لن نصلح المدرسة حتى يتخلوا عن نفاقهم !
مللنا من الحديث عن إصلاح التعليم ببلادنا حتى أصبح ظاهرة صوتية فقط ! ليس هناك إمكانية واقعية لإصلاح التعليم سوى أن يتخلوا عن نفاقهم الأخلاقي و السياسي و يشرعوا بالفعل في علاج كيميائي لسرطان الفساد و الغباء الذي يسري في جسد وزارة التربية الوطنية ! لا يعقل أن نظاما قياديا ينخره الفساد طولا و عرضا يوهمنا بإصلاح التعليم؟ أقلية مكونة من لوبيات المال و الأعمال تهيمن على هذا القطاع تدبيرا و تفكيرا ؟ بحيث أصبح جهازا إيديولوجيا مسخرا لخدمة اللعبة السياسية ؟. يجب أن ينطلق الإصلاح من الفكر و الثقافة التي تحملها الكتب المقررة : أية علوم نريد ؟ أية قيم نريد ؟ أية أفكار نريد ؟ بصفة عامة أي مواطن نريد في المستقبل ؟ إن أرادوا فعلا إصلاح التربية و التعليم يجب أن ينطلقوا من تصور النموذج الثقافي المراد بناؤه ؟.
تأملت الميثاق الذي يعتبر منطلق الإصلاح فوجدت عبارات مضحكة تثيرني كلما قرأت وثيقته : ‹ أن يمتلك المتعلمون ناصية العلوم › ؟ هل نسي من وضعوا هذا الميثاق أن يحددوا لنا بوضوح ماذا يقصدون بالناصية؟ هل يعني السنطيحة ؟ و لنفترض أننا سنمسك بالناصية ، فلأية علوم إذن ؟ كان من الضروري أن نعرف هل يتعلق الأمر بكل العلوم الممكنة و هذا أمر محال يخرج عن نطاق القدرة البشرية في تحصيل كل المعارف؟ أم يتعلق الأمر ببعض العلوم؟ و هنا كان على الميثاق أن يذكر لنا لائحة العلوم التي يتصور أنها ذات أولوية و تستحق أن تحظى بعناية المدرسة ؟ و فوق كل هذا و ذاك ، من أين سنأتي بناصية العلوم؟ هل سنشتري أخر الصيحات العلمية من السوق الدولية أم نتلقاها كمساعدة من اليونسكو أو من خردة المعرفة الفرنساوية ؟.
جاء مجال اللغات أولى أولويات التدبير المتعلق بتحسين المنهاج الدراسي للسنوات الأولى ، لكن عندما نتحدث عن اللغة فالأهم فيها هو الفكر و القيم و المعرفة التي تحملها ؟ فلغة الجزيرة العربية معتمدة أساسا لأسباب إيديولوجية و ليست تربوية و معرفية؟سخرت جسرا إيديولوجيا لتسييج ثقافة نخبة عرقية ؟ أما اعتماد الأمازيغية فهي فكرة مغرية من جهة شعبويتها الوجدانية، لكنها ساذجة علميا ، فالمغربي في حاجة لأن ينخرط في النظم اللسانية المنتجة للمعرفة و القيم على الصعيد الجهوي و الكوني بدل الغرق في نظم لهجات و قيم محلية عجزت عن تنمية شروطها الخاصة و مواكبة المتغيرات الكونية . نحتاج إلى اللغة الأنسب للعلم و المعرفة و القيم تختصر لنا طريق الإصلاح !
كما أن هناك تماسيح تسعى بسياسة ممنهجة لشل مؤسسات المجتمع و إعلان فشلها من أجل وضع اليد السيادية عليها ، و من ثمة تحويلها إلى ملك خاص ، كما كان الشأن بخصوص المؤسسات الإنتاجية التي كانت في ملك الشعب، و تعرضت لعملية تخريب ممنهج تحالفت فيه عدة أطراف ليتم بيعها بأثمان رمزية لصالح لوبيات الفساد السياسي و المالي .
المدرسة المغربية اليوم، بعد أن تم تدمير جهازها المناعي، و زرع كل الجراثيم و الأمراض فيها، حصلت على شهادة وفاة رسمية ، و جثتها تعرض للبيع في سوق الجيفة ، و يتربص بها سماسرة نهبوا ثروات البلاد و مشيعو الفواحش السياسية .
مشكل المدرسة هو قبضة نخبة تستحوذ على النفوذ السياسي و الاقتصادي و تتحكم فيها جهازا إيديولوجيا لها ؟ إن إصلاحها لن يتحقق باعتماد اللغة لأسباب إيديولوجية ؟ و لا بسياسة تمييع الوضع ؟ علينا أن نتحرر من النزعة العرقية و الانتمائية و السياسية و نفكر إنسانيا في إصلاحها .
إسماعيل عشاق ( أستاذ التعليم الابتدائي )