أكذوبة استكمال الدورة السياسية إهانة لذكاء الاتحاديات والاتحاديين
أعتبر الحديث عن استكمال الدورة السياسية بإعلان تشكيل الحكومة، الذي يتذرع به أعضاء المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي العشرة، الموقعين على بلاغ الدار البيضاء، لتبرير انقلابهم على قرارات اللجنة الإدارية والمجلس الوطني، مجرد خرافة لن تنطلي دوافعها الحقيقية إلا على من لم يتابع ما جرى منذ أن قررت اللجنة الإدارية الشروع في التحضير للمؤتمر الوطني العاشر للحزب.
بالمقابل، فكل من له حسابات شخصية، يريد تصفيتها مع الاتحاد أو مع الكاتب الأول للحزب في شخص إدريس لشكر، وجدها فرصة لتصريف أحقاده وضغائنه وكذا تفريغ عقده النفسية ونزعاته الانتقامية. فحتى الذين انخرطوا في حملة تخريبية ضد حزبهم أو انخرطوا في أحزاب أخرى بحثا عن مواقع تنظيمية أو تمثيلية أو الذين عملوا على تأسيس ما كانوا يحلمون به أن يكون بديلا عن الاتحاد الاشتراكي؛ كل هؤلاء تبنوا بلاغ العشرة ومواقفهم وانضموا إلى الجوقة، فاختلط الحابل بالنابل.
فشخصيا، أجد في ذريعة استكمال الدورة السياسية استهانة كبيرة بذكاء الاتحاديات والاتحاديين؛ إذ، ما ذا كان يمنع أعضاء المكتب السياسي من دق جرس الإنذار بعد أن تأكد التراجع التمثيلي للحزب في الانتخابات المحلية والجهوية؟ وماذا كان يمنعهم من رفع شعار تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في هذه الفترة بالذات من أجل تصحيح الوضع وتحضير المحطة الموالية في شروط أفضل، إن كانوا بالفعل منشغلين بمستقبل الاتحاد ومقتنعين بسوء تدبير المرحلة؟...
وجاءت الانتخابات التشريعية لسنة 2016 التي كرست نفس التراجع التمثيلي. فلماذا لم نجد لهؤلاء العشرة أي موقف يذكر؟ لماذا لم يطالبوا بالتقييم وتحديد المسؤوليات وترتيب التبعات؟ هل كان من الضروري أن ننتظر تشكيل الحكومة، وحزبنا يتبوأ الصف السادس بـ 20 مقعدا فقط؟ لماذا لم ينتفض أحد ضد هذا الوضع؟...
ثم، ألم يتم التصفيق لطريقة تدبير مرحلة ما بعد الانتخابات، التي مكنت حزبنا، بروتوكوليا، من احتلال المركز الثالث في هرم الدولة؟ ألم يقل أحدهم بأن " إدريس يستحق أن يوضع له تمثال اعترافا بحنكته وقدرته على تحويل الفشل إلى انتصار"؟ وألم...؟ وألم...؟
ثم، هل تتذكر حسناء أبو زيد متى أطلقت قولتها المشهورة"الاتحاد الاشتراكي قوة سياسية وليس قوة انتخابية"؟ أوليس في هذا تبرير لوضعنا في المؤسسات التمثيلية؟... ألم تقل هذا الكلام في الفترة ما بين انتخابات 4 شتنبر 2015 وانتخابات 7 أكتوبر 2016؟ أي في وقت، تأكد فيه بالملموس تراجعنا المجتمعي وغيابنا عن مؤسسات القرب التمثيلية.
لكن، ألم تؤكد التطورات السياسية التي عرفها المغرب صحة هذه المقولة ؟ أليس تولي الاتحاد الاشتراكي رئاسة مجلس النواب تجسيدا وتحقيقا لها؟ ألا يعود الفضل في ذلك إلى ذكاء القيادة في قراءتها للوضع السياسي والاستفادة منه؟ أليس في هذا اعتراف بالاتحاد وبكفاءة أطره؟ أليس فيه إنصاف لتاريخه ولتضحياته؟... أم أن كل هذا لم تعد له أهمية في السياق الذي نحن فيه؟...
يضاف إلى كل هذا، غياب أي تحفظ أو حتى التعبير عن مجرد تخوف من مجريات الأحداث، عند انعقاد اللجنة الإدارية بعد الانتخابات التشريعية، والتي اتخذت قرار المشاركة في الحكومة بالإجماع. فلم يسجل لأي أحد من هؤلاء الإخوة العشرة (والأصح التسعة، لكون العروجي لم يعد يحضر أي اجتماع تنظيمي منذ مدة) ما يفيد أنهم قلقون على مصير الاتحاد لهذا السبب أو ذاك.
وتنعقد اللجنة الإدارية خلال منتصف شهر فبراير 2017 وتقرر، بناء على مقترح المكتب السياسي (فهو الذي اقترح تاريخ انعقاد المؤتمر وأجندة التحضير له) ومناقشته، الشروع في تحضير المؤتمر الوطني العاشر. وقد مر كل شيء في جو عادي وحصل الإجماع حول تاريخ المؤتمر ومنهجية تحضيره وتشكيل لجنته التحضيرية ولجانها الفرعية. ثم انطلق العمل بجدية وحماس، تمثل في تكثيف الاجتماعات واللقاءات من أجل احترام الأجنة المتفق عليها.
وبعد هذا العمل المكثف، تعقد اللجنة التحضيرية آخر اجتماعاتها يوم فاتح أبريل 2017 ببوزنيقة، متبوعا باجتماع اللجنة الإدارية والمجلس الوطني للمصادقة على المشاريع التي أعدتها اللجنة التحضيرية؛ وكانت المصادقة بالإجماع والكل يهلل لنجاح المحطة وأهميتها، الخ.
لكن كل هذا، وبعد أيام قلائل، يتنكر له الأعضاء العشرة، المجتمعون في الدار البيضاء "بصفة أخوية" (ونعم الأخوة !!!!!!)، فتظهر لهم عيوب في منهجية التحضير ويتضح لهم بأن الحزب تراجع تمثيليا ومجتمعيا وحتى قيميا (وهذا المثال الأخير صحيح جدا؛ ويعطي عنه الأعضاء العشرة أحسن مثال)؛ثم تنفتح أعينهم على أعطاب المشروع التنظيمي وعلى غياب تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وهلم جرا.
ما ذا حدث حتى تظهر كل هذه العيوب فجأة؟ الشيء الوحيد الذي يستحق الذكر، هو ظهور التشكيلة الحكومية ومعرفة الأسماء الاتحادية التي تم قبولها ضمن هذه التشكيلة. وهذا هو، في الواقع، ما زلزل كيان الإخوة ولأسباب خاصة بكل واحد وواحدة منهم. فمن كانوا يرون أنفسهم أحق من غيرهم بالمنصب الوزاري قد أُصيبوا بخيبة كبيرة؛ ومن كان له حساب شخصي مع الكاتب الأول، اعتبرها فرصة مناسبة للانتقام لنفسه.
لكن السبب الحقيقي لبلاغ الدار البيضاء ولكل اللغط الذي تلاه، هو ما ذكرت وليس كما يزعمون استكمال الدورة السياسية. بالطبع، لم يقف الأمر عند إصدار بلاغ؛ بل تعداه إلى تحركات، أريد لها أن تأخذ طابعا وطنيا.
وهكذا، فبعد بهرجة لقاء كلميم، جاء دور الوقفة الباهتة أمام مقر الحزب بأكدال في الرباط، ثم الانطلاق في البحث عن الأتباع في الأقاليم تمهيدا لممارسة الضغط والابتزاز قبل المؤتمر وأثناءه، بعد أن تبين لهم بأن عملية إتمام التحضير ماضية في طريقها ولم يفلح التشويش في إيقافها.
بكل صدق، لو كان هؤلاء الإخوة قد أثاروا، قبل الإعلان عن التشكيلة الحكومية، العيوب التي يتحدثون عنها حاليا، لكان لي، شخصيا، موقف غير الذي أدافع عنه الآن. لكن، أن يلتزموا الصمت طيلة ما يسمونه الدورة السياسية وأن يشاركوا في التحضير ويصادقوا على كل القرارات، ثم، فجأة، يصبح كل شيء على غير ما يرام؛ فهذا ما لا يُسْتساغ منطقيا وأخلاقيا وتنظيميا...
ولتبرير هذا الانقلاب، يتم اختلاق أكذوبة، اسمها استكمال الدورة السياسية. وبالمناسبة، يمكن القول بأن هذه الدورة، حتى وإن اعتبرناها تبريرا مقبولا، كانت قد انتهت ونحن مجتمعون في بوزنيقة يوم فاتح أبريل 2017 للمصادقة على أشغال اللجنة التحضيرية؛ ذلك أن كل الأسماء المقترحة للاستوزار كانت قد قدمت إلى الجهة التي يعود إليها، دستوريا، الحق في التعيين؛ وبالتالي، ما كان لأي موقف أن يشوش على مسار تشكيل الحكومة. ولذلك، أرى في اختلاق ذريعة استكمال الدورة السياسية احتقارا لذكاء الاتحاديات والاتحاديين. وهو، في رأيي، ضرب لكل القيم، بما في ذلك قيمتي الصدق والمصداقية.
محمد إنفي