قضية المرأة و التيارات ؟
أفرزت الثورات العربية خلال العقد الأخير خاصة في شمال إفريقيا صعود التيارات الإسلامية إلى مراكز القيادة فسعت بكل الوسائل إلى قيام مجتمع الشريعة ، طموح جعلها تضع خططا لرفع من وتيرة نشر الوعي الديني و أسلمة المجتمع و الأفراد تبعا لمنظومة قيم كلها من السلف ، و في خضم هذه الأسلمة احتلت المرأة قلب الاهتمام من طرف كل التيارات ، و كان القصد هو إرجاع المرأة إلى المربع الأول للشرع ، و إعادة تهذيبها بما يجعلها متوافقة مع دفتر التحملات شكلا و مضمونا . و هنا يبرز تفاوت بين هذا الدفتر أو ذاك التي تتبناه كل جماعة بين الالتزام المطلق الذي يتمثل في الحجاب الكلي و بين الحجاب المعتدل . و في كل الأحوال فمشروع إرجاع المرأة لبيت طاعة الشرع يقتضي منها أن تتنازل كليا عن حريتها و استقلاليتها المعنوية و الفكرية و أن تضع نفسها رهن إشارة تحكم القوى الذكورية التي تمتلك شرعا حق القوامة المادية و الأخلاقية. و تبدأ هذه التحكمات أولا بالتقليل من القيمة النفسية و الذهنية للمرأة بأنها ناقصة عقل و دين ، ثم الإقرار بالطابع المنحرف للميولات الأنثوية التي قد تقترب من الوساوس الشيطانية و قد تفسد حياة الدنيا و الآخرة لجماعة المؤمنين . و هذه الإستراتجية تبدو كلاسيكية في سيكولوجية التحكم التي تقتضي وضع الطرف المراد التحكم فيه في قلب أزمة ثقة ذاتية ، و تعميق الشكوك إزاء ذاته لكي تسهل الوصاية عليه . فالمرأة المسلمة الجديدة وفقا لدفتر التحملات الشرعية للجماعات الإسلامية السياسية لا تتعدى أن تكون ذاتا قد فقدت كل الثقة في النفس و الحياة و الأخرين من أجل اكتساب ثقة الله ، من خلال الخضوع لمنظومة قيم الهيمنة الذكورية الشرعية .
و قد بدأنا نشاهد مؤخرا عودة حساسيات إسلامية إزاء الاختلاط و الحجاب و اللباس في الجامعات و الفضاءات العمومية ، و هي مواقف تسعى من خلالها الجماعات الإسلامية التي وصلت إلى السلطة لرسم معالم اختلاف المرحلة الراهنة بالمقارنة مع سابقتها ، لأنها مطالبة بأن تسجل فرقا و قيمة مضافة .
و من جهة أخرى انحسر التوجه الليبرالي النسائي بفعل قوة المد الإسلامي السياسي ، فظلت بعض النساء و التيارات تدافع عن آخر مربع لحريتها و استقلاليتها في حدود هشة و في صراع دائم مع وعي مجتمعي جديد يميل إلى عدم الاعتراف بالاختلاف و الحرية . تسعى هذه القوى الليبرالية بسبب محدودية أثرها و وسائلها و حواجز القوى السلفية إلى المحافظة فقط على مكتسبات المرحلة السابقة . و هي تشعر اليوم ، من زاوية وضع المرأة و حقوقها ، بنكسة أو نوع من الإحباط لأنها من جهة كانت قوى حركية ميدانية في صناعة الثورات ، لكن سرعان ما وجدت نفسها مهددة بفقدان كل ثمار عملها ، و هي أقرب اليوم إلى البكاء على المرحلة القديمة .
و السؤال الذي يفرض نفسه علينا في خضم التأمل في هذا المشهد القيمي و الموقفي المضطرب هو هل الانتخابات المقبلة ستفرز تيارات تكون في مستوى عصر الكرامة ؟ تكون تحديثية لمنظومة الأفكار و القيم وعلى رأسها حقوق المرأة ، على مستوى الحريات الفردية و الممارسة المعيشية في الفضاء العمومي ؟
إسماعيل عشاق