قدر البيداغوجيا أن تكون إيديولوجيا !
من يدعي أن البيداغوجيا محايدة في فعلها التربوي فقد أخطأ ، فأي مشروع سياسي مجتمعي لا يمكن أن يتحقق من دون اﻷخذ بعين الاعتبار الشق التربوي ، فالتربية في طبيعتها هي وظيفة إعداد و تأهيل أفراد ليكونوا مواطنين وفق مواصفات المشروع المراد ، لذلك فالتربية متصلة من حيث المبدأ بالقرار السياسي ، و في هذا المستوى يمكن الحديث عن البيداغوجيا كجهاز التحكم و الصناعة ! و من جهة ثانية تتصل التربية ، من حيث غايتها ، بالمجتمع سواء عبر المحافظة على التنظيم الاجتماعي و الثقافي السائد ، أو بناء تنظيم جديد ! و في هذا المستوى يمكن الحديث عن البيداغوجيا كالسياج و الحاجز !
فالحياد الإيديولوجي الذي يروج له البعض هو مجرد وهم ، فقدر البيداغوجيا هو أن تكون إيديولوجية إن لم تكن إيديولوجيا في حد ذاتها ! فمنذ البداية برزت البيداغوجيا جهازا إيديولوجيا لنخبة حاكمة تصنع به المواطنين كما تريد ! خاصة أيام العبودية و الاستغلال !
و نحن اليوم ، رغم ادعاءات الحداثة ، نعود إلى هذه الصناعة البشرية ما دامت البيداغوجيا جهازا إيديولوجيا في يد اللوبي السياسي و المالي !
عندما أتأمل الثقافة التي تحملها الكتب المقررة في السلك الابتدائي ، من حيث القيم و الأفكار و العادات ، أسافر كما سافر سعيد الناصري في فلم ‹ عند الموحدين › ، إلى عصر مضى بقرون و قرون كأن الحياة كانت في ثلاجة حفظ الجثت ؟ كتب لا تتعدى قالب تهذيب الأخلاق و مذهبة العقلية لتصنع الناشئ لمجتمع في خبر كان ، غايتها الوحيدة والنهائية تتمثل في تكوين مواطنين كما يريدون – نخبة - عبر سياسة التطبيع المضمرة في كل كلمة و جملة في الكتب المقررة ، و حتى تلك المروجة في سوق المطالعة الحرة ، تجعل المواطن المصنوع يفكر و يفعل كما يريدون ، ليصبح في النهاية غير قادر على الاستقلال ذاتيا ، من حيث التفكير و الفعل و الحكم ! و حتى في أحلام النوم !
مبادئ العدالة و المساواة و تكافؤ الفرص ينبغي أن تبدأ في الفكر و الثقافة التي تبنيها مدرسة الحداثة إلى جانب مؤسسات التنشئة الأخرى خاصة الإعلام و المسجد ! ثقافة عادلة في قيمها و أفكارها و عاداتها !.
إسماعيل عشاق