طفلكِ إنسان قبل كل شيء !
استيقظت على رنين المنبه ، و الساعة تشير إلى السادسة صباحا ، أخذت ملف الترشيح لمهام المصاحبة و اتجهت إلى محطة تيزي نسلي قاصدا حافلة ولحاج التي تسير كل يوم إلى مدينة بني ملال . بعد كيلومترات من الطريق أشعل السائق المذياع فذهب تركيزي و تأملي إليه ، أستمع إلى حلقة من برنامج للتواصل مع النساء ، كان الموضوع مهما و الضيف مختصا في القضايا النفسية . أغلب المتصلين من النساء ، و جلهن يعانين من توتر و ضغط جراء عدم انضباط أبنائهن في الدراسة ، سواء كانوا أطفالا أو مراهقين . فهمت من كلامهن أنهن يعانين من قلق أصلي في حياتهن ، يطمحن لو أن أبناءهن يحققوا أشياء خارقة لهن ليستعيدوا طعم السعادة من خلال الشعور بالانتصار و الثقة في الذات و الحياة . لكنهن لم يعملن على تنمية رصيد الثقة و الحب في ذواتهن و حياتهن مع أسرهن . و هو عطب يعاني منه الجميع في مجتمعنا سواء النساء أو الرجال ، الشيوخ و المراهقون و الأطفال ، أجيال العطب النفسي و الجنسي و العاطفي و الذهني و السياسي !
شحنات ضخمة من الإحباط و السلبية و التوتر و القلق ، و طموحات و أحلام و مطالب ضخمة بضخامة الإحباط و الخوف . و هي معادلة غير سليمة و تؤدي إلى المزيد من الدمار النفسي و العاطفي .
غالبا ما نقع ضحايا سؤال مغلوط ينم على قدر من سوء الفهم و الاستبداد : ماذا يجب على أطفالنا القيام به ؟ و لكننا نتناسى ماذا يريده أطفالنا منا ؟. أعتقد أنهم يحتاجون لأن نقدر ذكاءهم و نحترم رغباتهم و نتصرف إزاءهم كأشخاص لهم إرادة و حق على أجسادهم و عواطفهم و أفكارهم و حياتهم .
يحتاج أطفالنا لأن نساعدهم فيما يحتاجونه ، لا أن نفرض عليهم حاجاتنا ، و نصفي على ظهر حياتهم حساباتنا مع ماضينا و حاضرنا و مستقبلنا و مع الآخرين و مع الحياة ، فأطفالنا ليسوا وسائل حياة في يدنا ، بل هم غايات حياة من أجل ذاتها ، و حياتنا معهم ليست تجميعا لحيوات مختلفة ، و إنما ميلاد حياة مشتركة تكون نتائجها غاية في حد ذاتها بالنسبة للجميع ، أن نحياها جميعا بشرف و حب و إيجابية . و إن تحقق ذلك ، فكل شيء سيتحقق في حياة الطفل تبعا لما يريد ، و هذا هو الأهم في رسالة الحياة الأسرية المشتركة .
و هنا أتساءل عن دور المدرسة و باقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية في إنقاد الأسرة التي تعيش اليوم أمراضا بسبب التحول القيمي المفاجئ من سيادة الأخلاق و الأداب الروحانية إلى سيادة القيم الاقتصادية و البراكماتية ؟.
إسماعل عشاق