و ماذا عن المدرس في تدابير الإصلاح ؟
كنت أنظر إلى المدرسين على أنهم صمام الأمان في المجتمع ، لأنهم الهيئة التي تتحمل تربية العقول و النفوس ، و لما في هذه المسؤولية من أثر بالغ على حياة الناس و البلاد كنت أفترض أن يتسلح المدرس بالعلم و المتابعة لما يستجد في حقول المعرفة و الثقافة الإنسانية ، و عليه أن يشتغل على ذاته بأن يطور أفكاره و مشاعره و ردود أفعاله حتى تأتي مخالفة لعامة الناس لأنه قدوة ، و حين يختلط حال العامة مع حال المدرسين فذلك حال لا يسر!
و كنت أنظر إلى المدرسين على أنهم أهل نظر و رأي ، فالمدرس حاكم و حكم و حكيم ، لأنه مطالب بأن يحلل و يحاكم الأفكار و المواقف و السياسات تبعا لقواعد و أصول عقلية ، و أن يعلم الجيل الناشئ ملكة الفحص و النقد ، و هو أيضا حكم ﻷن مآل الأمور إليه ، و لا بد أن يهتم مسيرو الشأن العام بأرآء أهل التعليم ، إن وجدت ، لما يتمتعون به من علم و حلم .
غير أن حال المدرسين اليوم في البلاد لا يسر ، لما انتهت إليه سياسة التضبيع التي أنتجتها الدولة في المنظومة المدرسية ، فانحدر سقف المطالب و تقلص أفق الحلم و الخيال و تجمد دم الإبداع في العروق ! و لم يعد هم للمدرسين سوى انتقال أو ترقية أو نقطة أو ساعات في المدارس الخصوصية ، فخاصموا الثقافة ، و تخاصموا مع المعرفة ، و قاطعوا المطالعة و القراءة ، و المفارقة أنهم هم من أوكلت إليهم مهمة تربية أبناء الشعب !
فغاب الموقف و انحدرت الثقافة و تواضع الفعل و أصبح المدرس عنوانا للفشل و الكسل في أعين عامة الشعب !
لكن الأخطر في الأمر أن الفكر التقليدي والخرافي ، الذي راج في الأوساط الاجتماعية منذ أيام التفسير الأسطوري و الخرافي ، استوطن عقول المدرسين ، إذ لا يمكن تمييز المدرس عن المواطن العادي في القناعات و الأفكار ، و بالتالي المدرسة لن تنتج أية قيمة إضافية فكريا و سلوكيا ، مادامت قيم الفكر التقليدي ترسخت في لاشعورهم ، في العقل الباطن !
على الوزارة المعنية قبل أي اختيار بيداغوجي أو ديداكتيكي أن تحررعقول المدرسين من الخرافات و الشعوذات المعرفية ! الإصلاح يحتاج إلى معرفة علمية تحترم ذكاء المتعلمين ، و حقوق الإنسان ، و تتوافق مع منطق السيرورة التاريخية الكونية ؟ .
ذ/ إسماعييل عشاق