بمناسبة افتتاح الدورة التاسعة لمنتدى 'ميدايز' بطنجة العماري يلقي كلمة تحمل دلالات ورسائل راهنة
ألقى إلياس العماري رئيس جهة طنجة تطوان الحسيمة، مساء يوم الأربعاء 8 دجنبر بطنجة، كلمة قوية وغنية بدلالاتها ورسائلها، وذلك بمناسبة انعقاد الدورة التاسعة لمنتدى "ميدايز".
في كلمته، رحب العماري بالمشاركين في الدورة التاسعة لمنتدى ميدايز، الذي ينظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، والذي اختار هذه السنة شعار: "من التجزيء إلى الإستدامة: تثوير البراديجمات". وإذ نوه باختيار موضوع هذه الدورة، أشاد بالقائمين على معهد أماديوس، الذي دأب على تنظيم هذا اللقاء الهام بشكل منتظم في مدينة طنجة، ملتقى الحضارات والثقافات.
عالمنا اليوم يضيف العماري، يعرف تحولات جيوسياسية عميقة لا تتجلى تمظهراتها في الاقتصاد والسياسة والاجتماع فقط، بل حتى المفاهيم أصبحت تأخذ مدلولات جديدة تساير البراديجمات الجديدة لعلاقات الدول والمجتمعات والثقافات فيما بينها. فكما هو الشأن مع الثورات العلمية التي انتقلت من براديجم إلى آخر عبر تاريخ تطور العلوم والمعارف البشرية، تعرف العلاقات الدولية اليوم، انزياحا جذريا يساير تحرك الأقطاب الكبرى في العالم. فإذا كانت القطبية الثنائية التي تحكمت في رسم الاصطفافات الدولية من بداية القرن العشرين إلى الثمانينيات، قد أفرزت نماذج اقتصادية وسياسية وثقافية ظلت الدول التابعة في أفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا حبيسة براديجمين أحاديين متناقضين، واحد في الشرق والآخر في الغرب؛ فإن، نضج تجارب الشعوب في المقاومة والصمود أحدث ثورة داخل هذا النسق الذي فرض على الأمم رهنَ كلِ شيء بالقوة العسكرية وبالأسلحة المتفاوتة الخطورة. وقد أفرزت هذه التجاذبات القطبية نماذج اقتصادية شرعنت الاستعمار واستنزاف ثروات الطبيعة والشعوب.
وداخل هذا البراديجم الثنائي القطبية يعلل العماري، كانت تنشط فعاليات المجتمع المدني التي انتبهت مبكرا، إلى المخاطر التي تنتظر العالم والكون جراء التسابق المفرط على الرفع من الإنتاج مقابل الرفع من الرغبة في الاستهلاك لمراكمة الثروات من خلال استغلال واستنزاف كل شيء من طرف الشركات العابرة للقارات. وهكذا عمل المجتمع المدني على إثارة الأسئلة ذات الانشغال بالقضايا البيئية والمناخية، ليس فقط من أجل حماية الطبيعة والكوكب الأرضي، وإنما من أجل حماية الأمن الغذائي للبشرية خصوصا في دول الجنوب.
إن هاجس توفير الأمن الغذائي للشعوب، وحماية كوكبنا الأرضي من مخاطر التغيرات المناخية يسترسل الأمين العام في كلمته، كان ضمن الأولويات التي شددت عليها أشغال مؤتمر كوب 22 بمراكش. وقد طفا على سطح هذه الأشغال توجه عام لدى ممثلي المجتمع المدني وشعوب دول الجنوب يميل إلى تثوير البراديجات التقليدية، ويفتح المجال لعلاقات جديدة لا تولي وجهها فقط نحو الغرب أو الشرق، وإنما تتجه نحو تعزيز العلاقات جنوب-جنوب، وتقوية العلاقات الاقتصادية المتوازنة التي تراعي شروط التنمية المستدامة، وفق منطق خال من القطبية والتبعية.
وعن جهة طنجة تطوان الحسيمة التي يرأسها العماري قال في كلمته:".. انخرطنا في هذه الدينامية الجديدة التي واكبت الإعداد لكوب22، بتنظيمنا لمؤتمر الأطراف لدول البحر الأبيض المتوسط حول المناخ شهر يوليوز الماضي. وقد تم دق ناقوس الخطر، هنا حيث نحن اليوم، حول المخاطر الجسيمة التي تهدد حوض المتوسط الذي يعتبر من أكثر المناطق في العالم عرضة للتغيرات المناخية، مع ما ينتج عن ذلك من كوارث طبيعية وآفات اجتماعية وأزمات اقتصادية. ومن أجل ضمان تدخلات ناجعة للحد من هذه المخاطر، انخرطنا في فتح علاقات جديدة، بما تسمح به صلاحيات الجماعات الترابية، داخل براديجم جديد، ينفتح بدرجة أكثر على آسيا، ويرجع بنا إلى عمقنا الأفريقي، مع الاستمرار في تطوير العلاقات مع الشمال. فمدينة طنجة، ومن خلالها المغرب، ليست مجرد بوابة لأوروبا نحو أفريقيا، وإنما هي، أيضا، ملتقى للطرق التي تفتح أفريقيا على أوروبا وآسيا وجنوب أمريكا، إنها ليست مجرد جسر لاستجلاب ثروات الجنوب، وإنما هي أرضية لجلب الثروات نحو الجنوب، ولنشر القيم الروحية الإنسانية النبيلة القائمة على السلم والكرامة.
أزيلال الحرة