وتتخذ الدولة بكوريا الجنوبية، كل سنة بمناسبة إجراء امتحانات الباكلوريا، سلسلة من الإجراءات لتأمين ظروف جيدة وأجواء ملائمة للتلاميذ حتى يتسنى لهم اجتياز هذه العقبة بشكل سلسل وطبيعي، من خلال إغلاق المعامل والمصانع والإدارات ومنع الطائرات من التحليق وشل الحركة بكل أوراش البناء..
وتسعى الدولة إلى خلق مناخ من الهدوء التام بالبلاد لكي لا تعرقل وتعكر صفو هذه الامتحانات، التي تعتبر بالنسبة للتلاميذ وأولي أمرهم محطة مهمة ومؤثرة في مستقبلهم الدراسي والمهني..
ولتمكين حوالي 606.000 تلميذ من الوصول إلى مراكز الإمتحانات في الوقت المناسب، ظلت كل الإدارات والعديد من المؤسسات الخاصة، وكذا بورصة القيم، مغلقة إلى حدود الساعة العاشرة صباحا، أي بعد ساعة على التوقيت المعتاد، فيما استنفرت الحكومة ألاف السيارات والدراجات النارية من نوع "هارلي" التابعة لمصالح الأمن لنقل العديد من التلاميذ الذين وجدوا صعوبة للوصول في الوقت المحدد إلى مراكز إجراء الإمتحانات..
كما منعت الطائرات من الإقلاع والهبوط بجميع مطارات البلاد لمدة نصف ساعة بعد الزوال خلال فترة إجراء الإمتحانات في مادة اللغة..
وتلتزم الحكومة بمنع جميع السيارات من المرور أمام الثانويات، خاصة الشاحنات والحافلات، ويتم منع الأشغال في ورشات البناء وتحويل مسار الطائرات بعيدا عن هذه المراكز حتى لا يتأثر التلاميذ بأي ضجيج أثناء الإختبار، كما لا يحق للأستاذ المراقب أن يمر بجانب الطاولات حتى لا يتسبب في أي ضغط نفسي على التلاميذ..
ويولي الكوريون أهمية كبيرة لهذه المحطة الدراسية في حياة أبنائهم، إذ ان كل الأنظار والإهتمام تتجه نحو هذا اليوم المصيري، لأن النجاح في الباكلوريا يمكن الطلبة من ولوج أحسن وأرقى الجامعات في كوريا الجنوبية وضمان مستقبل مهني قار ..
وبالنظر للرهانات المعلقة على هذا اليوم المصيري، فإن العديد من الآباء يتوجهون إلى المعابد والكنائس للصلاة والدعاء.
وكما هو الشأن كل سنة، فإن موعد إجراء هذه الإمتحانات وهوس الكوريين بالنجاح، يكون مناسبة لتجديد النقاش والجدل حول مزايا وعيوب نظام تعليمي عادة ما يُنظر إليه في الخارج كنموذج للجدارة والاستحقاق..
وإذا كانت هذه المنافسة الجامحة تخلق التفوق، كما تشهد على ذلك نتائج تصنيفات الجامعات الكورية على الصعيد العالمي، فإن ذلك يولد كذلك مجموعة من النتائج غير الحميدة كما هو الشأن بالنسبة لارتفاع نسب حالات الإكتئاب والانتحار بالبلاد..إلا أن ذلك لن يثني الكوريين على الإستمرار في إيلاء التعليم اهتماما كبيرا باعتباره وسيلة لتحقيق الذات والتقدم الاجتماعي، وبالنظر إلى دوره الرئيسي في نمو كوريا الجنوبية الاقتصادي السريع الذي حققته في العقود الثلاث الماضية..