|
|
انتخاب رئيس وهياكل مجلس النواب صار حاجة وطنية مستعجلة بعد المجلس الوزاري
أضيف في 11 يناير 2017 الساعة 50 : 18
انتخاب رئيس وهياكل مجلس النواب صار حاجة وطنية مستعجلة بعد المجلس الوزاري
أعلن المجلس الوزاري المنعقد بمراكش يوم 10 يناير 2017 عن بداية تحرير السلطة التشريعية من الجمود الذي فرضه عليها فشل رئيس الحكومة المكلف في تشكيل أغلبية حكومية بعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر على تكليفه.
ذلك أن بت المجلس في مشروع قانون يقضي بالموافقة على القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي يدفع إلى التعجيل بالمصادقة عليه من طرف البرلمان قصد استكمال المسطرة الدستورية للمصادقة على الاتفاقيات الدولية من هذا النوع، وذلك قبل انعقاد القمة الإفريقية في آخر شهر يناير الجاري والتي يتوقع أن تبت في طلب المغرب الالتحاق بالاتحاد الإفريقي بعد عقود من القطيعة.
وهذا ما يجعل انتخاب رئيس وهياكل مجلس النواب يكتسي طابع الاستعجال ولا يحتمل أي تأخير، لأن الأمر يتعلق بالمصلحة الوطنية العليا وبمعركة المغرب والمغاربة جميعهم من أجل تثبيت وتعزيز الوحدة الترابية للبلد، التي بُدلت من أجلها التضحيات المعروفة، وبالدفاع عن مصلحة فوق-استراتيجية.
ذلك أنه يلزم أن يعرض مشروع القانون الذي صادق عليه مجلس الوزراء على اللجنة الدائمة المختصة ثم على الجلسة العامة في مجلس النواب للتصويت والمصادقة النهائية في الأيام القليلة القادمة، ليكون المغرب جاهزا لمواجهة مناورات الخصوم المعروفة، بعد العمل الكبير والكثيف الذي قام به الملك محمد السادس في القارة الإفريقية تهييئا لاستحقاق الالتحاق بالاتحاد الإفريقي. فالتأخير أو التلكؤ في هذه الحالة، وبأي مبرر، سيترتب عليه إضرار جسيم بمصالح البلاد الكبرى، وسيكون علامة على لامسؤولية وضيق أفق وعلى إرادة خلق حجز شامل له خطورة قصوى على الدولة والبلاد، وهو ما لا يمكن قبوله بأي حال من طرف المغاربة ولا يجيزه الدستور ولا يتماشى مع المنطق السياسي في بلد لا يعرف أزمة مؤسسات ولا يواجه حالة الاستثناء.
وحتى في حالة الاستثناء، المشروط فرضها بظروف خاصة، يقضي الدستور في الفصل 59 بأن لا يحل البرلمان ولا يتم تعطيل عمله إلا لفترة محددة في الزمن تنتهي بانتهاء الأسباب التي دعت إلى إعلانها، ولا يمكن بأي حال أن يفرض حزب من الأحزاب، كيفما كان تصوره لحجمه أو لقدرته على افتعال الصراعات والأزمات، حالة استثناء أو شبيهة بالاستثناء على البرلمان خدمة لمصالحه الخاصة، لأن الإعلان عليها اختصاص ملكي أصيل تنظمه مسطرة دستورية مدققة.
إن التحلي بالمسؤولية الوطنية في هذا الوقت بالذات يتطلب الارتفاع عن منطق القسمة الضيقة الذي أبقى السلطة التشريعية معطلة بعد ثلاثة أشهر ونيف على إجراء انتخابات7 أكتوبر 2016، في انتظار "صرف" رئاسة مجلس النواب بحقيبتين حكوميتين جريا على عادة متبعة.
وعدا ذلك، فإن إخراج مجلس النواب من ورطة فشل رئيس الحكومة في تشكيل أغلبية حكومية لحد الآن، يفرضه اليوم الحرص على تفعيل الفصل الأول من الدستور الذي يؤكد في فقرته الثانية على أن النظام الدستوري للمملكة يقوم "على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة"، ذلك أن الدستور لا يقيم ربطا بين رئاسة مجلس النواب وقسمة الحقائب والمواقع الحكومية، بل يستبعده بالتأكيد في مختلف أبوابه وفصوله الأخرى عبر تمييز وتدقيق الاختصاصات الدستورية وجعل المحكمة الدستورية حكما في حالة تنازع الاختصاصات.
والربط الذي يتم التشبث به اليوم عرف جاء في ظروف انتقال خاصة، لدى تكوين حكومة التناوب، لكنه لم يترتب عليه أي تأخير أو تعطيل لعمل المؤسسة البرلمانية أثناء وبعد ذلك ولم يوجهه أي مسعى لتحويل البرلمان إلى تابع لوزير أول أو لحزب سياسي، إذ لم يكن هناك حزب سياسي، كيفما كانت نتائجه الانتخابية وعدد الأصوات التي حصل عليها، بلغ به الغرور حد تنصيب نفسه حاكما متحكما في سير كل المؤسسات الدستورية وقادرا على إفقادها قيمتها وتعطيل أدوارها ما لم تساير رغباته وأهدافه. فمثل هذا الأمر لا يمكن أن يحدث في المغرب الذي حرم الحزب الوحيد منذ أول دستور وطبعت التعددية السياسية والنقابية والجمعوية مساره منذ الاستقلال.
إن كل الأطراف السياسية واعية تمام الوعي اليوم، فيما يبدو، أن المعركة الوطنية المصيرية التي يخوضها المغرب من أجل وحدته ومن أجل مصالحه الإستراتيجية في القارة الإفريقية، التي اختارها كمجال أول للتنمية المشتركة المستقبلية، تدفعه إلى ترتيب دقيق لأولوياته وتهيئ نفسه بما يكفي من المناعة والقوة لكل الاستحقاقات وتجنب كل ما يربك أو يعرقل أو يسيء، لأن الشعب المغربي لن يسمح بذلك حالا أو استقبالا.
ويجب أن تكون كل الأطراف السياسية واعية بدقة المرحلة وبحجم ورهانات معركة العودة إلى المنظمة القارية وبالتحديات التي تواجه المغرب في هذا الإطار، والمناورات التي يقوم بها أعداء وحدتنا الترابية وتحركاتهم المكثفة لا تخفى على أحد ولا تخفى أهدافها وإفشالها يستدعي جبهة داخلية قوية، ومؤسسات دستورية جاهزة للعب أدوارها كاملة في هذه المعركة، بما فيها أدوارها في الميدان الدبلوماسي، فالبرلمان المغربي مطالب بأن يكون جاهزا للالتحاق بالبرلمان الإفريقي بمجرد عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وبالنهوض بدور أساسي في الدفاع عن مصالح المغرب به وبعلاقة مع البرلمانات الإفريقية التي يلزمه أن يدرجها في أولويات علاقاته الخارجية.
كل ما سبق يجعل التعجيل بانتخاب رئيس وهياكل مجلس النواب مسألة لا تقبل الأخذ والرد والحسابات الحزبية الضيقة ولا حتى القسمات الحكومية، فالرئيس يمكن انتخابه من صفوف حزب مرشح للانضمام للأغلبية ومن البرلمانيين القادرين على تعبئة أغلبية من المصوتين، مادام التصويت عليه يتم بشكل سري وفقا لمقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب، وأيا كان انتماؤه، فإنه سيكون مطالبا بأن يكون رئيسا لكل النواب ومدافعا عن اختصاصات مجلس النواب الدستورية ومتعاونا مع الحكومة في ميدان التشريع كميدان مشترك وفي ميادين أخرى، ومنها الدبلوماسية، وفوق ذلك، فإنه يظل محاطا بمكتب تتمثل فيه الفرق البرلمانية التابعة للأحزاب وفق عدد نوابها يشاركه القرار في كل شيء، وهناك محكمة دستورية مخول لها البت في حال وقوع خلاف مع الحكومة فيما يتعلق بالاختصاصات الدستورية أو تجاوز ما، والرئيس المنتخب في بداية ولاية تشريعية يمكن تغييره في منتصفها، وتجربة كريم غلاب في الولاية السابقة مثال على ذلك.
لذلك فلا معنى لأن يعمد حزب، جعلته الانتخابات في المرتبة الأولى ولم تمنحه أغلبية المقاعد ولا الأصوات، إلى شل حركة مجلس النواب وتعطيل أدواره كلها لمجرد أن رئاسته تساوي مقعدين في القسمة الحكومية. هذا هو التحقير الحقيقي للناخبين وللانتخابات وللمؤسسات وهذا ما يساءل من يعطل ويعرقل ويحسب لوحده ويطرح علامة استفهام كبرى حول قدرته على الفصل المنهجي بين المصلحة الحزبية الضيقة والمصلحة الوطنية العليا التي هي الأصل والغاية من الانتخابات وإقامة المؤسسات ووجود الأحزاب.
تعطيل مجلس النواب أكثر، وفي ظرفية تفرض أجندة لها طابع الاستعجال، سيكون حمقا سياسيا لا مثيل له، لأن كلفته قد تكون باهظة، مادام ممكنا للخصوم استعمال أي تلكؤ ضدنا في المعركة بالملعب الإفريقي، وهم الآن يبحثون في الشكليات المريبة بعدما تمكن المغرب من نيل أغلبية تمكنه من ربح مرحلة الالتحاق بالاتحاد الإفريقي كخطوة في اتجاه إنهاء الانحراف الذي أدى إلى إلحاق دولة الوهم المشتغلة وفق الأجندة الإقليمية للنظام الجزائري المريض بمنظمة الوحدة الإفريقية ثم بالاتحاد الإفريقي الذي غاب المغرب عن تأسيسه في الظروف المعروفة.
انتخاب رئيس مجلس النواب وهياكله مسؤولية وطنية تتطلب من الجميع تحملها بما تستدعيه من استعجال واضح، والمطلوب من عبد الواحد الراضي، باعتباره النائب الأكبر سنا، أن يتحمل مسؤوليته ابتداء من اليوم لعقد جلسة انتخاب رئيس وهياكل المجلس.
محمد الفيلالي
|
|
|
[email protected]
التعليق يجب أن يناقش موضوع المادة
|
|
|