
وفي هذا المجال، تجدر الإشارة إلى ان مؤسسة "فيتش رايتينغ"، أكدت في أحدث تقرير صادر عنها أن المغرب سيواصل جذب الاستثمارات الأجنبية خلال السنوات المقبلة، بفضل الاستمرارية السياسية والإصلاحات التي تم اعتمادها على مستوى مناخ الأعمال، فضلا عن الأداء الجيد للقطاع الصناعي الذي يلعب دورا مهما في تنافسية الاقتصاد الوطني.
كما أن التصنيف الأخير لمؤشر "دوينغ بيزنيس"، التابع لمجموعة البنك الدولي، كشف ربح المغرب 7 مراتب بين 2015 و2016، إذ انتقل من الرتبة 75 إلى الصف 68 عالميا من أصل 190 دولة يشملها التصنيف. ووضع هذا التقرير المغرب على رأس دول شمال إفريقيا وفي الرتبة الثالثة إفريقياً، متقدما على دول مثل جنوب إفريقيا ومصر ونيجيريا. فيما حل المغرب في الرتبة الرابعة بمنطقة مينا، متقدما على كل من قطر والعربية السعودية والكويت ولبنان.
وتعتمد تصنيفات هذه المؤسسات الدولية، على عدة مؤشرات اقتصادية وسياسية وأمنية، ويبقى الاستقرار الأمني وتمتع المغرب بالأمن مقارنة بباقي دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، من المرتكزات القوية التي ساهمت في تحسن صورته لدى هذه وكالات التصنيف الائتماني ومن تم لدى المستثمرين الأجانب..
ورغم أن المغرب لا يمتلك ثروة نفطية، كما اعترفت بذلك مؤسسة "فيتش"، فإن اقتصاده سيواصل تصاعده في منطقة شمال إفريقيا، حيث إن المستثمرين تجذبهم الخبرة التصديرية للمغرب، والتي تتعزز أكثر مع القرب من أوروبا وغرب إفريقيا، إضافة إلى تمتعه بالأمن مقارنة بباقي دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
وإذا كان هذا الرأسمال الأساسي والمهم، والمتمثل في استقرار المغرب وتمتعه بالأمن مقارنة مع باقي دول المنطقة، يدخل ضمن أهم المرتكزات التي يعتمد عليها الاقتصاد المغربي في جذب المستثمرين وتنمية الثروة، فإن الكل مدعو للحفاظ على هذا الرأسمال اللامادي الذي ينعم به المغرب، والذي لا يقدر بثمن، ومن ثم العمل على تنمية قنوات الحوار والوساطة بين مختلف الأطراف، سواء كانوا مجتمعا مدنيا او أحزابا سياسية او نقابات من جهة، ومختلف أجهزة الدولة وعلى رأسها الحكومة التي يجب عليها تحمل المسؤولية السياسية في هذه الظرفية الحساسة التي تتميز بتكالب بعض الجهات الأجنبية واستعدادها لاستغلال كل هفوة تقع فيها الدولة أو المجتمع، لضرب مصالح المغرب ومن تم العصف بهذه التجربة المنيرة التي أضحت منارة يستشهد بها على الصعيد القاري والعالمي..
إن سيمة الحراك الاجتماعي في الحسيمة وباقي المناطق بالريف، المرتكز على قاعدة مطالب اجتماعية واقتصادية وثقافية مشروعة، هو هذه الهوة السحيقة بينه وبين المنتخبين والأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات التي دأبت على تحريك وتأطير الحركات الاجتماعية بالمغرب، وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول أزمة هذه التشكيلات السياسية والنقابية وغيابها في تأطير مثل هذه المعارك، التي تدخل في صلب مهامها، وهو ما يشكل خطرا على استقرار بلادنا...
محمد بوداري
|
|
|
[email protected]
التعليق يجب أن يناقش موضوع المادة
|
|
|