لا يكاد عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ينتهي من مكيدة حتى ينصب الثانية، ولا يبالي ما إن كانت الأولى قد اصطادت شيئا أم لا. كل همه أن يواصل "نضاله الدعوي" قصد اقتحام القلاع التي ما زالت محصنة على حركته وحزبه. فالرجل منذ بداياته لم يخض معركة من أجل كرامة الإنسان المغربي، ويوم كان المناضلون ينشرون ثقافة حقوق الإنسان ويدافعون عن الطبقة العاملة كان هو يراسل الوزير القوي إدريس البصري كي يتعاون معه على سحق الشيوعيين "الكفرة بالله"، ودار الزمن فأصبح الشيوعيون يطوفون بكعبته، لكن المعركة التي لم تنته عند بنكيران هي معركة المساجد.
منذ أن سلك بنكيران سبيل الدعوة، باعتبارها أقرب الطرق للنجومية بعد أن كان اليسار أقرب الطرق إلى السجن، وهو يحاول اقتحام المساجد، وتقمص صفة الداعية ليعتلي المنبر، حتى وهو من أجهل الناس بمسائل العقائد والفقه ولا أدل على ذلك من اتهامه لإبراهيم الخليل عليه السلام بالشك في وجود الله، والداعية الجاهل لا يعرف أن النبوة بالتكوين وليست بالاكتساب، فاقتحم المساجد وهو "يدعو" لكن من خلال محفوظاته التي قرأها في كتاب شيخه المفضل ابن القيم الجوزية "مدارج السالكين"، وهو طبعا تلميذ لشيخ التكفيريين ابن تيمية.
وعندما أصدر جريدة الإصلاح، التي كان يرأس تحريرها الراحل عبد الله باها، لم يكن يصدر عددا دون أن يلمز ويغمز في وزارة الأوقاف وإدارتها للمساجد، وفي هذا الأمر يلتقي مع باقي الجماعات الإسلامية، ناسيا أنه لو حررت الدولة المساجد لسيطرت عليها العدل والإحسان وتركت له الفتات، ولكن الغباء يعمي صاحبه، وكذلك الشأن عندما صدرت الراية، وهو عنوان لجريدة بنكيران من اقتراح حسن الترابي، والشيء نفسه يذكر مع جريدة التجديد.
بنكيران يتقن المكر والخديعة بشكل كبير. أعطى الأوامر لشن الحملة ضد أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، وهاجمته الكتائب بشكل كبير، لكنها وقعت في الفخ عندما أفصحت عن اسمين رشحتهما لهذه المهمة، الأول مصطفى بنحمزة، عضو المجلس العلمي، لكن القريب جدا من الفكر السلفي والمتشدد تجاه المرأة إلى درجة أنه رفض مواجهة النساء في لجنة رسمية، والثاني سعد الدين العثماني، وزير الخارجية الذي ذهب إلى الكويت في نشاط رسمي وفضل لقاء الإخوان المسلمين وصاحب كتاب "فقه المشاركة السياسية عند شيخ الإسلام بن تيمية".
وظهر أن الحملة المضادة أيضا أتت أكلها فغير بنكيران المكيدة من جديد. ونصب فخا جديدا من خلال إعطاء الأوامر لكتائبه التي اختلقت صفحة في الفيسبوك تحت مسمى "من أجل إنقاذ أئمة المساجد من الذل والهوان"، مع العلم أن أوضاع القيمين الدينيين تمت تسويتها بأوامر من الملك بصفته أميرا للمؤمنين، ولأول مرة أصبح للقيميين راتب شهري وضمان صحي وتقاعد، ولم يكن للحكومة دخل في ذلك.
الأمر إذن ليس دفاعا عن حقوق أئمة المساجد، ولكن محاولة للإمساك بها كي تغزوها جحافل الوهابية والتوحيد والإصلاح قصد استعمالها سياسيا في المعركة الكبرى التي توجد في ذهن بنكيران منذ أربعين سنة خلت.
بوحدو التودغي