مفتي أستراليا: البيت الأبيض يحتاج لإنسان طبيعي موزون يجيد إطفاء الحرائق لا إشعالها
مفتي أستراليا د. إبراهيم أبو محمد يتساءل:
كيف ستكون العلاقة بين الإسلام والغرب أو بين الشرق والغرب في الفترة القادمة؟
- المشروع الإنساني برمته يتعرض لحزمة من التحديات الخطيرة ربما تدفع به إلى حافة الهاوية وتجعل مستقبله على كف ألف عفريت من الإرهاب والتعصب ودعاة الكراهية
- يجب على العقلاء والشرفاء في العالم أن يشكلوا فرقا للإغاثة والإنقاذ من جنون الإرهاب وجنون الراديكالية الغربية الجديدة التي تتمثل في العنصرية والكراهية والعدوان الغاشم
ـ اللاجؤون الذين استهدفهم ترامب هم ضحايا لحروب شكلت عارا على جبين القوى الكبرى
ـ الدول التي طالتها قوائم المنع كلها دول شرق أوسطية مُنيت بفوضى حروب أشعلتها الإدارة الأمريكية
ـ على العقلاء والشرفاء في هذا العالم أن يشكلوا فرقا للإغاثة والإنقاذ من جنون الإرهاب وجنون الراديكالية الغربية الجديدة
أكد سماحة الأستاذ الدكتور إبراهيم أبو محمد المفتى العام للقارة الأسترالية أن الرئيس الأمريكي رونالد ترامب ظاهرة قديمة لكنها خرجت الآن من رفات المقابر وقد عانت منها مجتمعات الدنيا من قبل، ومع ذلك استطاعت هذه المجتمعات بما فيها من خير مكنون أن تتغلب عليها وأن تدينها أخلاقيا وقانونيا.
وقال في بيان له تعليقا على قرارات الرئيس الأمريكي رونالد ترامب الخاصة بالمسلمين:
" أمريكا ترامب تنكرت لكل التزاماتها الدولية كقوة كبرى وبدأت بعدائها للفقراء الضحايا الذين سلبت أرضهم ودمرت بيوتهم وجردتهم من أبسط سبل المعيشة الآمنة".
وأوضح أن ظاهرة ترامب "ليست جديدة"، لكن خطرها ـ بحسب وصفه ـ "بدا مخيفا في الدفع بالكراهية والعنصرية إلى مستوى يدخل بالإنسانية في النفق المظلم.
ليس ذلك فحسب، ولكنه يفجر نسيج مجتمعات كثيرة تكونت في أصولها من تعددية عرقية ودينية مختلفة تصل في بعض المجتمعات إلى 100 ديانة و 200 جنسية !". وأكد مفتي عام القارة الأسترالية في بيانه أن أمريكا نفسها مزيج من الهجرات من كل بلاد الدنيا.
وقال: "نلحظ أيضا أن الدول السبعة التي حظيت باهتمامات ترامب وطالتها قوائم المنع كلها إسلامية ومن دول الشرق التي مُنيت بحروب أغلبها داخلي كان الصراع فيها بين شعوب تطلعت إلى الحرية ضد دكتاتوريات ساندتها أمريكا وتحالفت معها فترة من الزمن فلما انقضت سنوات عسل المصالح قررت أمريكا القيام باحتلال أفسدها وقسّمها وغلبّ فيها فئة على فئة وتركها طوائف تتناحر ويأكل بعضها بعضا كما حدث في العراق".
ولفت د. إبراهيم أبو محمد مفتي أستراليا إلى أن الوضع في أفغانستان شبيه بما حدث في العراق تماما.
وقال: "أما في سورية فقد غضّت أمريكا الطرفَ عن جرائم نظام بشار الأسد وتركت الشعب السورى نهباً لقواته وقوات حلفائه الروس فشوت جلودهم ودمرت بيوتهم وقتلت أطفالهم وحطمت المدارس والمستشفيات، وفي النهاية تركت النظام يفرض رؤيته ويعيد تركيبة البلد الديموغرافية وفق مذهبية طائفية ممقوتة..
أما اليمن والصومال وليبيا فأمرها معروف ودعك من إيران فهي تعرف كيف تسّوى أمورها مع الأمريكان تحت الطاولة أو من فوقها لا فرق".
وخلص مفتى عام القارة الأسترالية الدكتور إبراهيم أبو محمد إلى أن المهاجرين اللاجئين الذين استهدفهم ترامب هم "ضحايا لحروب شكلت عارا على جبين القوى الكبرى وفيها عانى الإنسان من الجوع والمرض والقتل المباشر، وعندما فرّ الناس من الموت قوبلوا بكل تجهم ومهانة ونعتوا بكل نقيصة ودارت حولهم شبهات الإرهاب المحتمل، وكلهم من الشرق البائس الذى خططت أمريكا لإعادة تقسيمه وفق خطة الفوضى الخلاقة. "
وتساءل في بيانه : كيف ستكون العلاقة بين الإسلام والغرب أو بين الشرق والغرب في الفترة القادمة؟
هل ستكون علاقة حوار وتعاون أم صدام ومواجهة تستدعي من جديد نظرية صموئيل هنتجنتون في صراع الحضارات؟
وأوضح أن ما حدث بالأمس في كندا من اعتداء على المركز الإسلامي يجب أن يحظى بأعلى قدر من اهتمام النخب الثقافية والمهتمين بالمشروع الإنساني الذي يتعرض برمته لحزمة من التحديات الخطيرة التي ربما تدفع به إلى حافة الهاوية وتجعل مستقبله على كف ألف عفريت من الإرهاب والتعصب ودعاة الكراهية.
وأكد أن هزيمة النخب الشريفة والمحبة للسلام في هذا الصراع تعني "ضياع البشرية ووقوعها أسيرة للخوف وضحية لسموم العنصرية والكراهية".
وقال: " الخوف كل الخوف من أن تتحول الكراهية والعنصرية من ظاهرة إلى أيديولوجية ومن ثم تبدأ دورة العنف لتضرب في كل مكان وفي أي مكان، فتقع الإنسانية كلها في براثن نوعين من الجنون، جنون الإرهاب من ناحية، وجنون الكراهية والعنصرية من ناحية أخرى".
وأضاف: "وإذا كان جنون الإرهاب خارج على القانون ومطارد به ، فإن جنون الراديكالية الآن هو الذي يمسك بالقانون ويُشّرع، ومن ثم فقد وجب على العقلاء والشرفاء في هذا العالم أن يشكلوا فرقا للإغاثة والإنقاذ من جنون الإرهاب وجنون الراديكالية الغربية الجديدة التي تتمثل في العنصرية والكراهية والعدوان الغاشم".
وأشار د. إبراهيم أبو محمد إلى أن جرائم الإرهاب ومعها روائح العنصرية والكراهية ـ بحسب وصفه ـ تثير دخانا يحجب الرؤية ويزكم الأنوف، إلا أن ما يصدر وما صدر من ردود أفعال الشرفاء في العالم تخبرك أن الحرية ما زالت معشوقة الجماهير في الغرب، وأن الأغلبية الساحقة من شعوب الغرب تتمتع بسلامة الحواس، كما أن إدراكها لحجم وخطورة عودة الفاشية والراديكالية لا يمكن أن يسمح للظاهرة إلا أن تكون دخانا يعكس الخطر باحتمال الحرائق، ومن ثم تجب السرعة في إطفائها قبل الاشتعال. والنتيجة ستكون حتما إما تحويل ظاهرة ترامب من مصدر خطر إلى مجرد جرس إنذار، وإما أن يذهب الرجل لشركاته يمارس فيها ما يريد ويترك البيت الأبيض لإنسان طبيعي موزون يجيد إطفاء الحرائق لا إشعالها ولا يدفعه غرور القوة ونزوات الرأسمالية الجشعة لتجاهل حقائق التاريخ والجغرافيا والتنكر لسنن الكون وقوانين الوجود في الناس والمجتمعات والدول.
وختم بيانه بقوله: "ما يعنينا ليس هو ترامب الظاهرة ، كثقب أسود بدأ حديثا في كشف المستور لدى الراديكالية الغربية عموما والأمريكية بشكل خاص ، وإنما يعنينا أن نركز الضوء على أنها ظاهرة ليست مستدامة ، فقبل ترامب كانت النازية وانتهت ، وكانت الفاشية وانتهت ، وما تبقى منها هو مجرد صدى السنين الخوالي يتعلق به قلة لا زالت تعيش معزولة داخل ذاتها لا ترى الدنيا إلا بعيون وطواط".
الدكتور/ أحمد علي سليمان