السلوك الانتخابي للأحزاب السياسية
بين القانون والمارسة
تشكل الأحزاب السياسية ذلك الجسر التنظيمي الذي يقود إلى الديمقراطية، بحيث لا يمكن الحديث عن الديمقراطية بدون هيئات وسيطة ممثلة في الأحزاب السياسية باعتبارها الجسر الذي يربط المحكومين بحكامهم. وإذا كان المغرب يتميز عن العديد من الدول العربية من خلال التعددية الحزبية التي كانت واقعا قائما منذ نهاية الثلاثينات من القرن الماضي، فقد أفرزت تطورات الظاهرة الحزبية، في عهد الاستقلال متغيرات متعددة، منها ما هو مرتبط بموضوع نشأة الأحزاب السياسية وعلى رأسها متغير الانشقاق الحزبي، ومنها ما يتعلق بالسلوك الانتخابي للأحزاب الذي ظل موضوع جدالات سياسية وإعلامية وأكاديمية.
ومن المنطلقات الأساسية التي تحكمت في الهندسة الدستورية للأحزاب في ظل دستور 2011 تدعيم الطابع البرلماني لتوصيف نظام الحكم بالمغرب، مما يعزز ربط القرار السياسي بصناديق الاقتراع. بالإضافة إلى التنصيص الدستوري على كون السيادة للأمة تمارسها بصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها مع ربط التمثيل بالاقتراع الحر والنزيه والمنظم. كما تتميز الهندسة الدستورية ذاتها بتدعيم وظيفة الأحزاب السياسية، إذ لأول مرة يفرد المشرع الدستوري للأحزاب خمسة فصول (7، 9، 10، 47،111) بدل فصل واحد في الدساتير السابقة. فقد خص دستور 2011 اللأحزاب السياسية بمجموعة من الوظائف الجديدة. فبعد أن كانت الدساتير السابقة تقتصر على وظيفة تمثيل وتأطير المواطنين، وسعت وثيقة 29 يوليوز 2011 من وظائف الأحزاب السياسية، إذ أصبحت هذه الأخيرة مطالبة بالعمل على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام، كما أصبحت مدعوة إلى المشاركة في ممارسة السلطة على أساس التعددية والتناوب وبالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية (الفصل 7من دستور 2011). وتجدر الإشارة إلى أنه لضمان هذه المبادئ ألزم المشرع الدستوري بضرورة صدور قانون تنظيمي ينظم القواعد السياسية، وأنشطتها ومعايير تخويلها الدعم المالي للدولة، وكذا كيفيات مراقبة تمويلها.
تعتبر الديمقراطية الداخلية البعد الغائب، بنسب متفاوتة، في السلوك الانتخابي للأحزاب المغربية رغم أن جميع الأحزاب تعطي الانطباع على حرصها على تفعيل قوانينها الداخلية وأنظمتها الأساسية. ويلاحظ في هذا الخضم استمرار منطق الزعامة في الترشح أو منطق القبيلة،أو الجغرافيا (العالم القروي).
وتعتبر تزكية الأطر الحزبية في مواقع المسؤولية ا انتخابية على العموم نتاج السلطة التقديرية للزعيم أولا والقيادة ثانيا ضمن نسق لا يختلف جوهريا عن أنماط الارتباط العمودي (الشيخ والمريد)، أو منطق العلاقة الشخصية أو العصبية الأسرية أو القبلية السائدة داخل الحزب، خاصة في ما يتعلق بالترشح إلى البرلمان. وغالبا ما يكون ذلك في تجاهل للاستحقاق ببعديه السياسي والتقني، وهو ما يؤثر بداهة على التوازن الداخلي للأحزاب ويحولها إلى حلبات للتدافع الشخصي والتراشق السياسي بين مكوناتها.
وتطرح مسألة شفافية صرف الأحزاب السياسية للتمويل العمومي إشكالا مماثلا. إذ يعتبر التمويل العمومي للانتخابات الأداة التي تخول الأحزاب السياسية خوض حملاتها الانتخابية بشكل شفاف ومتكافئ وبالتالي الحد من ممارسات الرشوة والتأثير غير القانوني على أصوات الناخبين. هذا التمويل العمومي يتطلب، بالإضافة إلى "المساواة التناسبية" بين الأحزاب السياسية ضرورة إعمال الشفافية من طرف الدولة في توزيع وصرف ومراقبة التمويل العمومي للانتخابات، وذلك من أجل توضيح العلاقة بين المالي و السياسي. و لن يتأتى ذلك إلا بتملك الفاعلين الحزبيين لقيم الشفافية والمساءلة من اجل تدبير مالي سليم يكون فيه المرشحون و الأحزاب مطالبين بتقديم حصيلة لتدبيرهم في نهاية كل حملة انتخابية.
وأخيرا وليس آخرا، تستوجب الملاحظة الانتخابية و شفافية العمليات المرتبطة بها من إدارة للحملات الانتخابية واستعمال لوسائل الإعلام العمومي وتنظيم لوجيستي لعملية الاقتراع وفرز الأصوات اهتماما خاصا في ما يتعلق بتأهيل السلوك الانتخابي للأحزاب السياسية. ذلك أن الملاحظة المستقلة للانتخابات تهدف إلى التتبع الميداني لسير العمليات الانتخابية وجميع معطياتها ومراحلها بموضوعية وتجرد وحياد. وتقييم ظروف تنظيمها وإجرائها ومدى احترامها للقواعد الدستورية والنصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بها وكذا المعايير الدولية ذات الصلة من خلال إعداد تقارير بشأنها تتضمن ملاحظات المنظمات المعدة لهذه التقارير، وعند الاقتضاء، توصياتها التي ترفعها إلى الجهات المعنية. فكما هو معلوم، يساهم سلوك الملاحظ بشكل أكيد في محاربة الفساد الانتخابي، وتدعيم عملية الإصلاح السياسي، وتفعيل وسائله وآلياته. ولعل أهم ما تهدف إليه الملاحظة المستقلة والمحايدة في العمليات الانتخابات هو بناء جسور الثقة الناخب والأحزاب من جهة وبين بين المواطنين والسلطات الإدارية من جهة أخرى. وهو ما يسهم في التقليص من حدة ظاهرة العزوف الانتخابي الذي استفحل في المغرب في الاستحقاقات الأخيرة.
هذه الإشكالات ومواضيع أخرى وطيدة الصلة بالسلوك الانتخابي للأحزاب السياسية تشكل أهم محاور الندوة التي ستجمع فاعلين سياسيين وأساتذة جامعيين متخصصين اليوم الخميس 12 يونيو 2014 على الساعة الثامنة والنصف صباحا بكلية الحقوق - الرباط - أكدال.
ويأمل المرصد الوطني لحقوق الناخب والجمعية المغربية للعلوم السياسية والمؤسسة الألمانية كونراذ أدناور الداعمة لفعاليات هذا اللقاء العلمي أن يسفر هذا الأخير عن خلاصات وتوصيات من شأنها الإسهام في تأهيل الحقل الانتخابي في المغرب بصفة عامة، وصيانة حقوق المواطنين الناخبين بصفة خاصة.
عن الجمعية المغربية للعلوم السياسية والمرصد الوطني لحقوق الناخب