القطاع الصحى بالعالم القروى يستغيث؟؟
كثيراً، ما يلجأ المرء أمام قهر الزمان الى مقولات لاهوتية ،يجد فيها متنفسا عميقا، وارتياحاً تاما عمّا يعيشه من صراع داخلى ناتج عن تناقضات واقعه المعيشى..فقوله مثلا ،وهو يصارع الموت او يُكابد من أجل الحصول على "تأشيرة" دخول الى احدى المرافق الصحية، "أن الموت علينا حق" ،و"لكل أجل مسمى" و"كل من عليها فان"..،ليس سوى تعبيراً ساخطاً عما تعرفه هذه المؤسسات من تردى واضح فى الخدمات، ومن تمييز مكشوف بين فئات المجتمع..فالإنسان المقهور مُعرّض اكثر من غيره لكل مخاطر الحياة بسب ضعف قدرته المادية على العلاج، فأغلب حالات الوفاة يمكن تفاديها -وإن كنا نؤمن بالمطلق ان الموت علينا حق، ولا راد لقضاء الله وقدره- لو توفرت لدينا تغطية صحية شاملة ومجانية ..ووُضع الغنى والفقير على كفة المساواة وتمَّ إخضاع كافة المراكز والمستشفيات الصحية الى رقابة صارمة ومسؤولة كفيلة بضمان الحقوق لذويها..
فصحيح ان الجسد الصحى ببلادنا يعانى من اختلالات عميقة،وصحيح ايضا ان هناك ترديا واضحا فى مختلف الخدمات ،لكن ماليس صحيحا ،هو ان يكون الوضع سيئا بهذا الشكل وتزداد معه محنة فئة عريضة من الناس أغلبهم من ساكنة العالم القروى،الذين يحاربون الفقر المقدع والبرد القارس وما إن يلجون الى هذه المراكز حتى تتحول امامهم من مراكز للعناية الى مخافر للإستنطاق والسب والشتم مع العلم ان أغلب هذه المرافق الصحية هى مجرد بنايات تفتقر الى ابسط المستلزمات الطبية الضرورية كما هو الحال الان بقرى جبال الاطلس المتوسط، التى تضررت كثيرا بفعل هذه الخريطة غير المتكافئة سواء على مستوى التجهيزات والخدمات او على مستوى الموارد البشرية.هذا دون الحديث، عما أزدهر بها من ظواهر لا اخلاقية عنوانها الرئيسى"الإرتشاء او الموت"فالمهمشون والضعفاء وذوى الدخل المحدود مُجبرون على خيّارين لا ثالث لهما :اما الدفع الفورى من أجل عمليات قد تنجح او لا تنجح، اوفقط من اجل الحصول على أسرّة تحمل بين طياتها الاف انواع الحشرات كما أثبتث كاميرا الصحافة بمستشفى بنى ملال..،اقول اما هذا الخيار او خيار الموت البطىءالذى يكون محتما فى حالات عدة..
إن الوضع الصحى بعالمنا القروى أصبح بفعل هذه الإحتمالات حجرة عثرة فى وجه التنمية البشرية، ليس فقط بالنظر الى مختلف الإحصائيات التى جاءت على لسان مسؤولى هذا القطاع نفسُه،او بالنظر الى التقارير التى تُقدّمها بعض مؤسسات التنمية البشرية، بل ايضا بالإعتماد على العين المجردة والواقع المعيش الذى يكشف عن حقائق مهولة، فالأخطاء الطبية ،وامتصاص دم الفقراء ،والابتزاز اللاأخلاقى الذى طال حتى النساء وهن فى لحظة المخاض، والإرتشاء القبلى لكل العمليات المجانية والتردى المكشوف فى الخدمات ،وغياب التجهيزات ،وقلة الاطر الطبية.. أصبحت كلها عناوين رئيسية لقطاع الصحة بعالمنا القروى..
إن سبر اغوار هذا الواقع يتطلب أولا، الإنصات الى سكان هذه القرى بكل تعقل وتمعن، والى كافة مكونات المجتمع المدنى وخاصة فئة الإعلاميين الذين كثيرا مانبّهوا الى استفحال هذه الظواهر وتفاقم الوضع بشكل كارثى ، لكن لا أدان لمن تنادى،وتانيا يقتضى الوقوف على مثل هذه "الجرائم"التى تُرتكب فى حق مواطنين لا حول لهم ولا قوة،، وتسهيل مسطرة العدالة لتأخد مجراها الحقيقى واعتبار شهادة المرضى وكلمة الصحافة حجة دامغة فى اثبات مصداقية هذه الأحداث..
حميد رزقى/ بوقارون