هكذا يشعر وينتشي المقاول بأزيلال حين تأسيس المقاولة..
أصبح مصطلح المقاولة كغيره من المصطلحات الأخرى المتداولة, كالإرهاب، العولمة، الخوصصة والإستثمار ...إلخ ،يوظف كمهنة ( أستاذ، سائق...)، ويكتسي أهمية ويعول عليه للنهوض بالتشغيل والمساهمة في تحقيق التنمية المنشودة، فيما يعرف بالمقاولة المواطنة حيث تقدم التنمية فوق كل اعتبار. وزيادة على ذلك فالإشتغال بميدان المقاولة يقتضي التكوين والتضحيات، وهو مجال تلجه شريحة واسعة من المجتمع، وكأننا يوما سنصير كلنا مقاولين، نتصور العالم يوما سيصبح مقاولة لها مديرها أو مؤسسها، نتقدم بسيرة ذاتية للإشتغال فيها أو التعامل معها..
سنغض الطرف عن تعاريفها النظرية، إذ بإمكان أي منا أن يجده في منجد إقتصادي أو قانوني أو جبائي..، كما يمكن أن يتخيل حاليا كحل سحري للبطالة والفقر..
وبقدر ما نريد تقريب المقاول كمصطلح من بعض المصطلحات، نجده يتعارض مع غالبيتها في الغاية والأسس، فالمناضل والمقاوم مثلا له هدف أساسه المواطنة الصادقة والهادفة، والتحرير والجهاد ضد المحتل وأي دخيل يهدد وحدة البلاد، بينما هدف المقاول الربح والإغتناء السريع والتحرر من الفقر والبطالة، والتسلل أو التسلق من طبقة إجتماعية الى طبقة، ومن المشي على القدمين الى ركوب سيارة جديدة، ومن مرافقة الفقراء ' الحامدين الشاكرين ' الى مصاحبة ومعاشرة أهل المال والجاه..، هنا لا نقصد المقاولة التي تسعى الى تبييض الاموال المترتبة من أفعال يجرمها القانون.
مهنة مقاول ورجل أعمال جزء منهم ساهمت في صنعه العصا السحرية، فإذا كان مصير المقاوم المليء بالحس الوطني إما الحياة والمجد والحرية أو الموت من أجل الوطن، فإن عالم المقاول لا يملئه سوى الإغتناء والرفاهية وحرية التنقل حتى خارج الوطن، والتسيير عن بعد بالهواتف والحواسب النقالة، بينما بعض الناس يهرولون الى مصاحبتهم والعمل معهم، أو الإقتراض منهم كلما دعت الضرورة..
ليس من السهل إغفال عالم المقاولة، عالم المخاطر القابل للإنهيار في أية لحظة، المحتاج دائما الى المال والحنكة والصراع، فكلما كبرت المقاولة كبت مشاكلها، وقد تدنو من السقوط والإفلاس..
إن دخول عالم المقاولة يحثم على مرتاديه التعرف والإلمام باللغة السائدة في أوساطه سواء ذات المفردات العربية أو الفرنسية، مصطلحات غريبة بحدة عن الجدد والدخلاء في الميدان، وتفترض تكوينا قانونيا وإلماما بالمصطلحات الإقتصادية والمحاسباتية والجبائية والتجارية والتقنية..، فالمقاول في صراع دائم، وقته من ذهب، يزعجه إضراب الإدارات، السرعة في كل شيء، هدفه هو تحقيق أقصى ما يمكن من الأرباح وفي أقرب الآجال وبأقل تكلفة، يستعمل كل الوسائل التقنية الجديدة وحتى أسرع السيارات، رغبة منه في ربح الوقت وليس التباهي كما يظن البعض، نهايته في حالة الربح شخصية آمرة، كثير السؤال، يأمر وينهى عن كل صغيرة وكبيرة، غالبا يفقد الثقة حتى في مقربيه ومساعديه، يسعى الى تحقيق أكبر عدد ممكن من المعارف والأصدقاء في كل إدارة يلجأ إليها.
إن تأسيس المقاولة أو بدايتها إشكالية تجد صداها في نفسية الشخص الراغب في عالم رجال الأعمال، أسئلة عديدة تنتابه، فمن يساعده؟ والى أين سيتجه؟ فإذا كان مؤهلا أو غير مؤهل يلجأ الى موثق أو محاسب، الغير مؤهل يسأل وهو خجول، ولا يفرق بين إدارة عمومية وقطاع خاص، هناك من يلجأ للمحاسب بالصدفة، في استقباله يجد أناسا رجال وشباب وفتيات أنيقات، أغلبهم يتحدث اللغة الفرنسية، يلج قاعة الإنتظار وبداخله صراع بين الإستمرار أو المغادرة، وهل سيصبح يوما بدوره رجل أعمال ثريا ؟، يسمع بجانبه بقاعة الإنتظار مقاولون جددا وآخرون قطعوا أشواطا، يتنقلون من مكتب الى مكتب، هواتفهم النقالة ترن بدون انقطاع، والموظفون داخل المكتب يتسارعون لإرضائهم، والكل يقترب بكل آداب واحترام.
خرج المحظوظون منهم، وظل مقاول جديد يريد استشارة موضوعها خلق مقاولة، صراع داخلي ينتابه وآخر مع محيطه، ينطلق تلميذا لاكتساب المعارف والمصطلحات الخاصة، وكذا حول المشاكل التي قد يتخبط فيها وكيفية الخروج منها، وينتهي آمرا متخبطا بين ما يحمله من نظري وتطبيقي، أو يعود للوراء ويستنجد بالغير أهل الإختصاص.
غالبا اللقاء الأول ينتهي بالصراع مع الذات، ومع المسؤول عن التأسيس بعد تحديد الأتعاب والمدة الزمنية لتأسيس المقاولة، والدخول غمار الأعمال والمغامرة، يتبادلان العناوين وأرقام الهواتف والوثائق، هنا يعتقد الجديد في الميدان منهم كأنه نجح في امتحان ما، اكتسب نوعا ما من الثقة في النفس، غير أنه ودع مكتب المحاسب وأسئلة كثيرة تراوده نسي طرحها في اللقاء الأول، طبعا لا يمكنه معرفة كل شيء عن المقاولة وعن مشاكلها، لا يمكنه معرفتها نظريا، وعليه معايشتها عن كثب، وهناك مشاكل إدارية لا يمكنه الإطلاع عليها في المرحلة الاولى، ربما سيكلف بها المحاسب لإزالة جميع الحواجز، وبعد مدة تصير المقاولة جاهزة أمامه لولوج عالم المنافسة الشرسة...
أزيلال الحرة / متابعة