جنس، خيانة، وحرية !!
ككل المتتبعين للأحداث و الوقائع في المغرب، خصوصا ما ارتبط فيها بالفعل السياسي أو بالفاعلين السياسيين، وككل الناشطين على صفحات الموقع الاجتماعي الأزرق، تتبعت كل ما صاحب ما سمي بفضيحة “كوبل حركة التوحيد و الإصلاح” ، وما أثارني هنا ليس جرم الخيانة الزوجية، فردهات المحاكم المغربية، تعرف كل جلسة من جلساتها، النظر في العشرات من الحالات المرتبطة بهذا النوع من ” الجرائم”، وليس كون الواقعة قد بينت مستوى التناقض الحاصل بين خطاب و ممارسة جل المنتمين إلى فصائل الاسلام السياسي، ما أثارني هو فكرة الزواج العرفي، التي ارتبطت بهذه الفضيحة، ما أثارني أكثر هو الدفوعات التي تأسست عليها مواقف المدافعين عن المعنيين بالأمر، والتي وجدت خلفية لها في الصراع السياسي، أو بشكل أدق في التدافع الانتخابي، وما أثارني أكثر بشكل كبير، هي بعض مواقف من يحسبون على الصف الحداثي بالمغرب، أولائك الموضوعيين جدا، والليبراليين كثيرا.
إن مسألة الزواج العرفي، إذا كانت تعني شيئا في هذه النازلة، فهي لا تعني غير كشف زيف التوجه الإخونجي المحافظ، و الذي حاول لعقود ولا يزال إلى اليوم، وهو ناجح في محاولته على أية حال، الاستيلاء على عقيدة المغاربة، وجعلها مسيجة بمذهب يسهل لهم فيه و به التوغل في المجتمع، من خلال رفض و تكفير كل المذاهب الأخرى، و من خلال تبني خطاب يتأسس على التفاضل الأخلاقي بينهم وبين من يختلف معهم من المغاربة، والأخلاق هنا لا تعني غير مجموعة القيم التي اجتهدوا في تقييدها بنزعات شخصية لهم و لروادهم، حتى جعلوها محددات سلوكية يعتقد الناس، وهذا بسبب كذبهم، أنها محددات ربانية، فسيجوا اختيارات الناس، وجعلوها صورا محددة، ممنوع شرعا تجاوزها، وجعلوا تدخلهم في اختيارات الناس، تكليف رباني، كشكل من أشكال الرهبانية و الوصاية، في حين أنهم يتجاوزون المذهب والقراءة المعينة و الوحيدة لنصوص الدين التي اجتهدوا في فرضها على المغاربة ، ليأخذوا لأنفسهم ما يحللون به اختياراتهم، وسلوكاتهم، وممارساتهم من مذاهب أخرى و قراءات أخرى، وهم المدركون جيدا أن الحلال في الإسلام أوسع بكثير من الحرام، فهو الأصل في كل الأحوال.
ثم إن القول، بأن الواقعة ما هي إلا تصفية حسابات سياسية أو انتخابية، و الدفع على أساسه إلى إغلاق قوس النقاش الذي خلفته، هو تكريس وتأكيد له – أي هذا القول- ، فهي في كل الأحوال، لحظة لمساءلة مسار الإخونجية في المغرب، وهم الذين اجتهدوا في تقويض حريات المغاربة، وما مستوى ردود الأفعال الذي قوبلت به، إلا نتيجة للدهشة، ولخيبة الأمل التي أصيب بها كل من صدقهم يوما، وصدق ادعاءاتهم و افتراءاتهم على الله، وآمن بقاعدة ضيقة للحلال و الحرام، التي أسسوا لها باسم الله، في حين أنهم ينهلون من قاعدة أوسع بكثير من التي يدعون لها ويفرضونها باسم الله.
لكن ما استفزني كثيرا، هو جنوح البعض إلى تكريس عبث قيمي، والترويج لخلط مفاهيمي خطير، فمتى كانت الحرية مجالا بمعقوفتين مفتوحتين؟ متى كانت الحرية تصورا مطلقا، صالحا لكل زمان، والأهم في كل مكان؟، متى كان الحق يتجاوز القانون؟ وكيف يمكن مع هذا الطرح الدفاع عن دولة القانون؟ كيف للبعض أن يجعل الحرية قيمة مرادفة في معناها للميوعة؟ كيف يدافعون عن فعل ذميم كالخيانة، باسم قيمة فاضلة كالحرية؟، وبشكل ينفي عنها تأصلها وتطورها وارتباطاتها كتصور و كقيمة؟
ولعل هذه الواقعة، إذا كان لها من مزايا، بالإضافة إلى كشف زيف ورياء خطاب التوجه الإخونجي، وانتهازية المؤمنين به، ثم مستوى العبث القيمي الذي بلغه بعض المنتمين للتوجه الحداثي من داخل المجتمع، فهي قد أعادت نقاش مدى رجعية المدونة الجنائية بالمغرب، ولكن بنفحات إخونجية تقول بالحق، و بالحرية الشخصية، وفي حين أنه كان مفروضا استغلال هذا الجزر الحاصل في صفوف المحافظين، من أجل الدفع بنقاش القانون الجنائي المغربي، ومدى حمايته للحقوق، لكن الملاحظ هو غياب لمسة المجتمع المدني، والذي لا يمكن أن يكون له دور إلا مثل هذه الأدوار، ما يضيف تساءلا أخرا، إلى التسائل حول صدق الخطاب و النوايا الإخونجية، وحول استيعاب بعض المحسوبين على الصف الحداثي، لطبيعة الصراع في المغرب، وهو التساؤل حول ماذا يمكن أن يضيفه المجتمع المدني، إلى النموذج الديمقراطي التشاركي؟؟؟
فتح الله رمضاني